هي برقية (من ٣ صفحات) أرسلها السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري في أيار من عام ٢٠١٢، جاءت بعدما رصدت الخارجية السعودية مقالاً للكاتب في جريدة «السفير» الزميل نصري الصايغ. مقال الصايغ الذي نشر في ١٩ نيسان ٢٠١٢ انتقد سياسة المملكة السعودية الخارجية في المنطقة في ظل الأحداث السورية والبحرينية واليمنية. بعد إرسال برقية مرفقة بالمقال، استنفرت السفارة وتأهّبت الخارجية واستُدعي المخبرون ووضعت خطة متكاملة لمواجهة «الوضع».
بداية تكفّل السفير كالعادة بتصنيف المقال موضوع البحث وكاتبه، وغالباً ما يكون التصنيف مبنياً على هوية طائفية أو نظرة منحازة عن الكاتب أو المؤسسة تضعهم في خانة معنا أو ضدنا: «يندرج المقال ضمن مقولات تحالف الأقليات، وهو تحالف ينشط في إظهار نفسه وكأنه المدافع عن العروبة والمقاوم لإسرائيل والغرب، رغم أن هذا التحالف موجّه ضد السنّة في كل مكان»، هكذا صنّف عسيري مقال الصايغ. ثم انتقل السفير الى التعريف بالكاتب، وأيضاً مع حرص دائم على تحديد طائفة «الهدف» ومحيطه. وفي حالة نصري، ذكرت البرقية أنه «مسيحي وابنته متزوجة من شيعي». هو أيضاً، حسب برقية عسيري، «ذو ميول يسارية وينتمي الى الحزب القومي السوري ويكره فريق ١٤ آذار وكلّ ما يمثله»... و «مواقفه مرتبطة بجهات لم تكن على ودّ مع المملكة، ابتداءً من نظام القذافي وانتهاءً بسوريا وفريق ٨ آذار».
وبالانتقال الى الصحيفة التي يعمل فيها الصايغ، أي جريدة «السفير»، فـ»رئيس تحريرها طلال سلمان تتغلب مشاعره الشيعية على حياده الصحافي»، حسب تقييم عسيري، المُحاضر فجأة بـ»الحياد الصحافي»!
الطلب من وسائل
الإعلام الموالية للمملكة مثل «النهار» و«المستقبل» و«الجمهورية» رفع اللهجة ضد المسيئين للمملكة


بعد تصنيف المقال والكاتب والمؤسسة التي يعمل فيها، جاء دور نميمة المخبرين من الداخل. وفي حالة الصايغ، يبدو أن «أحد كتّاب الصحيفة» لعب هذا الدور، فأخبر السفارة السعودية أن «العاملين في الجريدة نصحوا رئيس التحرير بعدم التمادي في نشر ما يسيء للمملكة...»، لكن «يبدو أنه مستمر في خطه»، تلحظ السفارة. عن أي «خط» تكلّم عسيري؟ كلّ ما يشير اليه السفير في البرقية أن الصحيفة «دأبت على نشر مقالات أسبوعية لكتّاب مصريين من جريدة الشروق يعرّض بعضها للمملكة». إذاً، نشر مقالات لكتّاب مصريين ينتقدون المملكة السعودية في جريدة لبنانية يرى فيها المسؤولون السعوديون ما تجب مواجهته!
هكذا، سارع عسيري الى اقتراح استراتيجية للمواجهة، تضمّنت: «استئناف دعم الصحف ووسائل الإعلام الموالية للمملكة مثل «النهار» و»المستقبل» و»الجمهورية»، والطلب منها رفع اللهجة ضد المسيئين للمملكة كتّاباً ووسائل إعلام»، و»شدّ أزر كل من يكتب ضد إيران وسوريا»... اقترح العسيري إذاً تمويل جبهة ضد الصحافيين الذين ينتقدون المملكة وشراء أقلام وأصوات إعلامية للصراخ ضد سوريا وإيران.
أما اقتراحه الثاني فكان الاتصال بسلمان ودعوته الى المملكة، لكن بشرط مسبق أن يطلعهم رئيس التحرير على «التغيرات التي يمكن أن يحدثها في توجّهات الصحيفة (...) وإخضاعه لاختبار نيات لاحقاً» مثل «استكتاب كتّاب مؤيدين للثورة السورية».
وهنا، يقترح عسيري أيضاً التعاون مع كاتب من داخل الصحيفة عينها، كمن يصفه بـ»الشيعي الليبرالي» ساطع نور الدين (رئيس تحرير صحيفة «المدن» الإلكترونية حالياً)، الذي «يبدي ودّاً للمملكة».
بعد تحديد «الأعداء» و»الحلفاء» إذاً ووضع استراتيجية عمل واقتراح خطة مستقبلية لاحتواء «الهدف»، ختم عسيري إعلان حربه الإعلامية بالإشارة الى بعض تداعيات خطّته. إذ يقول إنه «لو حصل ما يقنع رئيس تحرير (جريدة «السفير») بطرد الصايغ».. فهناك «صحف أكثر تطرّفاً مثل صحيفة «الأخبار» سترحّب بانتقال الصايغ اليها». عسيري ذكّر خاتماً بالحلّ القائم دائماً، أي «استمالة الكاتب عبر أشخاص مقرّبين منه أو عبر دعوته الى المملكة». و»زيارة المملكة»، على ما يبدو، تصنع العجائب في قاموس آل سعود.