لم ينتظر قطاع الشباب في التيار الوطني الحر أمس انتهاء الجلسة الحكومية ومؤتمر رئيس تكتل التغيير والإصلاح ميشال عون حتى يبنى على الشيء مقتضاه، كما كان مقرراً. اشتعل فتيل العونيين مباشرة بعد التسريبات عن خلاف بين رئيس الحكومة تمام سلام ووزير الخارجية جبران باسيل، فاتخذ القرار في اللجنة المركزية بالنزول الى السرايا فوراً. وهكذا اقتصر الحضور العوني على قطاع الشباب المجتمع في سنتر ميرنا الشالوحي، ليساندهم بعض الرفاق «بالمفرّق» لاحقاً.
ورغم التحرك العفوي، حضرت صور الجنرال بالبزة العسكرية واللافتات سريعاً، وإحداها أقل ما يقال فيها إنها مقززة، إذ كتب عليها «رح نبقى هون لو بدو يطلع ع راسك شعر»، في إشارة الى رئيس الحكومة تمام سلام. وكان للحريري الأب والابن نصيبهما من الانتقادات في هتافات العونيين. أما الهتاف الأبرز الذي تردد طوال ساعات الاعتصام الثلاث، فكان: “الله، لبنان، عون وبس». سريعاً، بدأت المشادات بين مناصري التيار الوطني الحر وقوى الأمن الداخلي الذين أوقعوا جرحى في صفوف العونيين، من بينهم مسؤول قطاع الشباب أنطون سعيد، وطوني أوريان الذي تمّ توقيفه الى حين تدخل النائب ابراهيم كنعان وإعادته الى التظاهرة. وبعد فترة قصيرة، سلمت قوى الأمن الداخلي مكانها للجيش، علماً بأن هذا الإجراء لم يوقف عدد الجرحى الذي تصاعد مع استعمال القوى الأمنية العصي الخشبية التي انكسر معظمها على رؤوس العونيين. ويبدو أن الجيش كان يطبق «قراراً حازماً بصدّ المتظاهرين العزل عبر اعتماد العنف والعصيّ. يقولون إن القرار صدر من رئيس الحكومة، لكن الأكيد أن قيادة الجيش أيضاً غير بعيدة عن هذا التوجه. زد على ذلك أن عناصر بثياب مدنية كانوا يؤثرون التعرض للمتظاهرين و»هم إما مخابرات أو معلومات». فيما يقول النائب نبيل نقولا إنه «تعرّض للضرب أمام عيني مدير مخابرات بيروت العميد جورج خميس الذي اكتفى بالوعد بمعاقبة المعتدين». ويضيف نقولا: «بدي عاقبن وعاقب رؤساؤن الفعليين سمير مقبل وريفي ونهاد المشنوق وتمام سلام أكيد». وكان للنائب حكمت ديب حصة مما جرى، فأصيب بكسر في أحد أصابع يديه، فيما تعرض النواب ابراهيم كنعان وآلان عون وناجي غاريوس وفادي الأعور والوزير السابق غابي ليون «للتدفيش» من قبل القوى الأمنية. وسط كل ذلك، ضاع العونيون المساندون للجيش قبل الجميع، تارة يعاتبون العسكريين على التصرف «اللاأخلاقي» صارخين بهم: «لو بتعملوا هيك مع الدواعش اللي محتلين أرضنا مش أحسن؟»، وتارة يهتفون عالياً «تسلم يا عسكر لبنان يا حامي استقلالنا». ينظر أحد المناصرين الى الأسلاك الحديدية المنصوبة على مقربة من السرايا وإلى عناصر الجيش المستنفرين وراءها، يصرخ بهم: «الله يرحم اللي أسس هالفوج، فوج التدخل الثالث اللواء فرنسوا الحاج». يعلو التصفيق، وتليه هتافات داعمة للوزير باسيل. على مقربة من «ساحة المعركة»، تقف ثلاث فتيات يستنكرن سلوك الجيش ويؤنبن بعض العناصر كلما سنحت الفرصة. تشرح إحداهن وهي المحامية ريما سليمان أنها أتت بناءً على دعوة «الجنرال، نزلنا بتحرك سلمي على ساحة الشهداء ورح نصير كلنا شهداء لأننا نطالب بحقوق اللبنانيين جميعاً وليس المسيحيين وحدهم». من جهته، يستغرب إيلي كل هذا العنف «من دون ما نستفز حدا، بل نتظاهر كشباب التيار تعبيراً عن موقفنا». وقد بدا واضحاً من خلال المشاهدات وسط الحشود أن لا سلاح فعلياً بأيدي المتظاهرين ولا هم في وارد افتعال مشكلات، بل يؤخذون عمداً إليها، وخصوصاً أن الجيش كان يفسح المجال أمام الشباب للتقدم نحو السرايا، ثم يعمد الى صدّهم بالهراوات والعصي الخشبية. انتهى الاعتصام مع انتهاء الجلسة الحكومية وانضمام الوزيرين باسيل والياس بوصعب الى التظاهرة، حيث خطب باسيل بالعونيين ودعاهم الى فضّ التظاهرة.
بعيداً عن ذلك، كان لافتاً أمس التفاعل الكبير والتنسيق بين نواب التيار الوطني الحر والقاعدة العونية، على الأرض، من دون أن تفصل المنابر والكاميرات بينهم. عاد النائب حكمت ديب الى سابق عهده أيام كان المتظاهر الأول في كلية الهندسة وكلية العلوم وأمام العدلية في بيروت، فكان الصورة الحقيقية لهذه التظاهرات، وهو ما أدى فعلياً الى اعتماده كأول مرشح حزبي للتيار الوطني الحر عام 2002. وأمس، تصدّر ديب اعتصام السرايا واستعاد حماسته الحزبية. يوجّه مجموعة من الشباب هنا ويساند بعض الفتيات هناك، ويخاطب المتظاهرين عبر المذياع وينقلهم من مكان الى آخر... وطبعاً يتوسطهم جميعاً ويتعرض للضرب والتدافع مثلهم. وإن كان من إنجاز حقيقي، فليس بالطبع ثني سلام عن إقرار البنود الحكومية وعدم السماح له بتخطي التيار الوطني الحر، بل هو حتماً عودة النواب أو «المناضلين السابقين» أمثال ديب وكنعان ونقولا وغاريوس وعون الى مكانهم الطبيعي وسط المناصرين بعد غياب سنوات؛ ولو أن بعضهم بدا كمن يلاحق الكاميرات لا «القضية».