من أصل نحو مئة ألف لاجئ فلسطيني يعيشون في مخيم عين الحلوة، هناك ألف مطلوب بالحد الأقصى بموجب أفعال جرمية متنوعة (الغالب فيها حوادث إطلاق نار في الهواء). ومن أصل هؤلاء الألف، هناك ما لا يزيد على ثلاثين مطلوباً يُصنّفون خطرين بالمعيار الأمني. ومن هؤلاء الثلاثين الأخطر، لا يتجاوز أعداد الأساسيين المنتمين إلى تنظيم «الدولة الإسلامية» العشرة في أحسن الأحوال. من بين هؤلاء، عماد ياسين، الذي قال الجيش إنّه «معروف بأنه أمير داعش» في عين الحلوة. واتُّهم بأنه كان يخطط لعمليات أمنية وتفجيرية في الجنوب وجبل لبنان وضد مراكز عسكرية تابعة للجيش. التنظيم الذي يبدو كمن يُفرِّخ أمراء في هذه البقعة الصغيرة، إن صحّت روايات الأجهزة الأمنية، يؤيده شباب متحمّسون يرون فيه أمل خلاصهم من "ظلم الدولة اللبنانية". غير أن هؤلاء لا يغيرون في المعادلة شيئاً. إلى جانب ياسين الذي لا شك في أنه يحمل فكر «الدولة الإسلامية»، تحضر الأسماء المتبقية من شبابه، ولا سيما هلال هلال وعبد فضة، إضافة إلى بضعة آخرين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة. وعندما قيل إن هذه المجموعة تخطط لتنفيذ تفجيرات انطلاقاً من عين الحلوة، انتفض أهل المخيم وقادة الفصائل فيه الذين اجتمعوا إلى مدير الاستخبارات في الجنوب العميد خضر حمود حيث أبلغه أحدهم أنهم على استعداد لتسليمه ياسين وهلال هلال إن كان هناك دليل يُثبت تورطهما. هدأت الحال ونُفِّس احتقان المخيم بعدها على هدي تسليم المطلوبين أنفسهم بموجب صفقة لتسوية أوضاعهم. كان السؤال يومها: «ماذا عن المطلوبين الخطرين؟ ماذا إن سُوّي وضع الجميع وبقي هؤلاء؟ كيف ستُحلّ الأمور؟" بقي الجواب معلقاً، فيما سُرّبت تلميحات عن عمليات أمنية نوعية خاطفة قد تلجأ إليها استخبارات الجيش، بمعاونة الفصائل، للحفاظ على أمن المخيم.
ماذا عن هيكلية «الدولة الإسلامية» في المخيم؟ في الواقع، «لا بنية تنظيمية فعلية للتنظيم داخل المخيم»، بل مجرد محاولة جدية لبناء شبكة تنسيق وتواصل بين عاصمة «الخلافة» في الرقة، والمخيم الفلسطيني الأكبر وباقي المخيمات، كانت عبر الأخوين جهاد وزياد كعوش، اللذين كان أحدهما أميراً شرعياً وناشطاً أمنياً في صفوف أكثر التنظيمات تشدداً ومكلّفاً بالعمل على ربط المخيمات بعضها ببعض. وبحسب مصادر جهادية، أرسل التنظيم في تلك الفترة موفداً ليقابل شخصيات في المخيم عارضاً عليهم البيعة، إلا أن معظمهم رفضها. وبحسب المصادر نفسها، بعد افتضاح هذا المخطط بتوقيف الأخوين كعوش، لم يُكلّف التنظيم رسمياً أمراء من قبله في عين الحلوة، ولا سيما أنه عقب توقيف الأخوين صودف مقتل مسؤول الساحة اللبنانية «أبو الوليد السوري» في غارة لقوات التحالف الأميركي، علماً بأن المسؤولين عن الساحة اللبنانية اليوم في التنظيم هما «أبو البراء العراقي» و«أبو أنس».
بالعودة إلى علاقة ياسين بـ«الدولة»، بحسب المصادر الأمنية، بدأت القصة منذ تموز الماضي. يومها رصد الفرع التقني في استخبارات الجيش تواصلاً له مع «عاصمة الخلافة» في الرقة. وبحسب الرواية الأمنية، خلُص الضباط المكلفون متابعته إلى أنّه سيكون الذراع الجديدة لتنظيم «الدولة» بعدما كُلّف بالإعداد لعمليات أمنية في الداخل اللبناني، ولا سيما أن صلة التواصل كان «أبو خالد العراقي» الذي يُعتقد بأنّه مسؤول العمليات الخارجية في التنظيم. وقد عزز هذه الشكوك غموض شخصية ياسين ابن الـ 47 عاماً، لحرصه على البقاء بعيداً عن الأنظار. إذ لم يكن يخرج من منزله في حي الطوارئ إلا نادراً. ياسين الذي يُكنّى بـ«أبو بكر» كان أحد العناصر الأساسية في عصبة الأنصار قبل أن ينشقّ عنها. ينقل مقربون منه أنه لم يغادر المخيم منذ 1994. أحد مؤسسي تنظيم «جند الشام» تعرض لمحاولة اغتيال عام 2008 وأصيب إصابة أقعدته في منزله لسنوات. منذ ذلك الحين، بات يتجنّب الظهور علناً. عاد اسمه إلى الظهور منذ عدة أشهر، ليجري اصطياده أمس من «عرين عصبة الأنصار». ماذا ستكشف اعترافات ياسين؟ ومن سيكون التالي بعده؟