لاهاي | كانت أبرز حجج إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري وآخرين عام 2007 غياب كفاءة المحاكم اللبنانية ونزاهتها. لكن بعد مرور تسع سنوات على انطلاق عملها، لم تقوَ المحكمة الدولية على توقيف المتهمين، ولا على محاكمتهم غيابياً بطريقة عادلة ومتوازنة، ولا على إصدار أي قرار اتهامي في القضايا المرتبطة بجريمة اغتيال الحريري، وسط خلافات حادة بين قضاتها وتوتر في مكتب المدعي العام. من بين فرق الدفاع الأربعة المكلفين من المحكمة الخاصة بلبنان الدفاع عن حقوق المتهمين باغتيال الحريري وعن مصالحهم، وحده المحامي الفرنسي فنسان كورسيل لابروس طلب شاهدين لدحض ما ورد في قرار اتهام أربعة مناصرين لحزب الله. اللواء الركن جميل السيد، الذي كان المدير العام للأمن العام يوم وقوع الجريمة في 14 شباط 2005 هو أحد الشاهدين. لكن بما أنه مرشح للانتخابات النيابية، طلب المحامي كورسيل لابروس من المحكمة تأجيل موعد تقديم إفادته حتى شهر حزيران المقبل.
المفارقة، أن غرفة الدرجة الأولى تجاهلت هذا الطلب، وقررت المضي في الإجراءات الختامية التي تسبق صدور الحكم. استغرب المحامي كورسيل ذلك، وعدّه انحيازاً واضحاً إلى فريق الادعاء الذي منحته المحكمة نحو أربع سنوات لتقديم عشرات الشهود، بينما لم يمنح الدفاع أسابيع قليلة لتقديم شاهدين. وطلب كورسيل لابروس تنحي القضاة الثلاثة: رئيس الغرفة الأوسترالي دافد راي، والجمايكية جانيت نوسورثي، واللبنانية ميشلين بريدي. فقررت رئيسة المحكمة تشكيل هيئة قضائية للنظر بطلب التنحي يترأسها القاضي دانيال نسيريكو وتتألف من القاضيين وليد عاكوم ونيكولا ليتييري.
توتر في مكتب الادعاء بسبب رفض فرانسين تصديق قرار اتهامي جديد


لكن يبدو أن ذلك أثار خلافات بين القضاة أنفسهم، إذ إن القاضي راي اعترض على تعيين القاضيين عاكوم وليتييري في الهيئة. وتوسع الخلاف عندما رفضت القاضية اللبنانية ميشلين بريدي تأييد اعتراض القاضي راي. على أي حال طلبت، أمس، رئيسة المحكمة من راي ونوسورثي شرح موقفهما بشأن طلب تغيير أعضاء هيئة القضاة التي شكلتها للنظر في الموضوع.
محامو فريق الدفاع عن حقوق المتهم حسين عنيسي كانوا قد تقدموا اصلاً بطلب الغاء القرار الاتهامي ومذكرات التوقيف بسبب عدم استنادهما الى ادلة قانونية واعتبروا انه «لا توجد قضية قضائية بحق السيد عنيسي». لكن غرفة الدرجة الاولى برئاسة القاضي راي رفضت طلب المحامين كما رفضت منحهم الترخيص بالاعتراض على قرار هذه الغرفة أمام غرفة الاستئناف.
هذا الوضع المتأزم والخلافات المستجدة بين قضاة المحكمة أضيف اليهما توتر شديد يسود مكتب المدعي العام بسبب رفض قاضي الاجراءات التمهيدية دنيال فرانسين تصديق قرار اتهامي جديد في قضايا اغتيال جورج حاوي ومروان حمادة والياس المرّ، لعدم اكتمال العناصر القانونية فيه، وهو ما دفع الادعاء إلى سحبه بالكامل من التداول. المدعي العام نورمان فاريل عبّر لزملائه عن استيائه الشديد من القاضي دنيال فرانسين، مشيراً إلى أن قراره يعطل المسار ويبطئ عمل المحكمة.
رئيسة المحكمة الدولية زارت بيروت أخيراً واجتمعت بوزير العدل سليم جريصاتي ومدير عام قوى الامن الداخلي اللواء عماد عثمان «في زيارة تهدف إلى تعزيز سبل التعاون والتنسيق».
لا بد من الإشارة أخيراً إلى أن لبنان يسدد 49 في المئة من كلفة تشغيل هذه المحكمة، الذي بلغ حتى الآن أكثر من نصف مليار دولار، والحبل على الجرار، خصوصاً بعد تمديد عملها لثلاث سنوات إضافية في آذار الفائت.