اسم العملية: أغنية الصفصاف. التاريخ: ليل 4 ــ 5 أيلول 1997. الوحدة المنفذة: «شييطت 13»، ثاني أهم وحدة نخبة في الجيش الإسرائيلي، وهي متخصصة بالعمليات البرمائية. 16 جندياً من الوحدة ينفذون بعد منتصف الليل عملية إبرار على الشاطئ المقابل لبلدة أنصارية (جنوب لبنان) ويشرعون بالتسلل عبر طريق ترابي أُطلق عليه في خطة العملية اسم «طريق المرج». المهمة: زرع عبوات ناسفة في سيارة مدنية، وتفخيخ عدة نقاط في المحيط. الهدف: لم يُعلن قَطّ، وإن كانت تقارير صحافية إسرائيلية قد أكدت أنه أحد المسؤولين الكبار في المقاومة آنذاك. النتيجة: «كارثة الشييطت»، الحادثة التي حفرت في الوعي العسكري الإسرائيلي بوصفها أكبر وأقسى إخفاق عملياتي لوحدة الكوماندوس البحري في تاريخها.الوحدة وقعت في كمين محكم أعدته المقاومة، سبّب مقتل 11 جندياً من الـ»شييطت»، بينهم قائد الفصيل، وهو ضابط برتبة مقدم، كذلك قتل جندي ثانٍ عشر من وحدة الإنقاذ التي قدمت لإخلاء المصابين، فيما بلغت حصيلة الجرحى أربعة. حدة الاشتباك دفعت قوة الإنقاذ إلى الانسحاب سريعاً تحت النار، ما مكّن المقاومين من وضع اليد على جثة أحد جنود القوة المهاجمة التي بقيت ممزقة في أرض المعركة.
خطّط العدو
لاستخدام نوعين من المتفجرات في الاغتيال ليبدو جزءاً من «تصفيات لبنانية داخلية»

تفيد الرواية الإسرائيلية بأن الجندي الوحيد الذي لم يتعرض للإصابة، كان رجل الإشارة، الأمر الذي مكّنه من المناورة بالنار واستدعاء قوة الإنقاذ إلى المكان. في الأثناء، كان قد حضر رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي، أمنون شاحاك، إلى غرفة العمليات الرئيسية في مقر وزارة الحرب بتل أبيب وأشرف مباشرةً على إدارة عملية إخلاء قوة الشييطت من مكان العملية. وفيما طلب شاحاك من قوة تابعة لوحدة «إيغوز» أن تكون على جاهزية للتدخل، كانت مروحيات «كوبرا» تحلق فوق منطقة العملية لتؤمّن هبوط مروحية من نوع يسعور على مسافة نحو 100 متر من بقعة الاشتباك ونزول 12 جندياً من قوة مختلطة من «شييطت 13» ووحدة الإنقاذ المتخصصة 669. القوة المنزلة انقسمت سريعاً إلى مجموعتين: الأولى للتغطية والرد على مصادر النيران، والثانية للبحث عن المصابين والمباشرة بإخلائهم. لكن صليات نارية أطلقت على هذه القوة خلال المهمة أدت إلى مقتل الطبيب المرافق فيها، وهو ضابط برتبة نقيب.
في وقت لاحق، روى نائب قائد المروحية ما شاهده في مقابلة صحافية: «كانت الليلة شديدة الظلمة، واستعنّا بأجهزة رؤية ليلية. أطلقت علينا كميات كبيرة من النيران. عندما اقتربنا من مكان الحادث رأينا نقاطاً مضيئة. لم يكن واضحاً إن كانت هذه فوانيس أو طلقات نار. رأينا عدة حرائق صغيرة. كان صعباً من الجو تقدير خطورة الموقف. بعد خمس دقائق من إنزال قوة الإنقاذ، سمعنا قائد القوة يبلغ على اللاسكلي بصوت جدي جداً بوجود عدد كبير من القتلى».
استمرت العملية، منذ لحظة فتح النار حتى الاشتباكات التي واكبت عملية إخلاء المصابين نحو ثلاث ساعات. وقبل طلوع الفجر، أصدر رئيس الأركان أوامره لقوة الإخلاء بالانسحاب من المكان دون أن تتمكن من سحب جثة الجندي إيتمار إيليا، وكذلك أشلاء من جثث بعض الجنود الآخرين. في حزيران 1998 أعيدت الجثة والأشلاء جميعها إلى إسرائيل في إطار عملية تبادل مع حزب الله أدت إلى إطلاق سراح ستين أسيراً من أسرى المقاومة و38 جثماناً لمقاومين شهداء.
في كتابه «حرب دون شارة» وصف قائد وحدة إيغوز في حينه، موشيه تمير، المشاعر القاسية التي عاناها نتيجة العملية، ورجح فرضية أن يكون حزب الله قد حصل على معلومات مسبقة حول العملية، ما مكّنه من نصب كمين لمقاتلي الـ»شييطت».
في أعقاب «الكارثة»، تشكلت أربع لجان تحقيق من أجل محاولة الوقوف على حقيقة ما حصل، وخصوصاً كيفية حصول حزب الله على معلومات مسبقة عن عملية بهذا المستوى من السرية. وخلصت اللجنة التي أنشأها الجيش الإسرائيلي، برئاسة الجنرال غابي أوفير، إلى الاستنتاج أن قوة الـ»شييطت» وقعت في كمين عرضي، كان جزءاً من شبكة كمائن نشرتها المقاومة في أماكن مختلفة بجنوب لبنان. في حينه أعطى الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، إشارة واضحة في خطاب بعد الحادثة أعلن فيه أن «المقاومة كانت في انتظاركم»، إلا أن المؤسسة العسكرية في إسرائيل كابرت ورفضت التسليم باحتمال أن يكون حزب الله قد نجح في اعتراض معلومات عن العملية. في 31 آب 2007، نشرت صحيفة معاريف تحقيقاً قالت فيه إن إشارة البث الخاصة بالطائرة المُسيّرة عن بُعد التي كانت تمسح منطقة العملية طوال أسبوعين قبل التنفيذ وترسل صوراً مباشرة لها إلى محطة التحكم الأرضي داخل إسرائيل لم تكن مشفرة، ورجحت أن يكون هذا الخرق وراء انكشاف أمر العملية، وهو الأمر الذي كشفه السيد نصر الله على الملأ في آب 2010، حين عرض في كلمة متلفزة مشاهد مصورة استطاعت المقاومة قرصنتها من بث الطائرة المُسيَّرة، وتظهر هذه المشاهد منطقة أنصارية مع التركيز على المسار الذي سلكته القوة الإسرائيلية أثناء تسللها. في وقت لاحق تحدثت تقارير إسرائيلية عن أنه جرى التثبت من أصالة المشاهد وكونها مأخوذة فعلاً من بث «المُسيّرة»، ما دفع مسؤولين إسرائيليين إلى تبني فرضية الكمين المخطط له مسبقاً. وفي نهاية المطاف، أعلن قائد سلاح البحرية، إيلي ميروم، اقتناعه بهذه الفرضية وأبلغ عائلات القتلى من وحدة «شييطت 13» بذلك.
وكانت هذه العائلات قد طالبت الجيش، في أعقاب ما عرضه السيد نصر الله، بالكشف عن مواد لجنة التحقيق التي حققت في القضية. وفي تشرين الثاني 2012 عرضت القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي معطيات جديدة عن «كارثة الشييطت» أقرّ بموجبها الجيش الإسرائيلي بنجاح الجهود الاستخبارية التي بذلها حزب الله في أخذ العلم بالعملية مسبقاً. كذلك أظهرت المعطيات أن بعض جنود الـ»شييطت» حملوا على ظهورهم عبوات ناسفة كان يُخطط لزرعها بغية تصفية أحد المسؤولين في الحزب. وبحسب هذه المعطيات، كان هناك ثلاثة أنواع من المواد المتفجرة التي أدت إلى مقتل الجنود، أحدها يتبع لحزب الله، فيما النوعان الآخران كانا محمولين من قبل الجنود. وعلى إثر ذلك، أثار التحقيق التلفزيوني فرضية أن يكون الجيش الإسرائيلي قد خطط لاستخدام نوعين من المتفجرات في عملية الاغتيال لكي تبدو العملية جزءاً من «تصفيات لبنانية داخلية». في 14 نيسان 2013 عرضت القناة الإسرائيلية العاشرة مشاهد تُظهر جنود وحدة الشييطت يقومون بالاستعدادات الأخيرة قبيل الانطلاق إلى العملية.
«كارثة شييطت»، وكذلك «كارثة المروحيات» التي حصلت قبل ذلك بأشهر (4 شباط 1997) وقتل فيها 73 جندياً جراء اصطدام مروحيتين إسرائيليتين كانتا تقلان جنوداً نحو الأراضي اللبنانية المحتلة، شكّلتا منعطفين أساسيين عند الرأي العام الإسرائيلي لتأييد الانسحاب من لبنان والدفع باتجاهه.