اختار الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الإعلان عن هزيمة تنظيم «داعش» الإرهابي في مدينة الموصل العراقية ليطلّ عبر شاشة المنار أمس، مهنّئاً الشعب العراقي وشعوب المنطقة بهذا الانتصار الاستراتيجي على الإرهاب، ومحمّلاً أميركا وبعض الدول مسؤولية تفشّي «داعش» والإرهاب. وتناول نصرالله مسألة النازحين السوريين والجدال المتفاقم حولها لبنانياً، وأعطى «فرصة أخيرة» لإرهابيي الجرود قبل بدء المقاومة والجيش السوري عملية عسكرية للقضاء عليهم.
وأكد نصرالله أنه «آن أوان الانتهاء من تهديد المجموعات المسلحة» في الجرود. وقال: «هذه هي المرة الأخيرة التي سأتحدث فيها عن جرود عرسال. (المسلحون) الموجودون هناك هم تهديد على مدار الساعة (...) والوقت قليل جداً للتوصل الى تسويات أو مصالحات معينة»، مشيراً الى أنه «ثبت أن هناك إرهابيين ومخططين لعمليات إرهابية في عرسال، وهذا بات يحتاج حلاً». وثمّن «الجهود الجبارة التي يقوم بها الجيش والاجهزة الامنية اللبنانية لكشف الشبكات ومموّليها وداعميها ومسؤوليها»، مؤكّداً أن «جهود الجيش اللبناني والمقاومة في عرسال خففت الكثير من المخاطر، ولكن المخاطر لا تزال قائمة». وقال: «عندما تتحمل الدولة اللبنانية مسؤوليتها نكون من داعميها، وإذا كانوا لا يريدون ذلك فلن نبقى في بيوتنا». ولفت الى أن «الذين في جرود عرسال هم تهديد للجميع، بما في ذلك مخيمات النازحين السوريين، لأنهم كداعش التي كانت في الموصل».

تمنّى نصرالله أن لا
يكون «المستقبل» يفكّر في الحصول على الدعم المالي
بحجّة النازحين


وتابع أنه «آن الأوان للانتهاء من هذا التهديد» وأنها «الفرصة الأخيرة التي يمكن من خلالها الوصول إلى تسويات معينة»، آملاً أن يتم استغلال فرصة التسويات، وإلا «نحن أمام الكلام الأخير الذي سنصل إليه، وعندها لن يبقى أي وجود مسلح في الجرود وتبسط الدولة سيطرتها»، معتبراً أن «خطر داعش لا يزال قائماً ولكنه في الرمق الأخير». وختم نصرالله كلامه عن الجرود بالقول إنه «لو سقطت سوريا لما بقي لبنان، وشبكات داعش في لبنان كانت تدار من مشغليها في الرقة والموصل، وبالتالي فإن القتال في سوريا والموصل إنما هو دفاع عن كل الشعوب».
وشدد نصرالله أيضاً على أن ملف النازحين «بحاجة إلى حل»، مكرراً دعوة الحكومة اللبنانية الى التفاوض مع الحكومة السورية «لتسهيل عودتهم الى بيوتهم وقراهم». ولفت الى أن الحكومة السورية لا تحتاج الى شرعية، والى أن دولاً كثيرة تتفاوض معها «في السر وفي العلن». وأكد أن أحداً «لا يريد إجبار النازحين على العودة، بل نتكلم عن العودة الطوعية، وتقديم ضمانات وتسهيلات للنازحين الذين يريد عدد كبير منهم العودة»، مشيراً الى أن في عودتهم لبلدهم «مصلحة لهم وللبنانيين. وهناك مناطق كثيرة في سوريا آمنة ومستقرة يمكن العودة إليها». وأمل «أن لا يكون تيار المستقبل يفكر باستمرار مأساة النازحين السوريين ومعهم اللبنانيين للحصول على المساعدات الخارجية». ولفت نصرالله إلى أن «عدم التفاوض مع الحكومة السورية يؤدي إلى إعطاء دور لحزب الله في هذا المجال وليس العكس كما يتّهمنا البعض»، معلناً رفضه «العمل من أجل مكاسب سياسية، وإنما نعمل لأسباب إنسانية واجتماعية وأخلاقية».

الموصل

ووصف نصرالله انهيار «داعش» في الموصل بـ«الحدث الكبير والمهم، ولا يرتبط بالعراق فقط، بل بشعوب المنطقة ومصير الأمة»، مشيراً إلى أن «تحرير الموصل خطوة متقدمة وعظيمة جداً في سياق القضاء على تنظيم داعش، وأبعاده ستنعكس على كل المنطقة والعالم». وأشاد بفتوى المرجع السيد علي السيستاني بوجوب مواجهة «داعش»، لأنها «كانت البداية الحاسمة لهذه الانتصارات. هذه الفتوى أخرجت العراقيين من الحيرة والذهول وكيفية المواجهة والقتال وأعطت الشرعية لهذا القتال، وتمكنت من استنهاض الشعب العراقي فكانت الاستجابة الشعبية العراقية، وحظيت بتأييد المراجع الدينيين السنّة والشيعة، وأعطت روحاً معنوية لكل الضباط ودفعت بمئات الآلاف من الشباب إلى الالتحاق بالجبهات، فكان الحشد الشعبي الذي صار جزءاً من القوات المسلحة وله دوره الحاكم على الجبهة». كذلك نوّه بـ«الموقف الحاسم من قبل إيران، وموقف الإمام السيد الخامنئي ومسارعة قيادات كبيرة في الحرس الثوري إلى تقديم المساعدة، ولكن يبقى الأهم هو التفاعل الشعبي العراقي».
وتحدث الأمين العام لحزب الله كيف أن العراق كان أمام تواطؤ الدول الكبرى وبعض الدول الاقليمية التي «ساعدت ودعمت وواكبت تقدم داعش في العراق والمنطقة»، واعتبرتها جزءاً من الربيع العربي، مؤكّداً أن «العراقيين حسموا خيارهم واتخذوا قرارهم بالمواجهة ولم ينتظروا قرارات الجامعة العربية أو الأمم المتحدة أو منظمة التعاون الاسلامي، لأنهم راهنوا على تضحياتهم»، لافتاً إلى توحّد العراقيين حول قرار المواجهة، ومنوّهاً بـ«مواقف عدد من القيادات السياسية السنية الاستثنائية، لأنهم دحضوا الاتهام بأن الصراع سنّي ـــ شيعي، وأكّدوا أنه صراع وطني عراقي». كذلك أشاد بـ«الحشد الشعبي» وبالعشائر التي قاتلت الى جانب القوات المسلحة العراقية، وبثبات «كل هذه الأطراف في الميدان رغم الظروف الصعبة وجاهزية العدو، الذي قابلته تضحيات جسيمة، سواء من الذين قاتلوا داعش أو الأهالي والاحتضان الشعبي»، متوقفاً أمام «عامل مهم في النصر الذي تحقق، وهو عدم الإصغاء إلى الخارج، سواء من دول أو فضائيات، بعضها لا يزال يدعم داعش حتى الآن».
وكرّر نصرالله ما سبق أن أشار إليه مراراً حول الدور الأميركي في دعم «داعش»، مشيراً إلى أن «الموقف الأميركي كان في بدايته متفرجاً، وبعضهم اعتمد سياسة التهويل بأن داعش ستبقى لسنوات مقبلة، وهذا يدل على سياسة الأميركي للاستفادة من داعش لمصلحته». ودعا إلى «التأمل في الذي حصل، وبحجم المساعدة الأميركية التي قدموها في تحرير الموصل»، واصفاً الأمر بـ«الكذب والدجل». وذكّر بما قالته وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون في كتابها حول الدعم الاميركي لـ«داعش».
وتساءل نصرالله «لو أننا لم ننتصر في الموصل، فماذا كان سيكون مصير العراق وشعوب ودول المنطقة، بما فيها دول الخليج التي دعمت داعش، والتي امتلأت قلوبها رعباً يوم أعلن البغدادي خلافته؟». وتمنى على العراقيين «تطهير بقية الأراضي العراقية من هذا الوجود التكفيري الخبيث، الذي ربما سوف لن يدع العراقيين يهنأون بانتصارهم، لأن هذا يحصّن الانتصار في الموصل».