وصل الرئيس، وانتهت تسعمئة يوم من الفراغ. لكن «اكتمال النصاب» في البلاد لا يعني مطلقاً أن «البلد ماشي» وأن كل شيء ينتهي بانتخاب الرئيس. أمس، انتهت المراسم فقط، وبدأ عهد جديد من المطالبات بأبسط مقومات العيش. هم انتظروا قبل هذا العهد سنواتٍ طويلة لإيجاد حلول لملفات وقضايا تمسّهم، لكنها لا تزال عالقة. ويعوّلون على من ملأ الفراغ اليوم أن يلتفت، مثلاً، إلى أن حريقاً كالذي يبتلع منذ أول من أمس خراج بلدة قبعيت العكارية، يستدعي إعلان حالة طوارئ بيئية. إلى هذا الحدّ، مطالب هؤلاء بسيطة، ولكنها أساسية بالنسبة إليهم، ويفترضون أن تكون أولوية في أجندة العهد الجديد. ثمة مطالب كثيرة خرج بها الناس إلى الشوارع. نجحوا في بعضها، لكنّهم فشلوا في الكثير منها. والسبب مألوف بالنسبة إليهم، وهو «فقدان الثقة بالدولة». المطلوب؟ استعادة الثقة المفقودة «وهذه عملية صعبة تراكمية تبدأ بأفعال صغيرة ستشير إلى أنّ هناك من يهتم بشؤون الناس»، يقول الناشط الحقوقي المحامي ملحم خلف.جولة بسيطة على ما يريده الناس من عهد السنوات الست المقبلة ستستقر عند عتبة استعادة الثقة بالدولة. هذه النقطة الأساس، ومن بعدها تأتي المطالبة بالحقوق التي اعتادوا أخذها بـ«المحاصصة». والسؤال هنا: ما الذي ينتظره المواطنون، أو بتعبير أوسع، المجتمع المدني من الرئيس الجديد كي يستعيدوا الثقة؟ ما هي رهاناتهم؟ ومطالبهم؟ وأولوياتهم؟

استرجاع إداري للدولة

في المبدأ، «كل شيء يتدرّج من الأعلى إلى الأسفل». قاعدة عامة، ينطلق منها رئيس جمعية حماية المستهلك في لبنان، الدكتور زهير برو، للعبور نحو مطالب الناس ورهاناتهم على العهد الجديد. برأي برو، ثمّة أساس ينبغي علاجه بشكلٍ جذري قبل الدخول في «علاجات موضعية». وهذا الأساس هو العمل على «استرداد الدولة من مؤسسة الزعامات الطائفية المافيوية التي ربطت بها كل مفاصل الدولة». وهذا «يبدأ بالإدارة العامة التي هي العصب الرئيسي». أما كيف؟ عبر «ضخّ الدم فيها ودعمها بكل الطرق اللازمة، وسلخها شيئاً فشيئاً عن القوى السياسية التي لم تثبت إلا فشلاً، من خلال تفعيل أجهزة الرقابة». هذا الاسترجاع سيكون هو «المدخل لاكتساب ثقة المواطن اللبناني اليائس من النجاحات الطائفيّة، فجلّ ما يحتاج إليه هذا الأخير هو انتصارات الدولة». بهذه الطريقة تكون بداية «كسب المعركة الأساسية»، لتأتي بعدها المعارك الجزئية «التي هي قضايا الناس. حياتهم اليومية وهي كثيرة؛ منها المياه والكهرباء، إذ يجب أن يكون العمل على إنجاح هذه القطاعات وسحبها تالياً من المناقصات الفاسدة». المعركة الأساسية معركة استرداد الإدارة. يحسم برو. أما «إذا كانت معركة طوائف فهي فاشلة وساقطة من الآن».
لكن، هذه دونها عقبات. يعترف خلف بأنّ نجاح هذه المعركة يتطلب أمراً واحداً القول بأنّ «هذه الطبقة السياسية تعبت ويجب أن ترتاح. لا يمكن استعادة الشفافية إلا إذا بات هناك ما يسمى تداول السلطة». بعد هذه الاستعادة، ستتدحرج مطالب الناس البديهية.

«الكرامات الثلاث»

استعادة الدولة معركة. وهذه دونها درب طويل. لكن، ذلك لا يمنع أن للناس حقوقاً يطالبون بها، ولو كانت الإدارة مسروقة. وهي حقوق بديهية لا يمكن أن تختلف المطالبة بها من مواطن إلى آخر. فعندما تسأل أحداً ما عما ينتظره من إنجازات من العهد الرئاسي الجديد، لن يأتيك كلام «كبير». سيأتي كلام على مقاس من يعانون بشكلٍ يومي. «أمور بسيطة جداً تتعلّق بالحفاظ على كرامة المواطن». وفي تعريف كرامة المواطن، ستأتي ثلاثة مطالب: أوّلها المطلب البديهي المتعلّق بالصحّة التي ينص الدستور على أنها حق لكل مواطن. يعني أنّه «إذا انوجعت بتفوت على المستشفى بتتعالج»، يقول خلف. وهذا يعني «تأمين الطبابة وتأمين الدخول إلى المستشفى بلا منّة من أحد وتأمين الدواء الجيد». بتعبير آخر تطبيق «مبدأ الرعاية الصحية الشاملة لجميع اللبنانيين»، الذي سيجنّب المواطنين الموت عند أبواب المستشفيات بحجّة عدم وجود سرير فارغ. أما المطلب الآخر، فيتعلّق بـ«التعليم والعمل على تفعيل التعليم الرسمي المجاني وضرورة إعادة النظر في المناهج والبرامج التعليمية». وهنا، يفترض بالعهد الجديد أن يجيب عن «سؤال المواطنين: هل تقبل أن تفرغ المدارس الرسمية وأن تظلّ المدارس الخاصة بسبب السياسات التربوية الخاطئة هي الأهم؟». ثمة مطلب أخير في مسيرة كرامة المواطن، وهي العمل. ففي آخر إحصاء لنسبة البطالة في لبنان، ستجد أنّ جلّ العاطلين من العمل هم طلاب الجامعات «إذ تبلغ نسبتهم 47%»، بحسب خلف. الشغل الذي يحرم منه الشباب اللبناني بسبب الحكم الطائفي وسياسة المحاصصة، يدفعه إلى المغادرة إلى خارج البلاد، إذ إن «67000 يغادرون لبنان سنوياً من مختلف المستويات العلميّة بعمر الشباب». وفي الوقت الذي يحتاج فيه لبنان الى «34 ألف فرصة عمل لا يوجد فعلياً سوى 3400 فرصة فقط، ما يؤدي إلى توجه الشباب نحو البطالة والهجرة أو الأعمال غير المشروعة».
المعركة الأساسية استرداد الإدارة، أما إذا كانت معركة طوائف فهي فاشلة سلفاً

القانون 220 نموذجاً

بحسب إحصاءات البنك الدولي، فإن نسبة المعوقين في لبنان تبلغ 15%. مع ذلك، لا تغيّر هذه النسبة شيئاً، ولا حتى في تطبيق القانون 220 المتعلق بحقوق هؤلاء، والمصدّق منذ عام 2000. إلى الآن، لا يزال «83% من المعوقين عاطلين من العمل و43% منهم يعيشون تحت عتبة الحرمان». هذه النسب «تدفعنا إلى مطالبة الرئيس الجديد بمعالجة أصل المشكلة، وهي إقرار منهجية عملية الدمج في مؤسسات القطاع العام. لمرّة أخيرة، فليبدأوا بالتعاطي مع هذا القانون على أنه جزء أساس من هيكلية الدولة»، تقول رئيسة اتحاد المقعدين اللبنانيين، سيلفانا اللقيس. لا يطلب هؤلاء سوى تطبيق هذا القانون كي «نصبح أفراداً في المجتمع». المطلوب اليوم «التطبيق والتصديق على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص المعوقين. أن نرى ذلك في البيان الوزاري لحكومته المقبلة».

إعلان حالة الطوارئ بـ«المينيموم»

إذا ما كانت المطالب على مقاس ما تعيشه البلاد من أزمات «فالمينيموم إعلان حالة الطوارئ، هذا على الأقل ما ننتظره من الرئيس ضمن أولوياته»، يقول الناشط البيئي بول أبي راشد. وحالة الطوارئ تتنوع «ما بين البيئية التي لم يعد المواطن يحتمل ما وصل إليه الوضع في البلاد، وطوارئ قضائية بالعمل على تحرير القضاء من الطبقة السياسية كي يقوم بدوره في تفعيل الرقابة، فإذا ما بيرجع يصير في قضاء ودولة مؤسسات لا يعوّل على هذا الحكم».
ثمة أولويات أخرى؛ منها القوانين وتحديثها، والميزان هنا سيكون قانون الانتخاب «فإما قانون يرى المجتمع المدني أو قانون يعيد تذكيرنا باستمرار تقاسم البلد من نفط وسدود ومحارق». هناك أمنية أخرى على الأقل على الصعيد البيئي، وهو أن يكون «الرئيس الجديد رئيس جمهورية وليس ممثلاً للتيار الوطني الحر، كون التجارب في التيار لا تبشر بالكثير من الخير، انطلاقاً من مناداة الوزير جبران باسيل بالمحارق، وصولاً إلى أحاديث السدود والنفط».

حقوق النساء باستصدار قوانين وقائية

لم يلغ قانون «حماية النساء من العنف الأسري» موت الكثيرات على أيدي أزواجهن، ولم يأت أصلاً ليفعل ذلك، وخصوصاً إذا ما تتبعنا خروجه بصيغته النهائية التي أتت نتاج «تسويات سياسية». فهذا القانون لم يقدر على المس بالأحوال الشخصية ولا استطاع أن يكون وقائياً. الوقائية هي «بالضبط ما نطلبه من العهد الجديد، أن تكون هناك قوانين وسياسات وقائية للحد من العنف، وهذا يتطلب أن يكون موضوع الحماية من العنف مش بس قانون، وإنما مفروض تكون سياسة على صعيد كل الوزارات في الدولة».