«استراحة ما قبل التفجير». هكذا بدا الجوّ بعدَ انتهاء جلسة مجلس الوزراء التي عُقدت أمس وأدخلت البلد في مرحلة جديدة من «الاستنفار» عنوانها «الالتزام بالخطوط الحمر» على قاعدة «لا لتطيير الحكومة». ورُغم أن الرئيس تمّام سلام نجح للمّرة الثانية في كسر دورة التعطيل، لكنه في المقابل لم يدَع وزيرَي التيار الوطني الحرّ يخرجان إلى شارعهم المنتفض خاليي الوفاض.
عملياً، نفّذ سلام ما يريده بإمرار بند جديد من جدول الأعمال (دفع مستحقات المستشفيات)، وتكريس البند الذي أُقرّ في الجلسة الماضية (الدعم البرّي للصادرات)، وأخذ العونيون تعهّداً بتخصيص الجلسة المقبلة التي دعا إليها سلام بعد عيد الفطر لمناقشة آلية عمل الحكومة، لتكون النتيجة الأولية «ترحيل المشكل» أسبوعين إضافيين، تتخلّلهما اتصالات ومشاورات جديدة بحثاً عن مخارج للأزمة المستفحلة. هذه النتيجة أتت وليدة مبادرة طرحها وزير الداخلية نهاد المشنوق، في اجتماع ضمّه إلى جانب الرئيس سلام والوزيرين جبران باسيل ومحمد فنيش، طرح فيه المشنوق فكرة إمرار بند من جدول الأعمال مقابل بحث الآلية في الجلسة الأولى بعد الأعياد وقبل بها باسيل، علماً بأن الوزير علي حسن خليل كان قد عارض الاجتماعات الجانبية.

مصادر عين التينة:
نقف على الحياد وما حصل ليس انتصاراً لأحد



على وقع الهتافات العونية التي علت سماء السرايا الحكومية، بهدف «كسر قرار سلام ومحاولة نهشه كل الصلاحيات»، انعقدت جلسة مجلس الوزراء، التي لم تختلف أجواؤها في البداية عن التوتر الذي ساد محيط رياض الصلح منذ ساعات الصباح الأولى. في الداخل، ومع دخول الوزراء الواحد تلوَ الآخر باتجاه «قاعتهم»، أخذت التحليلات مداها بشأن مصير الحكومة والشارع معاً. لم يكُن أي منهم يحمل جواباً شافياً يردّ به على أسئلة الصحافيين الذين انتظروا خمس ساعات. فلا حلّ ولا مبادرة ولا أفق واضح. للتيار الوطني الحر في الحكومة والشارع حسابات، بات الحلفاء كما الخصوم على بيّنة منها. ولرئيس الحكومة اقتناع بأن ما يفعله رئيس تكتل التغيير والإصلاح ميشال عون ليس بالون اختبار لبرودة أعصابه، بل معركة يقودها العماد حتى آخر رصاصة في جيبه. وكان واضحاً أن وزيرَيه حضرا ومعهما «مشكلهما». فما كادت الجلسة تبدأ حتى انفجر باسيل بوجه سلام، قاصداً افتعال مشهد أمام المصورين الذين أُخرجوا بالقوة.
«عراضة» باسيل فاجأت جميع الوزراء الذين لم يتوقعوا أن يذهب وزير الخارجية إلى هذا الحد في مخاطبة رئيس الحكومة، متوجهاً إليه بصوت عالٍ قائلاً: «أنت تُخالف الدستور وتتعدّى على صلاحيات رئيس الجمهورية. أنا هنا رئيس الجمهورية، ومن حقّي بحسب الدستور أن أُدير الجلسة وأن أعترض على جدول الأعمال». سلام، الذي لم يتمالك أعصابه، حاول إسكات باسيل «أنا لم أعطك الإذن بالكلام وهذه مشاغبة غير مقبولة». لكن باسيل رفع الصوت معلقاً على كلام سلام: «أنا مش ناطر إذن منك». بدوره، ردّ رئيس الحكومة الذي كان في ذروة انفعاله، بحسب مصادر وزارية، فقال «لمّا أنا بحكي إنت بتسكت». فورة الوزير العوني لم يبرّدها سوى تدخّل زميله في الحكومة الوزير حسين الحاج حسن الذي أمسك بباسيل في محاولة للتهدئة قائلاً: «يُمكنك أن تقول ما تشاء، ولكن ليس بهذه النبرة ولا بهذا الأسلوب»، قبل أن يتدخل الوزير رشيد درباس، متوجهاً إلى باسيل «أنتم تقولون إن الدستور يعطي الوزير صلاحيات رئيس الجمهورية، وهذا يعني أنني أنا أيضاً رئيس جمهورية، وأنا لن أقبل بتّ أي بند قبل أن تحصل تشكيلات دبلوماسية تناسبني». ومنعاً لتفاقم الإشكال الساخن، بعد دخول وزيرَي الاشتراكي على خطّ الاشتباك الكلامي دفاعاً عن سلام، سحب الوزير نهاد المشنوق باسيل خارج القاعة لضبط انفعاله، مؤكداً أمامه أنه «لا يجب التعاطي مع سلام بهذه اللهجة ولا يجوز تحويل أزمة الحكومة إلى مشكلة شخصية مع الرئيس سلام. فهذا أسلوب غير مقبول»، محاولاً «منع الانفجار وحفظ كرامة رئاسة الحكومة». وقال المشنوق إن «سلام هو صورة الاعتدال، وإنه لا بديل منه سوى التطرف. فهل تريدون الوصول إلى هذه المرحلة؟». واقترح بعدها أن ينضم كل من الرئيس سلام والوزير محمد فنيش إلى الخلوة التي اقترح خلالها وزير الداخلية «إمرار أحد البنود، ووقع الاختيار على البند المتعلق بدفع مستحقّات المستشفيات. فلم يقبل باسيل بالاقتراح إلا بعد موافقة سلام على تخصيص الجلسة المقبلة بعد الأعياد لمناقشة الآلية». وقبل طرحه المبادرة، تشاور المشنوق مع الوزيرين أبو فاعور وعلي حسن خليل، إلا أن الأخير اعترض على اللقاءات الجانبية، لأنه لم يدعَ إليها، بحسب مصادر وزارية أكدت لـ«الأخبار» أن «هذا الأمر من صلاحية رئيس الحكومة»، علماً بأن مصادر عين التينة نفت في حديث إلى «الأخبار» هذا الجوّ، مؤكّدة أن «الوزير حسن خليل اعترض على مبدأ اللقاءات الجانبية، لا على عدم دعوته، فلا يجوز طرح الحلّ في زوايا السرايا وهناك 24 وزيراً تهجم بعضهم على بعض داخل الجلسة». وكان خليل قد سجّل اعتراضاً لدى سلام، مشيراً إلى أن «الحلّ يجب أن يناقش أمام جميع الوزراء، وعلى عكس ما قيل، فإن خليل هو الذي رفض الانضمام إلى الاجتماع». وأشارت المصادر إلى «قرار وزيرَي أمل عدم الدخول في الاشتباك»، وقالت «نحن نقف على الحياد، وما حصل اليوم (أمس) ليس فيه انتصار لأحد»، وإن العونيين جهدوا في الوصول إلى حل من داخل الحكومة بعدما فشلوا في حشد الناس». كما أن «سلام لم يكسر عون، هو فقط فرمل اندفاعته إلى تكرار تجربة الجلسة الأولى، وموضوع بحث الآلية ليس جديداً، ونحن بحثنا بها سابقاً».
وبعد انتهاء الخلوة، عاد الأربعة إلى الجلسة بجوّ مختلف، فحاول باسيل «إصلاح الوضع مع سلام بمدحه»، لتتبخر معها سحب الدخان الأسود في الداخل. وبعد رفع الجلسة، خرج الوزراء الذين ظهر على وجه البعض منهم ملامح الاستياء، كالوزيرين وائل أبو فاعور وآلان حكيم. فيما تولّى آخرون شرح مجريات الجلسة. مصادر رئيس الحكومة أكدت لـ«الأخبار» أن «باسيل تقصّد افتعال مشكل لتسجيل نقطة لصالحه في السياسة، لكنّه في الوقت نفسه فتح باباً للحلّ يمكن البناء عليه في الأسبوعين المقبلين». وفي تقويم لمشهد أمس، قالت المصادر: «تمّام سلام لا يخاف ولا يُخيف. هو ربح حكومته، وفي المقابل كسب التيار الوطني الحرّ الجو السياسي والشعبي، ولا سيما في ضوء موقف حزب الله الذي يدفع باتجاه تسوية مع الجنرال عون». بدورها، أكدت مصادر مستقبلية أن «الرئيس سعد الحريري والنائب فؤاد السنيورة وسلام حرصوا قبل الجلسة على عدم دخول وزراء المستقبل بالمشكل منعاً لترسيخ نظرية المواجهة السنية ــ المسيحية»!