الطقس الخريفي يُتعب صدر السفير الروسي في بيروت ألكسندر زاسبيكين. ومع ذلك، لا يكاد زاسبيكين يودّع ضيفاً حتى يستقبل آخر من دون «رحمة». سياسيّون وإعلاميون وأصدقاء، وزوّار «جدد» يستشعرون «الموسم الروسي» في بلاد الأرز.
التطوّرات في المنطقة ولبنان، تترك الدبلوماسي المخضرم أمام سيلٍ من الأسئلة والتوقّعات. وبلا شكّ، فإن التصعيد الأميركي ــــ الإسرائيلي ــــ السعودي ضد لبنان وسوريا، ينعكس ترقباً لتطورات الأيام المقبلة، في ظلّ الدور الروسي المتعاظم في سوريا ولبنان، وتصاعد المواجهة بين روسيا وأميركا، وزيارة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز لموسكو الأسبوع الماضي.

لقاء كليمنصو جيّد ويأتي في سياق الوحدة لمواجهة الأخطار المقبلة



بالنسبة إلى زاسبيكين، فإن العقوبات الأميركية ضد حزب الله والتصعيد المترافق ضدّ إيران تضع لبنان في عين العاصفة. لكنّ السفير مقتنعٌ بأن العقوبات لن تهزم حزب الله أو تجبره على تغيير موقفه السياسي. «روسيا تعاني من العقوبات، ومع ذلك لا يمكن أن تجبرنا الضغوط على تغيير مواقفنا المبدئيّة»، يقول زاسبيكين، «بالعكس، نحن نزداد إصراراً على المواجهة».
يدرك ممثل روسيا في لبنان أن «العقوبات لا تستهدف حزب الله وحده، وإنّما الشعب اللبناني بأكمله». كيف يمكن المواجهة؟ يقتنع زاسبيكين بأن «الحلّ هو مواجهة العقوبات والضغوط الأميركية بالوحدة الداخلية اللبنانية، على المستوى السياسي وعلى المستوى الشعبي، لأنهم يريدون من هذه العقوبات أن يقسموا اللبنانيين، والردّ هو بالوحدة. أنا أعتقد بأن اللقاء الثلاثي (في دارة الوزير وليد جنبلاط في كليمنصو) أمر جيّد، وفي سياق الوحدة لمواجهة المقبل من الأخطار، ولا أظنّ بأن أياً من القوى السياسية سينخرط في هذا التصعيد إلى جانب الأميركيين. نحن على ثقة بأن هذا الضغط سيفشل».
ماذا عن التهديد بالحرب الإسرائيلية؟ بما يملكه زاسبيكين من معلومات، فإن التصعيد والتهديد واحتمالات الحرب، تقابلها مفاوضات تجرى في المنطقة. وبالتالي، «توازن الرعب بين إسرائيل وحزب الله يضبط الحرب بشكلٍ أو بآخر. ستحدث خسائر في الجانبين في حال الحرب، والجميع يراجعون حساباتهم»، ويضيف: «هل تقوم إسرائيل بما يتمنّاه العرب من حرب على لبنان وسوريا؟ لا أعتقد».
ومن لبنان إلى سوريا، يبدي السفير ارتياحاً كبيراً للوضع العسكري والسياسي في الميدان السوري. ولو أن أميركا بحسب معلوماته لا تزال تراهن على المجموعات الإرهابية، إلّا أن مسار الأحداث يعكس انتصاراً كبيراً لسوريا وروسيا وحلفائهما على قوى الإرهاب. الحديث عن سوريا يوصل إلى زيارة الملك سلمان لموسكو. الزيارة لها شقّان، الأول هو علاقات المصالح الاقتصادية والتجارية بين الطرفين، أمّا الشّق الثاني فهو عن دور السعودية في سوريا والمنطقة.
هل تعمل روسيا على وساطة بين سوريا والسعودية؟ «لا داعي للوساطة، هل تحتاج سوريا ولبنان إلى وساطة؟ لا حاجة»، يجيب السفير. خلال زيارة ملك السعودية لموسكو، باتت مواقف المملكة واضحة: مع آستانا، مع الحلّ السياسي، والتراجع عن مطلب إسقاط «النظام السوري» ورحيل الرئيس بشار الأسد. لكنّ «مشكلة السعودية الوحيدة هي إيران». وبحسب الدبلوماسي الروسي الأول في بيروت، السعودية تطالب بوقف التوسّع الإيراني وإخراج إيران من سوريا. أمّا بالنسبة إلى روسيا، فـ«الحرب على الإرهاب لا تزال مستمرّة في سوريا، وإيران حليفة سوريا وتساعدها في مكافحة الإرهاب. هم أخرجوا سوريا من الجامعة العربية وأرادوا إسقاط النظام، فماذا ينتظرون من الأسد غير أن يلجأ إلى دعم حلفائه في روسيا وإيران؟ نحن كنّا نتعاون عسكرياً مع الجيش السوري منذ القرن الماضي، فهل توقّعوا أن نتراجع في سوريا؟ بعدما دخل الإرهاب وأحدثوا فوضى في البلاد، هذا الدعم زاد إلى حدّ كبير». ويضيف: «إذا كانت السعودية ترى التصعيد الأميركي ضد إيران، فلماذا ستخفّف من عدائيتها؟ المشكلة في الموقف الأميركي».
المواقف الأميركية التصعيدية لا تقف عند حدود إيران، بل تنسحب على أزمة السفارات مع روسيا وإلى أوكرانيا، و«الصراع المقبل في البلقان وأوروبا الشرقية»، يقول زاسبيكين. فحكومة كييف الأوكرانية، «تحاول الوصول إلى الحدود الشرقية مع روسيا لحصار حلفائنا. إنّها حكومة نازية. يقتلون الناس ويهجّرونهم من بيوتهم. روسيا وأوكرانيا كانتا دائماً شعباً واحداً، إلّا أن أميركا نجحت في إقناع جزء من الأوكرانيين بالعداء لروسيا، لكن هذا سينتهي قريباً». يتخوّف السفير الروسي من أن «هذا الصراع وغيره، يؤثّر سلباً في البلقان، فهم أوجدوا كيان كوسوفو السيئ وتركوا أسباب التوتّر قائمة».
أخيراً، كيف تقيّم تطوّر العلاقات اللبنانية ــ الروسية؟ «الأمور تسير بشكل جيّد، الآن الشركات الروسية ستشارك في التنقيب عن الغاز والنفط. ولاحقاً سنرى كيف يمكن تطوير التعاون للعمل في تطوير البنية التحتية، وأسمع بأن التعاون العسكري يتحسّن».