برزت في الاونة الاخيرة ظاهرة جديدة في الاعلام اللبناني والعربي، يمكن تسميتها «اعلام التغذية الراجعة»، تستند الى فبركات مبنية على فبركات، عن أحداث حصلت هنا وهناك، مع إشراك الاعلام العبري بها، اضفاءً لصدقية مزعومة، وتأكيداً لمستوى النظرة الدونية للذات والتخلف لدى البعض العربي. ظاهرة لم تجد ما يحد منها، لنجاحها وسرعة انتشار أخبارها، فتنامت وتطورت.
ضمن هذه الظاهرة، يمكن ان تجد كلاما صادرا عن القناة السادسة العبرية، او الخامسة، او السادسة والثلاثين، (وكلها قنوات غير موجودة) كما يمكن ان تجد اخبارا نقلا عن مواقع اخبارية عبرية، غير موجودة بدورها أيضاً. نعم، من شأن هذه الاخبار ان تنتشر ويجري التداول بها، بل ويبنى عليها. لكن اي متابع للشأن الاسرائيلي يدرك فورا ان الخبر مفبرك، نظرا الى عدم وجود المصدر الاسرائيلي في الاساس، فيما يقع القراء في اللغط.
الا انه برزت في الفترة الاخيرة ظاهرة اخرى، مرتبطة ايضا بالاعلام العبري، وقد لا تعبر فقط عن نظرة دونية للذات، بل عن منحى خبيث ايضا. وهي اسناد تقرير ما الى مصدر اسرائيلي، مع تحريف ما ورد فيه. هذه الظاهرة يشارك فيها بشكل رئيسي كتاب وأساتذة جامعات وأصحاب خبرة في الشأن الاسرائيلي، والهدف حصراً هو تحريف ما يرد عن الاسرائيلي للإضرار بحزب الله وحلفائه.

ظاهرة تحريف الإعلام العبري لا تعبّر فقط عن نظرة دونية للذات، بل عن منحى خبيث أيضاً


آخر امثلة عن هذه الظاهرة عنوان رئيسي لدى احد المواقع الاخبارية العربية، الشهيرة، التي تلقى رواجاً ونسبة مرتفعة من التصفح لدى القراء العرب، وتلقى نفياً من حزب الله. الخبر جاء بمناسبة الاعتداء الاسرائيلي الاخير بالقرب من مطار المزة في دمشق. وجاء في التقرير المحرّف الذي نشره موقع «عربي 21»: «قناة إسرائيلية: حزب الله تعهد لروسيا عدم الرد على غاراتنا». وفي متن الخبر المحرف، يرد ايضاً: «كشفت القناة العاشرة الإسرائيلية، مساء الأربعاء، النقاب عن أن روسيا تلقت تعهدات من حزب الله وإيران بعدم الرد على الغارات الإسرائيلية التي تطاول أهدافا للجانبين داخل سوريا. وقال تسفي يحزكيل، معلق الشؤون العربية في القناة، إن حزب الله وإيران استجابا للطلب الروسي؛ خوفا من إغضاب الروس الذين يؤدون الدور الأبرز في الجهود الهادفة للحفاظ على نظام الأسد ومنع سقوطه».
وفي العودة الى تقرير القناة الاسرائيلية، تبين ان انه جاء نقلا عن المراسل، تسفي يحزقيلي، الذي يقرأ في العادة ما يُكتب باللغة العربية، لينقل للاسرائيليين ما يكتب عنهم. وردا على سؤال قال ان «كل شيء يحدث امام العيون الروسية المفتوحة، وليس عبثاً أن حزب الله والأسد لا يردون، ويلتزمون ضبط النفس، فهذا يحصل بمظلة روسية، اذ ان التقارير في الاعلام العربي تتحدث عن انه لا يعقل أن يحصل مثل هذا الهجوم ولا يوجد تنسيق على الأقل او توافق بين إسرائيل وروسيا. المريح للاسد وحزب الله ضبط النفس الان في ظل الصورة الكبيرة وهي ان حلب تقترب من السقوط، يرون هذه الصورة، ولا يريدون الدخول في تصادم مع اسرائيل».
كلام يحزقيلي عن أنه لا يحدث مثل هذا الهجوم بلا تنسيق او توافق بين اسرائيل وروسيا، وهو كلام ينقله الصحافي الإسرائيلي عن تقارير عربية، يتحول لدى موقع «عربي 21» وكاتبه الى ان حزب الله تعهد للروس انه لن يردّ على الهجمات.
هذا وللتوضيح اكثر، سنكتفي بمثال اخر من امثلة، ورد في موقع اخر (العربي الجديد – 23/09/2015). وتحت عنوان: «صحف إسرائيلية: نتنياهو يحصل من بوتين على ضمانة إيرانية»، مع شرح مسهب حول هذه الضمانة ومضامينها بما يتعلق بأمن اسرائيل في سوريا من قبل الايرانيين وحزب الله. الا ان العودة ايضا الى الخبر العبري، تبين ان الكاتب في موقع يديعوت احرونوت، رون بن يشاي، قبل ذلك بيوم واحد، قال الآتي: «الى جانب آلية التنسيق الروسية ــ الإسرائيلية، فإن هذه الآلية قد تكون بداية لآلية منع تصعيد وحرب في الجبهة الشمالية كلها، لا مع القوات الروسية فقط، وإنما أيضاً مع إيران التي تدير مع روسيا حواراً مستمراً ومتواصلاً، قد يصل إلى حدّ تحوّل الخط الساخن بين روسيا وإسرائيل إلى قناة لتبادل الرسائل أيضاً بين إيران وإسرائيل وحزب الله». وللمفارقة، ان هذا النص، ايضا ورد في تقرير العربي الجديد، كما هو، لكن جرى تأويله بمعنى تحريفه، ليتحول العنوان الى «ضمانة ايرانية لنتنياهو».
هاتان العينتان مثالان دالان على حقيقة المقاربة الاعلامية التحريفية، في زمن بات التحريف حرفة. حرفة قد يظن انها تعبر عن جهل، او خبث، لكن يبدو ان الامر لا يعدو كونه ناجما عن غباء وتخلف اجتمعا مع حقد مرضي، أنتجت كتابات ودوريات عربية.