ناهض حتّر شهيداً لسوريا: النظام الأردني شريك في القتل | على مرأى ومسمع من قوى الأمن الأردنية، أقدم أحد مناصري التيار السلفي في المملكة، على اغتيال الكاتب والصحافي الزميل ناهض حتّر بالرصاص، أمس، أمام قصر العدل في العاصمة عمّان، وفق تقارير الأمن العام وشهود العيان من محامين، كانوا هناك وتحدثوا إلى «الأخبار»، قائلين إن الدوافع وراء هذه الحادثة سياسية قبل أن تكون دينية.وسُمع صوت تكبير بعد إطلاق النار من الجاني، الذي تبين أنه كان إماما سابقا لمسجد في حي الزغاتيت في منطقة الهاشمي الشمالي، شرقي العاصمة، ويدعى رياض إسماعيل عبد الله. وقال بعدما سلم نفسه إنه فعل ما فعل «غضباً لله الذي أهانه حتر على فايسبوك».
وأفاد المحامي جلال الفلاح، الذي كان أمام قصر العدل، بأن الجاني نادى على ناهض أكثر مرة، حتى التفت إليه الأخير، ثم أطلق عليه الرصاصة الأولى وأتبعها بأربع أخرى قبل أن يفر من المكان وهو يكبّر، وما لبث أن سلم نفسه للشرطة.
وكان حتّر ذاهباً إلى جلسة في قضية اتهم فيها بـ«إهانة الذات الإلهية» بسبب مشاركته على "فايسبوك" سابقا منشورا يحوي رسما كاريكاتوريا. وهو لم يجد الحماية التي وعده الأمن بها، بعد الإفراج عنه بكفالة مالية بسبب حالته الصحية ومناشدات عدة لإطلاقه، على أن يستكمل حضور جلسات المحكمة، التي كانت ستصل عقوبتها في أسوأ الأحوال إلى السجن والغرامة المالية. لكن مصادر من العائلة قالت إنه كان ينوي السفر إلى بيروت لولا مصادرة الأمن جواز سفره ومنعه من ذلك.
على الصعيد الرسمي، استنكرت الحكومة ما وصفتها «الجريمة النكراء»، قائلة عبر المتحدث الرسمي إن «من قتل حتّر سيلقى القصاص»، فيما أدان مجلس الأعيان الاغتيال.
حزبياً، استنكر «التحالف الوطني للإصلاح»، وهو المسمى الذي يطلق على نواب «جماعة الإخوان المسلمون» الفائزين في الانتخابات النيابية الأخيرة والمتحالفين معهم، جريمة قتل حتر، فيما استدرك في بيان بالدعوة إلى «ضرورة ضبط النفس وعدم إثارة الفتنة».
كما استنكر «حزب جبهة العمل الإسلامي»، الذراع السياسية للجماعة الأم، حادثة القتل، مؤكدا رفضه «تجاوز القانون وأخذ دور مؤسسات القضائية والأمنية»، فيما رفضت النائبة ديمة طهبوب (الإخوان) ما سمته «تصيّد البعض» منشوراً كتبته عبر موقع التواصل الاجتماعي، قال منتقدوه إنه ساند جريمة اغتيال الكاتب الأردني. ومن ثمّ، سارعت إلى شطب عدد من المنشورات التي انتقدت فيها مواقف حتر.
أما الداعية المشهور في المملكة أمجد قورشة، الذي كان قد اعتقل بناء على فيديو أثنى فيه علناً على «جهاد جبهة النصرة»، فإنه مال إلى الإدانة كحال «الإخوان»، وكتب على صفحته على «فايسبوك»، «إننا نعيش في دولة القانون ولا يجوز لأحد كائناً من كان أن ينصّب نفسه قاضيا ويصدر الحكم وينفذه بنفسه».
الأمن لم يوفر الحماية اللازمة لحتر كما سحب جواز سفره منه

برغم ذلك، صعّدت الأوساط السلفية لهجتها على عكس الخطاب الرسمي والإسلامي المتحالف مع الدولة من جديد. وكان لافتاً حديث القيادي في التيار السلفي محمد الشلبي، المعروف بـ«أبو سياف»، عن أن الحادثة «كانت متوقعة»، مضيفا أن «منشورات حتر كادت أن تؤدي إلى فتنة طائفية، وتجر البلاد إلى أمور لا تُحمد عُقباها».
جرّاء الاغتيال، تجددت المطالبات بإقالة وزير الداخلية سلامة حمّاد، ولكنّ القصر الملكي استدرك الأوضاع بإقالة حكومة هاني الملقي وتكليفه مجدداً تأليف حكومة أخرى، على أن ذلك غير مرتبط بالضرورة بحادثة الاغتيال، وإنما على ضوء انتخاب مجلس نيابي سيعطي الثقة للحكومة الجديدة.
بالعودة إلى تفاصيل الأيام الأخيرة لحياة حتر، فإن أحد أقربائه صرّح بأن الأمن أبلغ أشقاء ناهض عند خروجه بالكفالة أن الدولة غير مسؤولة عن حمايته، وأن حتر أيضاً لا يستطيع السفر قبل الانتهاء من محاكمته.
العائلة حمّلت مسؤولية اغتيال حتر للحكومة ورئيس الوزراء الملقي، كما ذكر أحد أبنائها الإعلامي سعد حتر. وقال سعد إنهم سلموا الدولة بلاغا بعدد من التهديدات التي تلقاها الكاتب أمام أعين أجهزة الأمن، التي كانت تجيبه بأن «عليك أن تعيش حياتك بصورة طبيعية، ونحن مسيطرون على الأمور ولا تقلق مما يكتب على وسائل التواصل».
الأمر نفسه نقله ناهض قبل اغتياله إلى رفيقه الكاتب أحمد أبو خليل، الذي روى ذلك لـ«الأخبار»، مضيفا: «حتر بقي يوصي في آخر أيامه بالحرص على الوطن الأردني والشعب الأردني وعلى سوريا والمقاومة، وهذا هو موقف أهله برغم ما لاقوه من تكفير وتخوين».
واستنكر الكاتب الأردني في الخارج علاء الفزاع، صمت الدولة على الدعوات الصريحة لقتل حتر الذي «تُرك من دون أي حراسة برغم جدية التهديدات... حتى حينما قتل ترك على الأرض وحيدا إلا من مساعدة فتاة وشاب، فوفق الفيديوهات المنشورة لحادثة الاغتيال رجال الأمن أمام قصر العدل وقفوا متفرجين دون أي تحرك».
في السياق، قال أستاذ الفلسفة في جامعة القدس بلال زرينة، تعقيبا على ما حدث، إنه «من السذاجة أن نقتنع بأن ناهض حتر قُتل لسبب ديني، فهناك آلاف الملحدين واللادينيين في بلده ينكرون علناً وجود الله والنبوة، ولم يتعرض لهم أحد بسوء»، مضيفا: «حتر دفع ثمن مواقفه السياسية التي عبّر عنها في مقالاته ولقاءاته، لأنه من أشد المدافعين عن وحدة الأراضي السورية، والناقدين لمشروع الإسلام الجهادي».