هو "الرئيس المواطن" الذي يقف إلى جانبه معظم أبناء قضاء زغرتا "على الحلوة والمرّة". السبب إدراكهم أنّ "لبنان بدّو سليمان". من مميزاته، بنظرهم، أنه "الرئيس المقاوم" و"رمز الصدق". بهذه العبارات ذُيِّلَت صور رئيس تيار المردة سليمان فرنجية التي تنتشر في قضاء زغرتا. نهار أحد تشريني هادئ مرّ على زغرتا أمس، التي عاد إليها أهلها بعد اختتام موسم الصيف في إهدن. صمت النهار خرقه بعد الظهر موكب سيارات داعم لفرنجية غير مُنظم من قبل تيار المردة.العصبية في هذه البلدة الشمالية تشتد حين يتعلق الأمر بزعيمها، "البيك".
لا مُشكلة إذا مارس عون الرئاسة وفق قواعد 8 آذار فنحن نعتبره جبلاً

في المقهى المقابل لقصر الرئيس سليمان فرنجية يجلس ثلاثة رجال يصدف أن اسم كل منهم طوني فرنجية، لينضم إليهم آخر من آل فرنجية ونعمة، الرجل الذي ذهب بعيداً في انتقاد حزب الله على وسائل التواصل الاجتماعي، مُستعملاً تعابير مثل "الغدر"، في حين أن الوفاء يتمثل من وجهة نظره بالمملكة العربية السعودية. هؤلاء يُعبّرون عن النفس المُتشدد لأنصار فرنجية، متهمين حزب الله بأنه "لم يعد مقاومة". يسألون عن "الازدواجية في المعايير بين أن يقبل حزب الله بسعد الحريري رئيس حكومة فيما يُرفض ترشيح فرنجية بحجة أنه رُشح من قبل حليف السعودية". ويزايد أحدهم قائلاً: "إذا سليمان فرنجية بضل بـ 8 آذار نحنا منبطّل". قبل أن يستدرك أن شغل السياسة هو لفرنجية "والأرض هي لنا. إيش ما بدو منعمل".
بلكنة زغرتاوية، يسأل جيمي زادة: "تخايلي تكوني من زغرتا وعندك زعيم، بس يحطّوا عون رئيس". لن يستسيغ أنصار فرنجية بسهولة انتخاب الحليف السابق رئيساً للجمهورية. لماذا؟ "فرنجية مضحّى بأهلو، عون بإيش ضحّى؟ نفي على فرنسا؟ يا ريت بحطونا 15 سنة بفرنسا". الحدية التي يتحدث بها هؤلاء، لا تنسحب على كافة شرائح المجتمع الزغرتاوي. مسؤول قطاع الشباب السابق في تيار المردة شادي الدحدح يتحدث عن تاريخ آل فرنجية الداعم للمقاومة، متفهماً أنه " في السياسة كانوا (حزب الله) ملتزمين أدبياً (مع عون)". حتى مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح "لا مُشكلة إذا مارس الرئاسة بناءً لقواعد 8 آذار، خاصة أننا نعتبره جبلاً وليس شخصاً عادياً".
داخل "القهوة" في منطقة التلّ التي يملكها يجلس الشاعر أسعد مكاري، مُخبراً أنّ "التضامن الكبير مع فرنجية سببه ممارسته السياسة بأخلاق وبشهامة زغرتاوية". بعد أن حُسمت الرئاسة لمصلحة عون "لا نشعر بخيبة أمل لأن هذه مرحلة وليست هدفاً. فرنجية طلع كبير". يُسجل لأبناء زغرتا أنّ أكثريتهم يتبنون خطاباً وطنياً. يتجسد ذلك في كلام مكاري بضرورة "أن يعود المسيحيون إلى حضن العروبة".
تكثر المقاهي في مدينة زغرتا التي يتوزع عليها أبناؤها. في إحدى "قهاوي" منطقة العبي يتذكر مناصر آل معوض، شربل معوض "تاريخنا الأسود مع عون. لو ما سلّم قصر بعبدا ما كان مات الرئيس معوض". لذلك، "نختلف في السياسة مع فرنجية، ولكن مصلحة زغرتا قبل الأشخاص". وعلى الرغم من أنه "بتذبحيني بيطلع ميشال معوض، ولكن من يحمي خيار المقاومة هو فرنجية". إلى جانبه يجلس زوزو فرنجية الذي يسأل حزب الله إن نسي من هو أبو القرار الدولي 1559. الرجل مناصر لفرنجية، يعتبره أخطأ في أمر واحد "حين فُهم مقصده من جملة كترة الأخلاق وقلة الأخلاق بالمقلوب!". جائزة الترضية التي ممكن أن يحصل عليها فرنجية هي "أن يكون في المعارضة ويشوفو حسن نصرالله وميشال عون كيف بدن يخلصو البلد".
النموذج الثاني من مناصري معوض يُعبر عنه جيف الدويهي الذي يدعم وصول عون لسببين، "أولاً بسبب الإجماع المسيحي عليه، وثانياً لأنه الرئيس القوي". وهناك نموذج ثالث، لا يكترث لكون المرشحين من فريق 8 آذار.
تنقسم زغرتا إلى خمسة أحياء: المعاصر، الصليب غربي وجنوبي، والسيدة غربي وجنوبي. أما حارة بيت بو ضاهر التي يُطلق عليها اسم الضاحية وتُرفع فيها صورتان لنصرالله وفرنجية "فلا نعرف إن كانت ستتحول إلى طريق الجديدة"، يقول أحدهم ساخراً.
طلب فرنجية من النواب الداعمين لخياره أن يقترعوا بورقة بيضاء. لا تعني هذه الخطوة في زغرتا استسلاماً وهروباً من النتيجة الحقيقية. بالنسبة إلى مناصر 14 آذار بطرس مخلوف هي "تا يقول انو رافضين الوصاية الإيرانية". لأنه قام بهذه الخطوة "مش بس رح انتخبو هالمرّة، إذا معي مصاري رح موّل حملتو". هو مرتاح لأنّ "فرنجية ابتعد عن حزب الله وأصبح حليفه الحريري".
جمهور التيار الوطني الحر فرح بالحلم الذي سيتحقق بعد سنوات طويلة من الانتظار. لا احتفالات ستشهدها زغرتا اليوم. سيكتفون بالتجمع داخل المركز الحزبي. مُنسق الهيئة المحلية، الذي لم يُعين رسمياً بعد، أنطوان عبود يقول إنّ "الهدف وصلنالو"، لذلك تنتفي الحاجة للمظاهر الاحتفالية. يتمنى أن "تصطلح العلاقة مع فرنجية حتى يكون عهداً ناجحاً". مناصر التيار الوطني الحر جورج بو زيد يستنكر ما يُقال عن أنّ زغرتا لا تُحب عون "وغير صحيح أن هناك تشنجاً في الشارع. المستوى الثقافي والسياسي قادر على استيعاب تشنجات عابرة". في النتيجة "عون وفرنجية بينهما تفاهم عميق خصوصاً حول حزب الله".
زغرتا قبل 24 ساعة من الانتخابات الرئاسية كانت مُثقلة بتبعات ترشّح الحليفين السابقين. ليس من السهل على أبنائها أن يروا الرئاسة تقترب إلى هذا الحد من زعيمهم، لتُسحب منه لأنه لم يلقَ دعم الحلفاء. أرادوها سبيلاً لتحسين أوضاعهم. نفوسهم تُشبه الطائر المذبوح الذي يحق له أن يُفرفر. المياه العكرة مع حزب الله أسهل أن تعود إلى مجاريها من تلك التي بين المردة والتيار العوني. هل بات من المستحيل أن تصطلح العلاقة بين الجنرال و"البيك"؟ يردّ المحامي سيلفيو عرباوي بأنّ "من غفر لقتلة والده ليس صعباً عليه أن يُصالح عون، خاصة بوجود قواسم مشتركة بينهما. ففرنجية هو الذي قال إن فوز عون يعني انتصار خطنا السياسي".