عندما تدسّ صحيفة «لو فيغارو» خبراً من النوع الذي نشرته مساء أمس في نسختها الإلكترونية، لا تتوقف كثيراً عند الاعتبارات المهنية والموضوعية التي تقود تقليدياً مؤسسة إعلامية عريقة. الخبر يقول إن مجموعة من قراصنة المعلوماتية الإيرانيين اخترقوا حواسيب رؤساء الجمهورية والحكومة والجيش اللبناني ووزارتي العدل والخارجية، ومجموعة من المصارف اللبنانية، دفعة واحدة، ومنذ ستة أشهر، من دون أن تشعر بذلك الأجهزة اللبنانية أو سلسلة الرقابة والحواجز الإلكترونية.
الكاتب لا يذكر لخبره سوى مصدر واحد مغفل، هو «مخابرات غربية». الخبر يقول إن المجموعة تعمل منذ ستة أشهر، وقد دخلت علبة البريد الإلكتروني للرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، وإن المجموعة التي قرصنت المنظومة المعلوماتية مدنية، مدعومة سراً من وزارة الدفاع الإيرانية، وهي تطلق على نفسها اسم «أويلريغ». الخبر الذي يحاول اكتساب صدقية معدومة يربط بين عمليات القرصنة المزعومة وعمليات سابقة يزعم كاتب الخبر أنها قامت بها على مستوى من الحرفية والخبرة لا سابق لها عندما اخترقت 120 موقعاً إسرائيلياً، ومواقع سعودية، وأخرى أميركية، خلال المفاوضات على الملف النووي الإيراني.
وحاولت «الأخبار» الحصول على تعليق من الجهات اللبنانية الواردة في الخبر، إلا أنها لم تتمكّن من التواصل معها ليل أمس.
الخبر تعتريه مجموعة كبيرة من المغالطات، تحوله إلى سقطة كبيرة لـ«لو فيغارو».
السؤال الأول الذي يفرض نفسه: إذا كانت المخابرات الغربية على علم باختراق قراصنة إيرانيين لحواسيب رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وحساباتهما البريدية، وتملك كل الدلائل على ذلك، فلماذا لم تُعلِم الجانب اللبناني عبر القنوات الرسمية الأمنية المتوافرة بين لبنان والجهات الغربية، ولماذا أغمضت أعينها عن هذا الاختراق طوال الأشهر الستة الماضية؟
السقطة الساذجة الأكبر للصحيفة الفرنسية العريقة، هي ما «تقوله المخابرات الغربية»، عن هدف عملية الاختراق الإيرانية المزعومة، وهو الحصول على كلمات مرور معلومات ووثائق يمكن استخدامها في الوقت المناسب وملفات من نوع الفضائح الشخصية المحرجة للمرشحين السنّة الذين تدعمهم السعودية والرئيس الحريري، للضغط عليهم، لترجيح كفة حزب الله في الانتخابات النيابية المقبلة. وإذا كان هذا هو الهدف، فلماذا تخترق حسابات وزارتي العدل والخارجية غير المعنيتين بالانتخابات؟
وتجدر الإشارة إلى أن نشر الخبر حصل «مصادفة»، بينما تستعد قناة «اي تيلي» الفرنسية لإجراء مقابلة مساء اليوم مع الحريري، وهي الأولى منذ عودته من الاحتجاز السعودي، فيما تحاول مجلة «الرجل» الخليجية استخدام «سبق» صحافي بنشر مقابلة مع الرئيس الحريري، أُجريت عندما كان محتجزاً في السعودية. هذه الوقائع تتيح طرح سؤال عمّا إذا كانت حملة الأكاذيب الإعلامية السعودية قد بلغت صحيفة «لو فيغارو»، بهدف ابتزاز الحريري وهو حرٌّ في لبنان.