من يحمي القاع وأهلها من الانتحاريين؟ وهل يستطيع بضعة مدنيين حملوا السلاح صدّ هجوم عناصر «داعش»؟ هذان السؤالان يُؤرقان أهل البلدة البقاعية، لا سيما أن الأفق لا يزال مجهولاً. يكفي أهل البلدة ذهولاً أن ينفجر ثمانية انتحاريين دفعة واحدة في يوم واحد. يضاف إلى الذهول تساؤل عن مهمة الجيش في المرحلة المقبلة. فهل تُجهّز وحداته لشنّ عملية عسكرية لقتال المسلّحين في الجرود لطردهم منها؟ الإجابة على هذا السؤال حسمتها الاجتماعات الأمنية التي خرجت بخلاصة تُفيد بأن لا معركة سيخوضها الجيش ضد مسلّحي الجرود في المدى المنظور، رغم أن المعلومات الامنية تؤكد ان الانتحاريين لم يخرجوا من مخيمات النازحين السوريين، بل إنهم عبروا الحدود، بصورة غير مشروعة، آتين من سوريا، عبر الجرود. وقالت مصادر وزارية من فريق 14 آذار لـ"الأخبار" إن "الجيش غير قادر على خوض معركة في الجرود". ورداً على سؤال عما يحول دون أن يخوض الجيش معركة مشتركة مع حزب الله والجيش السوري لتحرير جرود القاع ورأس بعلبك وعرسال من الإحتلال الإرهابي، قالت المصادر: "لا نعتقد بأن الجيش قادر على خوض معركة مشتركة مع الحزب والجيش السوري". والمصادر كانت تتحدّث عن موانع سياسية، داخلية وإقليمية ودولية (سعودية وأميركية)، تمنع هكذا معركة. كذلك نفت مصادر عسكرية وجود أي خطة "حالياً" لخوض الجيش معركة لتحرير الجرود.
الانتحاريون جاؤوا من إمارتهم في سوريا ولا علاقة لمخيمات النازحين السوريين بهم
اجتماع مجلس الوزراء أمس تطرّق إلى الوضع الأمني وتفجيرات القاع. وعبّر فيه رئيس الحكومة تمام سلام عن خشيته من أن يكون ما حصل في القاع بداية لموجة من العمليات الارهابية في مناطق لبنانية مختلفة. وقبل ظهر امس، عقد اجتماع امني في مقر قيادة الجيش في اليرزة خُصص للتشاور في مستجدات الوضع الامني في البلاد وخصوصا بعد احداث بلدة القاع. وتم التوافق على إتخاذ سلسلة تدابير أمنية وقائية في مختلف المناطق اللبنانية للحفاظ على الأمن والاستقرار وطمأنة المواطنين. كما ترأس سلام عصر أمس في السراي الحكومي إجتماعا أمنياً حضره وزير الدفاع سمير مقبل ووزير الداخلية نهاد المشنوق وقائد الجيش العماد جان قهوجي والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم. وكشف المشنوق أن التحقيقات الأولية ترجح أن 4 انتحاريين من أصل 8 أتوا من الداخل السوري وليس من المخيمات المحيطة بالقاع. وتم التوافق على أن الوضع خطير للغاية، وعلى احتمال أن يكون ما جرى بداية لمسلسل لا خاتمة لعملية يتيمة، لكن من دون التوصل إلى قراءة موحّدة بشأن الأسباب التي دفعت تنظيم "داعش" إلى تنفيذ هذه الجريمة.
في إزاء ذلك، يقي الاستنفار سيد الموقف في القاع، لا سيما في وسط شبابها الذين شحذوا أسلحتهم للدفاع عن بلدتهم، بعد الهجوم الدامي الذي سقط فيه خمسة شهداء وأكثر من 30 جريحاً. معظم الشباب المنتشرين في الشارع المقابل لكنسية مارالياس، كانوا يوم امس لا يزالون يحملون أسلحتهم. غير أنّ هذا المشهد لم يستمر طويلاً، فقد منعت استخبارات الجيش الظهور العلني للسلاح. حصل ذلك فيما لا يزال الحزن يُخيّم على منازل عائلات شهداء التفجير الإنتحاري، كما مشاعر الخوف والقلق من هجمات أخرى قد ينفذها انتحاريون جدد. عزّز مشاعر الحزن هذه إرجاء مراسم الدفن حتى عصر اليوم.
في موازاة ذلك، لا يكفّ أبناء بلدة القاع عن السؤال عن طبيعة التدابير الوقائية التي تنوي الدولة اتخاذها لصد هجمات الإنتحاريين، وسط حالة خوف وعداء مستجدة ضد العائلات السورية المقيمة في مخيمات مشاريع القاع. وحاولت الأجهزة الأمنية التخفيف من حدّة المخاوف، إذ نفّذت وحدات الجيش عمليات مسح شاملة بدأت من بلدة رأس بعلبك جنوباً باتجاه القاع ومشاريعها شمالاً. فجرى دهم عدد من الشقق وأوقِف عدد من المشتبه في علاقتهم بالتنظيمات الإرهابية. وفي هذا السياق، أكد مسؤول أمني لــ«الأخبار» أن الشقة التي دهمها الجيش في القاع كان يستأجرها شبان سوريون، علماً أنها تبعد عشرات الأمتار عن مكان التفجيرات الإنتحارية الأربعة فجر أول من أمس، كاشفاً أنه عثر في داخلها على «أعتدة عسكرية وآثار بعض المواد التي تستخدم في تصنيع الأحزمة الناسفة».
أحد المسؤولين الأمنيين أشار إلى أن تدابير الجيش كافية لمواجهة الإرهابيين، وهو الكلام نفسه الذي ردده وزير الدفاع سمير مقبل اثناء زيارته بلدة القاع، متحدثاً عن «إجراءات استثنائية للجيش» في كامل المنطقة، سواء في جرود السلسلة الشرقية أو في الثكن أو على الطرقات، وهي قادرة على صد الهجمات الارهابية. من جهته، أعلن وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق أثناء تقديمه واجب العزاء بالشهداء أن «الإنتحاريين جاؤوا من إمارتهم في سوريا»، وأن لا علاقة للنازحين السوريين بالأمر، متحدثاً عن ضرورة التوصل إلى «صيغة توفق بين مسؤولياتنا الإنسانية كلبنانيين تجاه النازحين، وبين منعهم من أن يكونوا بيئة حاضنة للإرهاب التكفيري». وفي موازاة ذلك نفذت قوة من الجيش عمليات دهم لعدد من مخيمات للسوريين في قرى الطيبة وأنصار والحمودية والحديدية وأوقفت أكثر من مئة شخص لعدم حيازتهم أوراقا ثبوتية وإقامات وبطاقات دخول إلى الأراضي اللبنانية. في الوقت الذي لجأت فيه بعض بلديات البقاع ومنها الهرمل إلى تعميم قرار بحظر تجول السوريين مدة 72 ساعة نظراً للظروف الأمنية التي تمر فيها المنطقة.