قبل أيام، وخلال حصة تدريبية لرؤساء أقلام الاقتراع على عمليات فرز الأصوات، وفق القانون الإنتخابي الجديد، اكتشف هؤلاء الذين كانوا في ثلاث مجموعات منفصلة أن مدربيهم من وزارة الداخلية أعطوا ثلاث إجابات مختلفة عن سؤال واحد.السؤال كان عن كيفية احتساب ورقة اقتراع في حال صوّت المقترع للائحة معيّنة وأعطى صوتاً تفضيلياً لمرشح فيها وصوتاً تفضيلياً لمرشح على لائحة أخرى. واحدة من الاجابات اعتبرت أن الصوت يُحتسب للائحة فيما يُلغى الصوتان التفضيليان؛ الاجابة الثانية كانت أن الصوت يُحتسب للائحة ويُعطى التفضيلي للمرشح عليها ويُهمل المرشح خارجها. فيما ذهب الرأي الثالث إلى عدم احتساب الورقة لأن الأمر يُعتبر «تعليمة»، واستناداً الى المادة 102 من القانون «تعد باطلة كل ورقة تشتمل على أية علامة...». إذ أن أي مرشح يريد شراء أصوات قد يشترط على ناخبيه أن يضعوا اسمه واسماً معيناً من لائحة أخرى كـ«علامة» على أن هؤلاء صوّتوا له فعلاً!
هذه الاجتهادات، على مسافة قريبة من الانتخابات، تنذر باحتمالات إشكالات كثيرة اثناء عمليات الفرز قد تؤخر إصدار النتائج، وتفتح باب الطعون فيها. لذلك، ينصح قانونيون بأن تبادر وزارة الداخلية والبلديات، في الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات، إلى إصدار كتيّب يحاول الاحاطة بما سها القانون عن ذكره، ويستخدم دليلاً في الفرز.
في حال وفاة مرشح المنية على إحدى اللوائح تُحرم اللائحة كلها من خوض الانتخابات


بالعودة الى المثال أعلاه، فقد أشارت المادة 98 من القانون الى أربع حالات حول الاقتراع للائحة والصوت التفضيلي: الاقتراع من دون الصوت التفضيلي ويُحتسب للائحة؛ الاقتراع بأكثر من صوت تفضيلي ضمن اللائحة ويُحتسب للائحة وحدها فقط من دون احتساب التفضيلي؛ التصويت للائحة وإعطاء الصوت التفضيلي لمرشح على لائحة أخرى فيُحتسب الصوت للائحة ويُهمل الصوت التفضيلي؛ وفي حال إعطاء صوت تفضيلي لمرشح فقط من دون اللائحة يُحتسب التصويت للائحة والمرشح معاً. غير أن هذه المادة لم تُحط بكل الحالات الممكنة للاقتراع، كما في التصويت للائحة وإعطاء صوتين تفضيليين لمرشح منها ولآخر من لائحة ثانية، أو، مثلاً، في حال اقترع الناخب بصوتين تفضيليين أو حتى أكثر ضمن لائحة واحدة من دون أن يمنح صوتاً للائحة.
هذه واحدة من هنّات قانون الانتخابات الذي «سُلق» في ليل، في 14 حزيران 2017، إذ تضمّن «مواد حشو» من باب لزوم ما لا يلزم، فيما لم يلحظ، في المقابل، حالات عدة قد تجعل من نتائج الانتخابات عرضة للطعن.
في الحالة الأولى، تشير المادة 50 من القانون، تحت عنوان «الرجوع عن الترشح» الى أنه «لا يجوز للمرشح أن يرجع عن ترشيحه الا بموجب تصريح قانوني مصدّق لدى الكاتب العدل يودع لدى الوزارة قبل خمسة وأربعين يوماً على الأقل. في حال إعلان المرشح انسحابه بعد المدة المذكورة أعلاه، لا يُعتّد بالانسحاب في ما يتعلق بالعملية الانتخابية». علماً أن لا مترتبات لهذا الانسحاب على المرشح نفسه (كونه لن يستعيد رسم الترشيح)، ولا على العملية الانتخابية كون ترشيحه يعتبر لاغياً ما لم ينضم الى لائحة.
وإذا كانت المادة 50 تندرج في باب «لزوم ما لا يلزم»، إلا أن هناك حالات أغفلها المشترع تشكّل مأزقاً دستورياً في حال حدوثها. على سبيل المثال، تشير المادة 53 إلى أنه «في حالة وفاة أحد المرشحين بعد تسجيل اللوائح، يحق للائحة ترشيح مكان المتوفي حتى عشرة أيام من موعد الانتخابات وتسقط مهل الترشيح حصراً في هذه الحالة». إلا أن القانون لم يتطرق الى الحالات التي قد تحدث فيها الوفاة قبل أقل من عشرة أيام مثلاً. صحيح أن النظام النسبي يقلّل من شأن مثل هذه الحالات في الدوائر الكبرى التي تتضمّن عدداً كبيراً من المقاعد، إلا أنه يمثّل مشكلة حقيقية في الدوائر المؤلفة من عدد من الدوائر الصغرى. إذ تشترط المادة 52 على كل لائحة ان «تتضمّن مقعداً واحداً على الأقل من كل دائرة صغرى في الدوائر المؤلفة من أكثر من دائرة صغرى». مثالاً على ذلك، دائرة الشمال الثانية المؤلفة من ثلاث دوائر صغرى هي: طرابلس (8 مقاعد) والضنية (مقعدان) والمنية (مقعد واحد). ففي حال وفاة مرشح المنية على إحدى اللوائح ينتفي شرط تمثيل كل الدوائر الصغرى في هذه اللائحة ما يطيح بحظوظ كل مرشحيها ويمنعها من خوض الانتخابات.
في مثال آخر، لم يتطرق القانون الى مصير المقاعد في حال لم تسمّ اللوائح الفائزة مرشحين عنها. في دائرة بيروت الثانية، مثلاً، لم يرشّح ثنائي حزب الله ـــ حركة أمل على اللائحة المدعومة منهما مرشحَين عن المقعدين الدرزي والأرثوذكسي. في حال فوز هذه اللائحة بأربعة مقاعد، وأثناء عملية استيفاء المقاعد، وعلى افتراض أن اللائحة المقابلة استوفت كل المقاعد السنية والمسيحية، عندها لن يبقى أمام لائحة الثنائي سوى المقعدين الشيعيين والمقعدين الدرزي والأرثوذكسي. المادة 62 تنص بوضوح على مسؤولية اللائحة لأنها لم ترشّح أحداً لهذين المقعدين، ويحوّل المقعدان الى صاحب أعلى الأصوات التفضيلية في اللوائح الأخرى. ولكن ماذا، على سبيل المثال، لو أن لائحتي «الثنائي» وتيار المستقبل لم تسمّيا مرشحين عن هذين المقعدين وفازتا وحدهما بالحاصل الانتخابي؟ من يحتل هذين المقعدين؟ وهل تُجرى انتخابات فرعية لهما؟ ليس في القانون إجابة على ذلك.