عندما استُدعي الرئيس سعد الحريري للقاء ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تشرين الثاني الماضي، توقّع استقبالاً حاراً من العائلة المالكة. «سعد كان يفكّر في أن كل مشاكله مع ابن سلمان ستحلّ. لكن، بدلاً من ذلك، في الرياض واجهته الشرطة، التي احتجزته. احتُجز (الحريري) لمدة 11 ساعة. وضع السعوديون الحريري على كرسي، وصفعوه مراراً وتكراراً».هذه هي خلاصة الجزء اللبناني من تقرير نشرته مجلة «ذي نيويوركر» الأميركية، على موقعها الالكتروني، (يُنشر في النسخة الورقية في التاسع من الشهر الجاري). الكاتب، دكستر فيلكنز، استعرض حياة محمد بن سلمان وشخصيته وسلوكياته منذ أن كان طفلاً ثم شاباً، الى أن تولى وزارة الدفاع السعودية، وأصبح بعدها وليّاً للعهد وحاكماً فعلياً للمملكة العربية السعودية. وفي سياق التقرير المطوّل، عرض الكاتب الخطوات البارزة التي قام بها ابن سلمان، بالتعاون مع البيت الأبيض، وتحديداً مع جاريد كوشنر مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب وصهره. وممّا تطرّق إليه الكاتب، الخطوات التي قامت بها السعودية (منذ وصول سلمان بن عبد العزيز الى الحكم) في تعاملها مع لبنان، وتحديداً حزب الله، وعلاقة هذا الملف باحتجاز الحريري في الرياض، مع مجموعة من الأمراء ورجال الأعمال السعوديين، في الثالث من تشرين الثاني من العام الفائت.
في أواخر تشرين الأول، أي قبل أيام من احتجاز الحريري، قام جاريد كوشنر، مستشار الرئيس ترامب وصهره، بزيارة غير معلنة لبن سلمان، وكانت هذه رحلته الثالثة إلى السعودية منذ الانتخابات الأميركية، بحسب ما أورد الكاتب. وعلى الرغم من أن كوشنر كان من المفترض أن يركز على «خطة للسلام بين إسرائيل وفلسطين، فقد قرّر بوضوح أن الهدف الأكثر إلحاحاً هو توحيد المنطقة ضد إيران»، بحسب الصحيفة. بعد وقت قصير، غادر كوشنر السعودية، وفي ذلك الوقت تقريباً، استدعى ابن سلمان الحريري إلى الرياض. تلقّى الأخير المكالمة التي استُدعي فيها الى المملكة، بينما «كان يستعد لتناول طعام الغداء مع فرانسواز نيسن، وزيرة الثقافة الفرنسية، لكنه لم يكن في وضع يمكّنه من تجاهل ابن سلمان، إذ إن الحريري مواطن سعودي، وشركته، سعودي أوجيه، الغارقة في الديون، حقّقت أرباحاً بملايين الدولارات من تنفيذ مشاريع لمصلحة الدولة السعودية»، على حدّ قول فيلكنز.

العلاقة بينهما تدهورت بسبب العداوة مع إيران
ينتقل الكاتب هنا الى استعراض علاقة ابن سلمان بالحريري، فيروي أنها «تدهورت بسبب الحرب بالوكالة مع إيران، إذ منذ تدخل السعوديين والإماراتيين في اليمن، قبل ما يقارب ثلاث سنوات، سارت الأمور بشكل خاطئ؛ فالحوثيون ما زالوا يحتلّون العاصمة، ويقوم أفراد القوات الخاصة الإيرانية ونشطاء من حزب الله بتدريب مقاتلين جدد من المتمردين». والأكثر إلحاحاً، بحسب الكاتب، هو أن الإيرانيين «هرّبوا الصواريخ التي يستخدمها المتمرّدون لقصف المملكة العربية السعودية. وفي محاولتهم لوقف الصواريخ، حاصر السعوديون والإماراتيون الموانئ اليمنية، فازدادت الكارثة الإنسانية، إذ إن أكثر من عشرة آلاف شخص ماتوا، ومئات الآلاف يواجهون المجاعة وتفشّي الكوليرا». وزاد من قلق ابن سلمان «موقف حزب الله. فلعدة سنوات، تعاونت الحكومتان الأميركية والسعودية لبناء جيش لبناني كقوّة موازية (لحزب الله)». وفي عام 2016، بعدما تولى ابن سلمان منصب وزير الدفاع، ألغى قرار صرف ثلاثة مليارات دولار من المساعدات العسكرية للجيش اللبناني، و«خَلص إلى أنها كانت مضيعة للمال. كان يشعر وكأن كل دولار أرسله إلى لبنان كان يدعم فيه حزب الله»، قال هذا مسؤول أميركي سابق يلتقي ابن سلمان بشكل دوري، لكاتب التقرير. السعوديون، حسب قول الكاتب، كانوا «يأملون أن يتمكن الحريري من مواجهة حزب الله».
الحريري: لا أريد أن أتحدث عمّا حدث الآن... ابن سلمان كان على حق


الحريري لم يكن قادراً على ردع حزب الله، حتى لو دفعه ابن سلمان إلى اتّخاذ موقف أشد، حسب رأي الكاتب. «نقطة الانهيار»، بحسب المجلة، جاءت في أوائل تشرين الثاني الفائت، إذ بينما استمر المتمردون (أنصار الله) في إطلاق الصواريخ عبر الحدود (على السعودية)، توجّه علي ولايتي، وهو مسؤول إيراني بارز (مستشار الشؤون الدولية لمرشد الثورة السيد علي الخامنئي)، إلى لبنان والتقى بالحريري». ووفقاً للمسؤول الأميركي السابق، قال ولايتي «إن إيران تنوي الاستمرار في إثبات نفسها في المنطقة. بعد ذلك، تقدم الحريري، مبتسماً، لالتقاط صورة معه». عندما وصل الخبر لابن سلمان، كان غاضباً، وقال المسؤول السابق نفسه إن ولي العهد السعودي «شعر أنه كان عليه أن يفعل شيئاً».

الاستدعاء: خلاف ما توقّع الحريري
عندما استُدعي الحريري للقاء ابن سلمان، توقّع استقبالاً حاراً من العائلة المالكة. «سعد كان يفكّر في أن كل مشاكله مع ابن سلمان ستحلّ»، بحسب ما قاله أحد مساعدي الحريري لفيلكنز. «بدلاً من ذلك، في الرياض واجهته الشرطة، التي احتجزته». ووفقاً لمسؤولَين أميركيَّين سابقَين لا يزالان نشطَين في المنطقة، فقد «احتُجز (الحريري) لمدة 11 ساعة». أحد المسؤولَيْن قال للكاتب: «وضع السعوديون الحريري على كرسي، وصفعوه مراراً وتكراراً». (نفى المتحدث باسم الحريري هذه المعلومة للكاتب). وفي النهاية، «في شريط فيديو سريالي عُرض على تلفزيون سعودي، بدا الحريري فيه متعباً ومنهكاً، قرأ خطاب الاستقالة، مدّعياً أنه قد فرَّ من لبنان للتهرّب من مؤامرة إيرانية لقتله». أعلن الحريري الذي عادة ما «يكون معسول الكلام» أن «يد إيران في المنطقة سوف تُقطع»، وهو بيان «أقنع الكثير من اللبنانيين بأنه قد كُتب من قبل شخص آخر».
بعد تقديم الاستقالة، لم يتّضح من الذي سيصبح الرئيس الجديد للحكومة اللبنانية. وفقاً لمسؤولين لبنانيين وغربيين، تحدث معهم الكاتب، «محمد بن سلمان حاول أن يُحضر شقيق سعد الحريري، بهاء، الذي يقضي معظم وقته في موناكو، ليأخذ هذا المنصب». مسؤول أميركي كبير في الشرق الأوسط أخبر الكاتب أن «تلك المؤامرة هي أغبى شيء رأيته في حياتي». يذكر فيلكنز هنا أن ثمة مؤشرات تدل على أن ابن سلمان نسّق تحركاته مع إدارة ترامب، ناقلاً عن مسؤول استخباري سابق، رفيع المستوى وقريب من البيت الأبيض، أن «ابن سلمان حصل على الضوء الأخضر (الأميركي) للإطاحة بالحريري».

انهيار الخطّة السعودية
المسؤولون الغربيون الذين أحاطوا بقضية الحريري سارعوا إلى إنقاذه، يقول الكاتب. تيلرسون، وزير الخارجية الأميركي، أصدر بياناً قال فيه: «إن الولايات المتحدة تدعم استقرار لبنان وتعارض أي عمل يمكن أن يهدد ذلك الاستقرار». بعدها زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ابن سلمان، و«مارس عليه ضغوطاً للإفراج عن الحريري». ووفقاً لدبلوماسي غربي مطّلع على «المفاوضات»، محمد بن سلمان «افتتح الحديث بالتهديد بقطع التجارة مع فرنسا ما لم يتوقّف ماكرون عن التعامل مع إيران». عندها، أجاب ماكرون بهدوء بأن «بلداً مثل فرنسا حرٌّ في أن يتعامل مع من يشاء». في نهاية المطاف، «انهارت الخطّة عندما احتجّت غالبية المؤسسات السياسية اللبنانية على أسر الحريري»، على حدّ تعبير الكاتب. بعد أسبوعين من وصوله الى الرياض، كان الحريري على متن الطائرة، وكان أول من التقاهم مسؤولين في باريس والقاهرة، ثم عاد إلى بيروت، «حيث تنعّم بالتعاطف». يذكر الكاتب، هنا، أن أحد كبار قادة حزب الله قال له: «البلد كله موحّد حوله (الحريري)».
بعد عدة أيام من عودة الحريري الى بيروت، حضر فيلكنز (الكاتب) لمقابلته. ويقول: «يعيش في بيت الوسط، داخل مجمّع عالي الجدران من الفيلّات المبنية بشكل رائع، مع إطلالة على البحر الأبيض المتوسط». ويضيف فيلكنز: «على الرغم من الأجواء المحيطة، إلا أنه (الحريري) بدا سجيناً سابقاً منهكاً أكثر منه بطلاً عائداً». وعندما سأل الكاتب الرئيس الحريري عن القضية، تراجع الأخير خلف مكتبه، وقال: «لا أريد أن أتحدث عمّا حدث الآن... محمد بن سلمان كان على حق، حسنا؟ ما يحاول القيام به هو الصحيح».