كان من المُفترض أن يدفع توقيع وزير الداخلية نهاد المشنوق، السبت الماضي، مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، وفقاً للقانون الساري المفعول، وإحالته على الأمانة العامة لمجلس الوزراء، إلى الحثّ على الاتفاق على قانون جديد للانتخابات، ما دامت كلّ الكتل السياسية تدّعي الحرص على إقرار قانون جديد.
رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يتشدد يوماً بعد آخر في رفضه إجراء الانتخابات النيابية وفق قانون الدوحة (المعروف بالستين)، إلا أنّ أحاديث أغلبية ممثلي القوى السياسية توحي وكأنّ «أولياء الأمر» سلّموا بأنّ الأسابيع التي تفصلنا عن موعد إجراء الانتخابات ستنقضي من دون التوصل إلى اتفاق. وعلى الرغم من أنّ الوزير ملحم رياشي قد أعلن من بكركي التوصل إلى اتفاق خلال أيام على مشروع قانون جديد، إلا أنّ مصادر رفيعة المستوى في القوات أعربت لـ»الأخبار» عن تشاؤمها حيال ذلك. المؤكد الوحيد هو أنّ البلاد باتت قاب قوسين من أزمة سياسية ودستورية، تقود إلى تمديد غير تقني لمجلس النواب. كلّ طرف يقف على ناصيةٍ، متشبثاً بمواقفه، من دون إقامة أي اعتبار لنصوص دستورية أو إظهار نية لإطلاق المرحلة الأولى من عملية إصلاح النظام، عبر إقرار قانون جديد. في غمرة هذه السجالات، تناسى الجميع أنّ ضمان وحدة المعايير وتحقيق عدالة التمثيل، وإعادة حقوق الجماعات وضمان تمثيل الأقليات الطائفية والسياسية، وتخفيف حدّة التوتر الطائفي، أهداف لا تتحقق إلا عبر مدخلٍ واحد: النسبية الشاملة.

قيادة معراب تستخدم
جنبلاط «شمّاعة» لمحاربة النسبية



المستفيد الأول من طمس النسبية عبر التهويل بمُهلٍ و»سلاح غير شرعي» هو تيار المستقبل. ساهم في ترسيخ هذا الاقتناع كلام رئيس مجلس النواب نبيه بري أول من أمس، عن أنّ النائب وليد جنبلاط «ليس العقبة والمشكلة في قانون الانتخاب. جعلوا منه شماعة لتبرير مواقفهم». قيادة وادي أبو جميل تريد انتخابات صورية، تكون نتيجتها مضمونة سلفاً. هدف تيار المستقبل هو أن يحصد كتلة نيابية مؤلفة من 30 نائباً، على الأقل. ويعي جيداً أنّ اعتماد النسبية سيعني حرمانه من الاستئثار بعدد كبير من المقاعد التي تنتمي إلى طوائف ومذاهب متنوعة. وحتى «الأقليات السنية» المعارضة له، كالوزير السابق عبد الرحيم مراد في البقاع الغربي أو الوزير السابق أشرف ريفي في الشمال، ستتعزز فرصهما لتحقيق المكاسب بالنسبية، وهو ما لا يريده المستقبل.
تضييع الوقت الذي يُمارسه تيار المستقبل استدعى انتقادات من جانب شريكه في التسوية الرئاسية، التيار الوطني الحر. مصادر الفريق الأخير اتهمت «المستقبل بأنه لا يريد الاتفاق على قانون جديد». دليلها أنّ تيار رئيس الحكومة «إما يعترض على الأفكار التي تُطرح، وإما يطلب مهلة لدراسة بعض المشاريع التي يكون حاسماً رفضه لها، كمشروع قانون الرئيس نجيب ميقاتي (النسبية على 13 دائرة). في محاولة منه لكسب الوقت». يُمارس تيار المستقبل «التمييع»، وكأنه يعتبر أنّ «القانون النافذ بات أمراً واقعاً»، بحسب مصادر التيار العوني التي تذهب أبعد من ذلك، بالقول إنّ «تصرفات المستقبل توحي بأنه لا يريد تنظيم انتخابات نيابية».
مصادر رفيعة المستوى في تيار المستقبل تقول «لا نعرف من كان يعني الرئيس بري بكلامه ولم نسمع انتقادات العونيين. ما نعرفه أنّ موقفنا واضح بضرورة إجراء الانتخابات في موعدها ووفق قانون جديد». تُدافع المصادر عن نفسها بأن «تيارنا وافق، أقلّه، على طرحين: القانون المختلط الذي تقدمنا به مع القوات اللبنانية والحزب الاشتراكي ومشروع الـone man multiple votes (أي أن يُصوّت كل مقترع لعدد مُحدد من المرشحين). أطراف أخرى رفضت المختلط وليس نحن».
ليس تيار المستقبل وحده من يُعاني «رهاب النسبية». في خطّ الدفاع الأول وراءه تقف القوات اللبنانية. قيادة معراب أيضاً تستخدم جنبلاط «شمّاعة» لمحاربة النسبية الشاملة، فتربط موافقتها على أي قانون بموافقته. النائب أنطوان زهرا عبّر صراحةً عن موقف حزبه، حين ربط قبل أيام رفض النسبية الكاملة بوجود سلاح حزب الله، مُتحجّجاً بأنّ «النسبية تُصبح صالحة عندما لا يعود بإمكان أحد أن يخيف أحداً».
الفريق الثالث الذي بات اليوم في الخندق نفسه مع «المستقبل» والاشتراكي والقوات هو التيار الوطني الحر، الذي بدا في بيان مكتبه السياسي قبل يومين متراجعاً عن النسبية، حاصراً النقاش بين «القانون المختلط القائم على مبدأ أكثري ونسبي، والقانون التأهيلي الذي يضم النظام الأكثري على أساس الطائفة، والنسبية على الأساس الوطني مع تأهيل أول وثانٍ». حُجة التيار أنه يرى من السهل تسويق التأهيلي لدى معارضي النسبية، علماً بأنّ القوات اللبنانية أبلغت الوزير جبران باسيل رفضها لاقتراحه، رابطةً موقفها بقرار كلّ من جنبلاط وتيار المستقبل.
وكان لافتاً أمس كلام جنبلاط لـ»فرانس 24» عن أنه يريد «قانوناً مقبولاً للانتخابات، وإذا كان لا بد من الخلط بين النسبية والأكثرية فلا بأس... نحن على استعداد لأن نناقش. تقدمت بأفكار للرئيس بري عندما يعود سوف نناقشها». وعن حزب الله، قال جنبلاط «لا نريد من الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يخلصنا من حزب الله. نحن نستطيع أن نتفاهم بالحوار. لا نريد نصائح ترامب ولا غيره».

جنبلاط يقبل بـ«المختلط»:
لا نريد نصائح من ترامب


مقابل لعب السياسيين بالوقت، سقطت أمس أول مهلة دستورية لدعوة الهيئات الناخبة، بعد أن وقّع رئيس الحكومة سعد الحريري المرسوم. وقد سبق التوقيع تواصل بين فريق عمل الحريري ودوائر القصر الجمهوري لتبيان ما إذا كانت بعبدا ستعتبر توقيع المرسوم خطوة موجهة ضدّها. رئيس الجمهورية حرّر الحريري، عبر الردّ بأنّ لرئيس الحكومة أن يقوم بما يراه مناسباً.
وكان عون قد أعلن أمس أنّ «المعركة السياسية اليوم هي معركة للتغيير، ركنها الأساسي هو قانون الانتخاب. وسنبذل قصارى جهدنا لتمثيل جميع اللبنانيين تمثيلاً عادلاً، بحيث لا يعتمد أي قانون يسحق الاقليات بين الطوائف وفي داخلها».
وعلى هامش البحث عن قانون جديد، جمع الوزير السابق الياس بو صعب في منزله كلّاً من باسيل والنائبين سامي الجميّل وآلان عون، والسيّد نادر الحريري وصهر بري خليل إبراهيم. خلال العشاء، حصل نقاش انتخابي بين باسيل والجميّل أكدّ خلاله التيار من جديد غياب النية لإقصاء أي طرف، لا سيّما حزب الكتائب.
من جهته، أيّد تكتل التغيير والاصلاح موقف عون في ما خصّ عدم توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، داعياً «الكتل السياسية إلى تحمّل المسؤولية في ما يخص قانون الانتخاب، وأن يكون النقاش بهدف الوصول إلى حلّ، وتحميل المسؤولية التي هي على الجميع، لا سيما أن من يرفض أي طرح غير الطرح الذي ينادي به هو، يريد في الواقع الإبقاء على الستين».
على صعيد آخر، غادرت رئيسة الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبن بيروت أمس، بعد أن افتعلت «إشكالاً» مع دار الفتوى حين رفضت وضع غطاء الرأس قبل مقابلة مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، وهي كانت قد أُبلغت بضرورة الالتزام بالغطاء قبل حضورها. لوبن رفضت طلب دار الفتوى، مفضّلة مغادرة المكان من دون لقاء المفتي. وخلال مؤتمر صحافي، أعادت لوبن التأكيد أنّه «في الوقت الحالي، يبدو أن مصلحة فرنسا هي (الرئيس السوري) بشار الأسد». ورأت أن على سوريا القيام بخطوات «لاسترداد اللاجئين للإقامة في مناطق آمنة، فسوريا ليست كلها في حال حرب». وكان «اتحاد الشباب الديمقراطي» قد نظّم اعتصاماً في بيروت تنديداً بزيارة لوبن.
وكان قد وصل إلى بيروت أول من أمس رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الاميركي السيناتور روبيرت كوركر، الذي التقى عدداً من السياسيين، أبرزهم رئيس الجمهورية. وتمنى عون «أن يستمر الدعم الاميركي للجيش اللبناني عدة وعتاداً، حتى يصبح قادراً لوحده على الدفاع عن لبنان». ورداً على أسئلة السيناتور، قال عون إنّ «الاتصالات قائمة لتذليل الصعوبات التي تواجه الاتفاق على قانون انتخابي جديد».
(الأخبار)