في موازاة المشاورات المعلنة التي اجراها الرئيس سعد الحريري مع القيادات اللبنانية، بين 26 ايلول و30 منه، ثمة جهود غير معلنة في اتجاه مكمّل يتولاه مسؤول رسمي بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس ميشال عون. وهو زار عون الاسبوع الفائت بعيداً من الاضواء، بعدما كان زاره قبل اسبوعين في مهمة مغايرة. تحظى وساطة المسؤول الرسمي بدعم من حزب الله، وتتوجه الى رئيس تكتل التغيير والاصلاح اكثر من رئيس البرلمان.وتبعاً لمعلومات مطلعين على شق منها، تقضي الوساطة بترطيب علاقات الرجلين توطئة لخطة تبدأ بزيارة وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل عين التينة للتفاهم على ملفات محوطة بانتخاب عون رئيساً للجمهورية، والمقصود بها السلة التي نادى بها بري وربط الاتفاق عليها بالاستحقاق برمته، على ان تليها بعد توافق المضيف والضيف على زيارة عون لبري تثبيتاً لما كان تقرّر.
بحسب المعلومات اياها، عاد المسؤول الرسمي من عند عون بأجوبة إيجابية حيال الاتفاق على السلة، على ان الامر لا يروي ظمأ بري الذي يريدها علنية. ما يشير الى ان حظوظ الافصاح عن هذا الاتفاق ليست قليلة.
قد لا يكون ذلك وحده الاشارة الايجابية المطلوبة من المرشح الاقوى والاوفر حظاً. في اجتماعهما الاخير في 30 ايلول، رغب الحريري الى عون في ابداء مواقف بناءة ومريحة حيال الشارع السنّي، من شأنها تسهيل مهمته في تسويق ترشيحه في هذا الشارع، كما في القاعدة العريضة لرئيس تيار المستقبل وفي قلب تياره خصوصاً. في الغالب، قد تصدر عن عون اليوم، في الاجتماع الدوري لتكتل التغيير والاصلاح، الاشارة الايجابية المتوخاة حيال الشارع السنّي.
على ان الوساطة المطلوبة هذه، تأتي استكمالاً لاجتماع باريس قبل اقل من شهر بين باسيل ونادر الحريري مدير مكتب الرئيس السابق للحكومة الذي استمر في حضور الوزير الياس بوصعب الى الرابعة فجراً، عاد بوصعب الى بيروت في الساعات التالية لاخطار عون بنتائج ما اتفق عليه. وهو ما عناه التحرّك المفاجىء للحريري غداة عودته الى بيروت في 24 ايلول، معوّلاً على ارضية ما قرره اجتماع باريس ــــ 2، على صورة مكملة لاجتماع باريس ــــ 1 قبل 11 شهراً، في تشرين الثاني 2015، بينه وبين النائب سليمان فرنجيه. حينذاك فشلا في اخراج تأييد الحريري ترشيح فرنجيه الذي اغضبه، بدوره، افتضاح اللقاء قبل ان يتمكن من مناقشته مع حلفائه بري وحزب الله وعون حينما كان لا يزال حليفاً بعد.
طلب الحريري من عون موقفاً ايجابياً حيال الشارع السنّي يطمئنه

نجاح اجتماع باريس ــــ 2 اعاد الحريري الى بيروت حاملاً خطة تقضي بدعم انتخاب عون في سبيل وصوله هو الى السرايا، قادته ايضاً الى برمجة جولات مشاورات محلية، منفصلة تماماً عن تلك الذي سيجريها في الخارج، وابرزها واولها موسكو اليوم، المقررة سابقاً، قبل التحوّل الذي ضرب الاستحقاق الرئاسي في الايام الاخيرة، وقد باتت تحوط به المعطيات الآتية:
1 ــــ خلافاً لما ردده امام عدد من القيادات التي التقى بها، وتأكيده ان الخيارات «مفتوحة» على اكثر من مرشح بمَن فيها عون، يخطو الحريري بجدية غير مسبوقة حيال ترشيحه، ويحاول التعويل على الوقت للحصول على تأييد القيادات تلك كما «تبليع» شارعه خياراً كان ثابر ونوابه في تيار المستقبل في الاشهر المنصرمة على التحريض على رفضه. يتسلح الحريري بذريعة تبريره الانتقال من خيار فرنجيه الى خيار عون ــــ وفي جانب من ذلك ما قاله في عشاء بنشعي في 26 ايلول ــــ انه اقدم على تحريك الاستحقاق. الا ان حزب الله لم يلاقه في تأييد ترشيحه نائب زغرتا. امام فرنجيه تجنب القول انه تخلى عنه كي يؤيد المرشح الآخر، وامام بري قال انه لا يريد هذا او ذلك لكنه يطلب النزول الى ساحة النجمة.
2 ــــ يتصرّف الحريري في تحرّكه على انه يسوّق لترشيح عون في معرض اظهار حجته الرئيسية لهذا التحرّك، وهي انه يريد املاء الشغور في رئاسة الجمهورية. لا يتردد في القول انه لم يتخذ قراره النهائي، ويقارب الاستحقاق من باب خيارات مفتوحة لا توحي بأنه في مأزق او يجبه ازمات متشعبة الوجه.
3 ــــ رغم موقف الارتداد الذي اتخذه فرنجيه على اثر عشاء بنشعي بتأكيده مضيه في الترشح وإن بلا حليفه السنّي الجديد، فإن احداً لا يتوقع توجّه عون الى مجلس النواب كي يجد نفسه في منافسة وجهاً لوجه مع نائب زغرتا وإن كسب تأييد الحريري. يعوّل هنا على دور حزب الله في سحب ترشيح فرنجيه، في وقت تفادى الحزب التعليق على استثنائه من جولة المشاورات التي اجراها الرئيس السابق للحكومة. في المقابل يشيّع الحزب موقفاً اكثر احراجاً للحريري بالقول انه يستقبله بعد ان ينضم الى تأييد عون.
4 ــــ تواجه دعم الحريري ترشيح عون عقبتان رئيسيتان قد لا يكون من السهل تجاوزهما:
اولاهما، رئيس المجلس الذي يصرّ على سلة تفاهمات سياسية تتناول المفاتيح الرئيسية للعهد الجديد، لا سيما منها تأليف الحكومة وقانون الانتخاب. لأسباب مختلفة انضم فرنجيه والنائب وليد جنبلاط الى تحفظ بري عن انتخاب عون، مع ان رئيس المجلس تمسك بالسلة نفسها حينما اعلن الحريري في تشرين الثاني الفائت تأييد فرنجيه، وهو الموقف نفسه الذي يجبه به عون. ما يبرر تشبث بري بسلته، ان الحريري ابرم بدوره في باريس مع فرنجيه ثم باسيل سلتين اخريين.
ثانيتهما، الغموض الذي يحوط بموقف الرياض من تحرّك الحريري. لم يعد الى بيروت من طريقها، ولم يدرجها في اولى محطات جولته الاقليمية اذ اشاع انها ترمي الى مناقشة خياراته مع دول من غير المنطقي ان توحي بأنها معنية بالإستحقاق الرئاسي اللبناني كموسكو وانقرة. الى اليوم تصف السعودية حزب الله بالتنظيم الارهابي، وتعمل على شل حركة تنقل امواله، وتتهمه بأعمال ارهابية داخل المملكة حتى، ما يطرح تساؤلاً عن دوافع مجاراتها انتخاب المرشح الاول والوحيد للحزب.