لم يكد الرئيس سعد الحريري ينهي خطابه، أول من أمس، حتى بدأ يتكشّف عمق الهوّة التي تفصله عن المعترضين على قراره تبني ترشيح العماد ميشال عون داخل كتلته النيابية. وبدا أن كل التبريرات التي قدمها لم تفلح في تبديد هواجس نوابه. لا بل إن هناك من يؤكد أن من قرر من هؤلاء الالتحاق بقطار المعارضين زاد عددهم ولم يعد محصوراً بأربعة نواب أو خمسة، وأن الاعتراض المستقبلي ينتقل، بسرعة قياسية، من مجرّد تسجيل موقف بالاقتراع بأوراق بيضاء، إلى خانة العمل ضد الخيار الحريري. وتردّد بقوة، أمس، أن رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة بدأ تواصلاً مع عدد من نواب الكتلة لتشكيل قوة ضغط للحؤول دون وصول عون إلى الرئاسة، مستفيداً من سيادة مناخ بأن «موقفاً سعودياً سلبياً من مبادرة الحريري سيصدر في الأيام القليلة المقبلة».
مصادر مستقبلية ترى أن المعترضين «ارتكبوا خطأً كبيراً بمسارعتهم إلى التصريح برفضهم لخيار الحريري فور انتهاء كلمته، ومن داخل بيت الوسط نفسه كسروا هيبة الرئيس الحريري ورمزيته ووضعوه في وضع دقيق، رغم أنه سبق أن طلب منهم عدم الظهور إعلامياً، وأبلغهم رفضه المزايدات عليه»، وتسأل: «إذا كان هؤلاء فعلوا ذلك فيما لا تزال الأمور في بداياتها، فكيف سيكون الحال إذا ما فشل مشروع التسوية ولم يصل عون إلى رئاسة الجمهورية والحريري إلى رئاسة الحكومة؟». وتشير المصادر إلى أنه «منذ إعلان دعم العماد عون، دخل التيار في مخاض لا نعرف ما إذا كان سيؤدي إلى ولادة سليمة أو إلى احتضار»، متخوفة من «انتقال العدوى الاعتراضية وترافقها مع حركة غاضبة في الشارع». وعوّلت المصادر على «تذليل العقبات التي تقف في وجه انتخاب عون، لأن ذلك سيحدّ من المعارضة داخل الكتلة»، مشيرة إلى أن «هذا الحجم من الاعتراض لم يظهر مثلاً في الحوار مع حزب الله حتى في أقسى لحظات الاشتباك معه».
مؤيدو عون في «المستقبل»: عدد المعترضين لن يتجاوز الخمسة

في المقابل، لا ينفي نواب من الجناح المعارض «خروجهم من الهامش المسموح لهم». وفي وقت أكدت فيه مصادرهم أن «الرئيس السنيورة لم يعقد أي اجتماع جانبي»، أشارت إلى أن «أساس تحركها يعود إلى أجواء تعبئة سياسية عمرها سنوات ضد العماد عون». ورأت أن «الرأي العام يُصنَع وهو بحاجة إلى فترة كبيرة لإعادة قولبة مواقفه»، وهذا الأمر «يحتاج إلى جهد كبير وحجج أكبر».
ماذا عن الأسماء التي انضمت إلى جبهة المعارضة؟ لا تملك المصادر جواباً حاسماً. الذين لن يصوتوا حتماً هم النواب محمد قباني، عمار حوري، أحمد فتفت، نضال طعمة، معين المرعبي، فريد مكاري، سمير الجسر، إضافة إلى السنيورة. أما الآخرون، فلا يزال موقفهم متذبذباً، كـ «أمين وهبة ورياض رحال وغازي يوسف ونبيل دو فريج وقاسم عبد العزيز». وتشير مصادر هذا الجناح إلى أن «الأمور قابلة للتغيّر في كل لحظة»، مذكرة، على سبيل المثال، بأن «غالبية نواب المستقبل كانوا ضد التمديد للرئيس إميل لحود، لكنهم عادوا وصوّتوا للتمديد بطلب من الرئيس رفيق الحريري»، معتبرة أن ما قاله السنيورة عن «أننا سنبقى إلى جانب الحريري ولن نتركه هو تأكيد لحرصه والتزامه خط الرئيس الحريري». وكشفت عن «محاولات جدية للخروج من هذه الحالة الاعتراضية عبر لقاءات يعقدها الحريري مع النواب طوال الوقت».
في المقابل، تؤكد مصادر النواب المستقبليين المؤيدين لوصول عون إلى بعبدا أن عدد أعضاء الكتلة الذين سيقترعون لغير عون لن يتجاوز 5 نواب. ويجزم هؤلاء بأن النواب المترددين لن يُتركوا، بل سيجري العمل على حسم موقفهم، "فضلاً عن أن الأجواء الدولية والإقليمية ستُقنع بعضهم بالسير خلف خيار ترشيح عون". ولا تنفي المصادر المعلومات عن أن الرئيس السنيورة لا يكتفي بتسجيل موقف معترض، بل يعمل على زيادة عدد المعترضين، من خلال الاتصال بهم، وتنظيم حملات ضغط عليهم، لكنها لا تفصح عن كيفية تصرف الحريري معه.
يبقى أن ما تشهده كتلة المستقبل ليس سهلاً، خصوصاً أن بعض المعترضين ما كانوا ليحلموا بدخول "جنة" المجلس لولا أن الحريري أجلسهم في "بوسطته". وفي هذا السياق، كان لافتاً إعلان الأمين العام للتيار أحمد الحريري، أنه سيكون لرئيس المستقبل موقف من النواب الذين قاطعوا كلمة بيت الوسط. في مقابل هذا الكلام العلني، تؤكد أوساط الأمين العام للتيار أن الموقف لن يكون محصوراً بالمقاطعين وحسب، بل سيكون للحريري في حال خروجه منتصراً من هذه التسوية حساب آخر مع «المتخاذلين»!