شعَر ضيوف الرئيس تمّام سلام في الأحد الأخير من ولايته الحكومية، وكأن زوّاره يهنّئونه بسلامته! فهو الخارج للتو من حكومة فقدت مقوّمات بقائها منذ فترة، وكانت مكرهة على الاستمرار نظراً إلى أن البديل منها لم يكُن سوى الفوضى. أصلاً لم يُحسد بيك المصيطبة يوماً على موقعه، وهو الذي حمل صخرة ما ظهر منها إلى العلن هو رأسها فقط. وكأن كل الأزمات قد «صمّدت» نفسها لتنفجر دفعة واحدة في وجه حكومته، من الفراغ الرئاسي وصولاً إلى النفايات. كعادته كل نهاية أسبوع، قضى سلام وقته في قصره. يستطيع أن يشاهد عاصمته تتحضر لعهد جديد، حيث يتصرف البعض وكأنه بدأ فعلاً، وهذا طبيعي في ضوء المعطيات المتوافرة محلياً وإقليمياً.
الاتفاق واضح بين عون والحريري
ولا مؤشرات
لتكليفي مجدداً

من الشارع المؤدي من منطقة سليم سلام نحو مدخل حي اللجا، حركة سير طبيعية ومرور سيارات لم يعطله وجود تمّام سلام داخل منزله، فالطريق بقي مفتوحاً أمام السيارات والمارة طوال أيام ترؤسه للحكومة، هو الذي رفض أن يقول له الناس «أفّ». الحادية عشرة والنصف خرج سلام من غرفته نحو الطابق الأول، حيث كان ينتظره العشرات من أصدقائه وجيرانه وبعض المواطنين. بابتسامة تعكس راحة ضمير يجول رئيس الحكومة على الحاضرين مصافحاً إياهم. يجلس على أريكته في زاوية القاعة كما كل يوم أحد، تلك القاعة التي سيعتاد ارتيادها ابتداءً من اليوم كمقر له، بعدما قرر أن يغادر السرايا في فترة تصريف الأعمال، مهما طالت مدّتها. ورغم أنّه كان الحاكم المطلق للبلاد منذ عامين ونصف عام، إلّا أن سلام رفض الظهور بمظهر رئيس الدولة، فأُلغي العرض العسكري في عيد الاستقلال كي لا يجلس متقدّماً على الباقين، بغياب رئيس الجمهورية. يُشعرك سلام وأنت جالس تراقب أولئك الآتين لالتقاط الصور معه، أنّه لم يدخل السرايا كي يخرج منها زعيماً سياسياً، كأسلافه، بل أتى إليها موظّفاً أدّى واجباته كما ينص الدستور «الحيط الحيط ويا رب السترة»، حاملاً شعار والده الرئيس صائب سلام «لا غالب ولا مغلوب».
يقول سلام لـ «الأخبار» إنه «يريد للبلد أن يرتاح». مشيراً إلى «أنني قررت العودة إلى منزلي بشكل نهائي، ولن أنزل إلى السرايا طوال فترة تصريف الأعمال». هذا دليل إضافي على «عدم التمسك بهذه الحكومة، مع أن عدم التردد هو ممارسة طبيعية بعد استقالة الحكومة». قد تطول فترة تصريف الأعمال؟ «لا أعلم، حتى لو طالت»، يشير سلام، مؤكداً أن «لا مؤشرات لتكليفه من جديد، خصوصاً أن الاتفاق واضح بين العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري، وبالتالي إن الاسم المطروح هو الحريري وليس أي شخص آخر». يبدو سلام متأكداً من ذلك، رغم وجود أطراف ستعارض تكليفه. يتمنى «نهضة جديدة للبلد، لأن استكمال المستلزمات الدستورية لهذا الكيان اللبناني هو بملء المراكز المتفق عليها»، لأن «مرحلة الشغور التي استمرت سنتين ونصف خير دليل على أن البلد يتعثر مساره في ظل غياب إحدى ركائزه الأساسية». اليوم ينتهي عملياً عمر حكومة تمام بك. الرجل الهادئ المسالم، الذي لم يصح يوماً إلا مع «وجعة راس جديدة» طوال عهده الحكومي، لا يتراجع عن مقولته بأن «أداء حكومته كان متعثراً، وفي صراع دائم، لكننا استطعنا بالحدّ الأدنى الإمساك بالبلد، تحديداً في ما يتعلق بالشق الأمني». وبالتالي «كانت مرحلة صعبة وحرجة طالت، وظهرت انعكاسات الشغور عليها من يومه الأول، وتراكمت سلبيات هذا التراكم، ومن أبرزها شلل السلطة التشريعية، ففي الوقت الذي يحتم على المجلس النيابي الاجتماع ثلاث مرات في الأسبوع كان يجتمع مرة واحدة في السنة، أما الحكومة فكانت تعقد جلسات لمناقشة ملف واحد، فيما يفترض أن نعقد جلسة واحدة لبتّ أمور عدة». صحيح «أننا حلَلْنا بعض الأمور المستعصية، إلا أن الملفات الكبرى كانت تحتاج إلى السلطات الثلاث المجتمعة، ونحن لم نكن نريد أن نعطي انطباعاً بأن الأمور طبيعية في ظل غياب رئيس للجمهورية». هل تؤيد عملية استعادة صلاحيات رئاسة الجمهورية؟ «الموضوع الأهم هو استعادة صلاحية الوطن وتشغيل عجلة شؤون البلاد والعباد، والتحضير للانتخابات النيابية، وفي ضوئها يعتمد سياسة جديدة». ماذا تنصح الرئيس الحريري؟ «ما شاء الله عليه، قدها وقدود، أخد خطوة مش سهلة، نتمنى أن تنعكس إيجاباً على البلد». لا يزال يصر على تسمية حكومته بحكومة «المصلحة الوطنية، رغم أنها أفسد وأفشل حكومة»، محملاً مسؤولية التعطيل «لكل الأطراف داخل الحكومة بلا استثناء».