«لا أملك أن أعيش أنانية الفرح، فيما إخوة لي في سوريا يُقدِّمون دماءهم دفاعاً عنا». هكذا يرد الناشط العوني طوني أوريان على سؤال عن شعوره حيال ثمرة كفاح تياره بوصول الجنرال ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية. أوريان، أحد أعضاء فريق الـ"أوميغا" البارزين، الذي لم يترك تظاهرة إلا شارك فيها مناضلاً إبان الوجود السوري في لبنان ولاحقاً في أكثر من محطة، كان آخرها رفعه صورة منددة بملك السعودية، يعمل إلى جانب مجموعة من الشباب تقوم بنشاطات مستقلة عن التيار الوطني الحر. بالنسبة إلى العوني العتيق، الشهادة فرحة أيضاً، لكنها تُستكمل بالانتصار.يحكي الشاب المشاكس عن خليط من المشاعر. عن سنوات طويلة من النضال أثبتت أن لا شيء مستحيل. عن فرحٍ مُطعمٍ بحزن لدى تذكّره «الأمانة». و«الأمانة» التي يتحدّث عنها أوريان هي «دماء الشهداء التي بُذلت من أجلنا كي نعيش بكرامة ونصل إلى حيث وصلنا. لا يجب أن ننساها. وهي لا تزال تبذل اليوم في سوريا». أوريان الذي زار جبهات القتال في حلب وحمص مرات عدة، يقول إن «النار عندما تضرب تلغي الحدود. ذهبت إلى سوريا لأقف إلى جانب من كان عدوي بالأمس (الجيش السوري) يوم كان محتلاً لأرضي. أما اليوم فأقف إلى جانبه لمواجهة الإرهاب الذي يشكل خطراً داهماً علينا جميعاً».
في إحدى زياراته للميدان السوري، شاءت الصدف أن يكون أوريان شاهداً على مجزرة الثابتية في ريف حمص حين فجرت المجموعات الإرهابية صهريجاً محملاً بالمتفجرات أمام حضانة للأطفال. بالنسبة إلى الشاب الأربعيني، المعركة في سوريا هي قتال بين الإنسانية والهمجية. والإنسانية فوق كل اعتبار. هل يعتبر أن مهمته قد أُنجزت بتسلّم تياره الرئاسة؟ يجيب: «الرئاسة بالنسبة إلينا وسيلة لا غاية». يتحدّث بتفاؤل استثنائي عن عهدٍ جديد.
أوريان الذي ينشط في صفوف التيار، كـ«Freelancer»، كما يفضل تسمية نفسه، لا كحزبي منظّم، يرى أن التحدي الحقيقي الأول الذي سيواجه التيار هو قانون الانتخاب. ويعتبر أن قانون انتخابٍ مبنياً على التمثيل الصحيح يعدُّ تحدّياً أصعب من ملف الرئاسة . نقاشٌ آخر يخوض فيه أوريان. يحكي عن «محبطي عزيمة سيقفون عند كل مفترق لمعايرتنا»، لذلك: «حاسبونا، لكن لا تُسقطوا عنا قرينة البراءة. قولوا هول مناح حتى يثبت العكس، ولا تتعاطوا معنا بأحكامٍ مسبقة». يستشرف عقبات قادمة. ويرى أن العناوين الرئيسية لهذه المرحلة ستكون «محاسبة قتلة الجيش وقانون الانتخاب وقضايا الفساد». لكن مهلاً، يقال إن التسوية أوصلت عون إلى الرئاسة مكبّلاً بقيود رسمت له خطوطاً حمراً، فهل يقدر على المحاسبة؟ يفضل أوريان استخدام عبارة تفاهم بدلاً من التسوية. ويرى أن الواقعية تؤكد أن «هناك استحالة لحصول تغيير شامل فوري، إنما الإصلاح سيكون تدريجياً». يخاطب أوريان اللبنانيين قائلاً: «كونوا واقعيين. لا تلومونا إن عجزنا في بعض القضايا. نحن نتعهّد خوض كباش لحسمها لمصلحة المواطن، غير أن هذا الكباش ممكن أن نربح فيه وممكن أن نخسره أيضاً». بالنسبة إليه: «العبرة في الموقف، لا النتيجة. لكن نأمل دائماً أن تكون النتيجة لمصلحة وطننا».
هل ستتقاعد؟ ومتى سنراك متظاهراً؟ يجيب أوريان من دون أن يفكّر: «كنا على الأرض لأن المؤسسات كانت معطلة. وكانت الحاجة ماسة للتمرد. وبس تمشي المؤسسات، نحن مننسحب. الأرض استثناء مقابل انتظام المؤسسات». إذاً ستتقاعد؟ «بالتأكيد لا. سأكون حيث يجب أن أكون. سأعمل في الظل مع رفاقي. هناك الكثير لنقوم به. وسنعمل على تأهيل جيل جديد».
«تحملتِ كتير يا إمي. سامحيني.. تحمّلي شوي بعد.. قرّبنا نوصل». هذه الكلمات خطّها الناشط العوني لوالدته منذ مدة. يشعر الشاب بثقل سنوات النضال على والدته. السيدة الصبور التي وقفت أمام سجنه في رومية عام 2001 يوم أعلن إضرابه عن الطعام، مطالبة بأن تُسجن كي تكون إلى جانبه. كتب أوريان لوالدته التي «أكلت نصيبها» في العديد من التظاهرات دفاعاً عن ابنها وعن القضية. ورغم ذلك، لم ييأس بعد. نضاله المتجدد في سوريا دفاعاً عن لبنان، أثقل كاهلها. اليوم سيجلس الشاب المشاكس بقربها لمتابعة جلسة انتخاب «فخامة الرئيس» ميشال عون. هكذا سيبدأ أوريان النهار التاريخي في سجل التيار الوطني الحر، مستعيداً أيام كان يُسحل فيها على الطرقات في التظاهرات من أجل هذه اللحظة. بكلمة أدق، من أجل الخلاص الذي ينشده. لكنه يتذكر في هذا اليوم رفيق دربه غازي عاد الذي دخل في غيبوبة منذ أيام. «غازي كان أول شخص التقيت به. عملياً، هوّي علّمنا كيف نرجع نوقف، بس غازي يمكن ما يقدر يحضر الاحتفال معنا».