الورقة اللبنانية التي سيقدمها لبنان رسمياً أمام الجهات المانحة من دول ومؤسسات دولية مشاركة في مؤتمر «باريس 4»، تزعم أن لبنان سيتلزم بإجراء إصلاحات مالية وقطاعية، أبرزها ضبط أوضاع المالية العامة بنسبة 5 نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي على مدى السنوات الخمس المقبلة من خلال إجراءات متعلقة بزيادة الإيرادات وخفض الإنفاق، بما في ذلك خفض التحويلات الحكومية إلى مؤسسة كهرباء لبنان التي تجاوزت 4% من الناتج… وضمان بقاء العجز الحالي عند مستوى 2017.المشكلة لا تكمن في طبيعة هذا الالتزام، بل بكيفية تحقيقه، إذ إنه ليست هناك رؤية واحدة في لبنان لضبط العجز المالي عند مستويات 2017 وهو ما ظهر بوضوح أثناء مناقشات مشروع موازنة 2018. يومها فوجئت اللجنة الوزارية بأن العجز الفعلي في الموازنة يصل إلى 12000 مليار ليرة، أي بزيادة 60% عن العجز المقدر في مشروع موازنة 2017، ما دفع اللجنة إلى إجراء جراحة تجميلية تخفي قسماً من هذا العجز عبر تأجيل إنفاق للسنوات اللاحقة وتنفيذ هندسات مالية بين وزارة المال ومصرف لبنان… وما يعزّز وجود التنافر اللبناني حول الإصلاحات، أن الجراحة التجميلية للموازنة لم تأت ضمن سياسة موحّدة للحكومة، بل أقرّت تحت ضغط قرب انعقاد مؤتمر باريس 4، أي أنها لا تعبّر عن سياسة واضحة ومدروسة للحكومة بل هي عبارة عن شتات أفكار جرت لملمتها من هنا وهناك لتسريع إقرار الموازنة. ولو أن الحكومة لديها مثل هذه السياسة أو الخطة، فهي لن تكون بحاجة إلى التسوّل عبر مؤتمرات الدعم مثل «باريس 4».
المنلا قاد الفرق التي حدّدت التزامات لبنان في مؤتمرات سابقة ولم ينفّذ منها شيء تقريباً


ويتكرّر في هذه الورقة التزام الحكومة بإصلاحات بنيوية وقطاعية، بعضها عبارة عن إجراءات بسيطة تطويرية مثل الجمارك والحكومة الإلكترونية وسواها، لكن المشكلة أن هذه الورقة ستعرض على الجهات المانحة لنيل موافقتها على تمويل المشاريع التي يطلبها لبنان، قبل أن تُعرض على الحكومة اللبنانية نفسها. الحكومة اللبنانية «درست»، على عجل، المشاريع المنوي طلب تمويلها في المؤتمر، من دون أن تطّلع على «الإصلاحات» التي ستأخذ علماً بها لاحقاً عندما يبدأ تنفيذ مقرّرات مؤتمر باريس 4، وهذا ما بدا واضحاً في مسودة البيان الختامي للمؤتمر والتي وافق عليها لبنان أثناء مشاركته في الاجتماعات التحضيرية. هذه المسودة تشير إلى الأسباب الموجبة التي يطلب على أساسها لبنان المساعدة من الجهات المانحة، وتشير أيضاً إلى التزام الدول المانحة باستقرار لبنان ومساعدته، إلا أنها تركّز في فقرتها الأخيرة على أنه «ستكون هناك متابعة حثيثة وجدية لجهة الوعود التي سيتلقاها لبنان من الجهات المانحة، بالإضافة إلى متابعة تنفيذ الإصلاحات وفق برنامج زمني تلتزم به الحكومة اللبنانية».
هذه الفقرة تعني أن الحكومة اللبنانية ستضع جدولاً زمنياً للإصلاحات التي يلتزم بها لبنان وأنه ستتم متابعتها بدقّة من الجهة المكلفة بذلك. والأسوأ من حقيقة أن الحكومة ستطّلع على الورقة اللبنانية أثناء تحضير الجدول الزمني لهذه الالتزامات، أن إعداد الجدول سيكون من مهمات الحكومة المقبلة بعد الانتخابات النيابية!
في الواقع، إن القوى السياسية المعنية بوضع خطّة واضحة للإصلاحات التي يجب على لبنان تنفيذها لضبط عجزه المالي، قد تركت هذه المهمة على عاتق رئاسة الحكومة والمستشار الاقتصادي لرئيس الحكومة نديم المنلا. هو نفسه الرجل الذي قاد الفرق التي حدّدت التزامات لبنان في مؤتمرات دعم سابقة ولم ينفّذ منها أي شيء تقريباً.
على أي حال، فقد أصرّ الجانب الفرنسي على أن يتولى بنفسه مهمة متابعة تنفيذ الالتزامات المنصوص عليها في البيان الختامي، بحسب مصادر مطلعة. وسيكون هناك موفد فرنسي يزور لبنان بشكل دوري للتأكد من تطبيق الالتزامات و«احترام لبنان موجباته أمام المجتمع الدولي». مهمة الموفد الفرنسي تتلخص في أن لا يفشل مؤتمر باريس 4 وأن تكون الإدارة الفرنسية أمام مطلب لبناني جديد بعقد مؤتمر يسمى باريس 5 أو سيدر 2 و3 و4… وتقول المصادر إن البنك الدولي وبنك الاستثمار الأوروبي وغيرهما من الجهات الدائنة ستراقب أيضاً هذه الالتزامات، علماً بأن هذه الصناديق ستكون الجهات الأساسية في تقديم الدعم المالي عبر قروض ميسّرة للبنان يتم تسليفها بالاستناد إلى مؤونات في صندوق مخصّص لدعم الفوائد توضع فيه الهبات المالية.
التوقعات حول المبالغ التي سيحصل عليها لبنان من المؤتمر تتفاوت بحسب الجهات المشاركة. فقد تردّد أثناء الاجتماعات التحضيرية أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان سيحضر المؤتمر، بالإضافة إلى دول خليجية أخرى قد يؤدي وجودها إلى زيادة مبالغ الدعم. ورغم أن البيان الختامي لم يتضمن أي إشارة سياسية، إلا أنه لا يتوقع أن يكون الدعم من دون شروط سياسية مخفية.