لم يكن آل الحريري، يتخيلون في أحلك الظروف، أنّ صديق رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري، توفيق سلطان سيقف على منبر تيار العزم في طرابلس، ليُهاجم «ابن الشهيد» سعد الحريري. يوم الثلاثاء، توجّه سلطان إلى رئيس الحكومة من دون أن يُسمّيه، قائلاً: «لقد أعلنوا من دارة الرئيس تمام سلام أنّ قرار بيروت مُقدّس... وأنا أؤيدهم في ذلك، بشرط أن يُطبّق ذلك على طرابلس. ولن ندع أحداً يُصادر قرارنا، بل سننتزع حقنا بيدنا». كلمة سلطان المرتجلة، أتت خلال احتفال «لائحة العزم»، في المكان ذاته حيث أُعلنت منه لائحة التوافق الطرابلسي خلال انتخابات الـ2009. هذه المرّة، حلّت المعركة بدل الوفاق. معركة الحريري، الذي يعدّ الفيحاء واسطة عقد تثبيت زعامته للطائفة السنّية. في حين أنّ ميقاتي يريد الخروج من انتخابات دائرة الشمال الثانية، بكتلةٍ متنوعة، يُكرّس من خلالها زعامته الطرابلسية أولاً، ويضع قدميه بثبات أكبر في نادي رؤساء الحكومات ثانياً. تقول مصادر مُقربة من ميقاتي إنّ «المنافسة هي على عدد المقاعد في الشمال 2، وليس على هويتها الطائفيّة». بمعنى أنّ الأساسي هو ضمان الفوز بأربعة مقاعد، حتى ولو كان ميقاتي الوحيد الفائز من طائفته. هذه النقطة موضع توافق بين أعضاء اللائحة الميقاتية.
لم يكن توفيق سلطان صاحب «الامتياز» الوحيد في الهجوم سياسياً على الحريري. على الطريق نفسه، سار محمد نديم جسر ونقولا النحاس. المُحرّك الأساسي للكلمات كان «التصدّي لمصادرة قرار طرابلس». هو ردّ «الميقاتيين» على جولة الحريري إلى الشمال، الأسبوع الماضي. كذلك فإنّه رسالة إلى أنصار «العزم» من أجل «شدّ العصب، بعد كلّ الخطابات الهجومية ضدّنا في الأسابيع الماضية».
يُحاول خصوم ميقاتي التقليل من أهمية مهرجانه، لأنه «لم يشدّ العصب الطرابلسي»


في الشكل، يرى «العزم» أنّه «جرى تعطيل مفاعيل زيارة الحريري». فمن وجهة نظرهم، «هذا الاحتفال لم يُشهد له مثيلٌ خلال الحملات الانتخابية». أما في المضمون، فكان خطاب نجيب ميقاتي «سياسياً له علاقة أولاً، بدور ووظيفة مؤسسة مجلس الوزراء. وثانياً، دور الحفاظ على مقام رئاسة الحكومة، ومنع المناصرين من التعرّض لرئيسها. وثالثاً، استقلالية القرار الطرابلسي من ضمن القرار الوطني».
يوم أمس، وصلت إلى هواتف مناصري تيار العزم، رسالة صوتية. المُرسل هو ميقاتي. قال لهم إنّ مهرجان إعلان «لائحة العزم» يوم الثلاثاء «أمرٌ أساسي وجيّد». ولكن، «لا يجوز أن نكتفي بهذا النجاح، ولا أن نطمئن إلى وضعنا». حثّ أنصاره على «تحفيز العمل». وواجبٌ على الماكينة الانتخابية لـ«العزم» أن «تُجيّش كل طاقتها، ولا تنام على حرير. فالمهرجان، هو محطّة نجاح، وليس كلّ النجاح. وصندوق الاقتراع، هو المُعَوّل عليه».
وجد ميقاتي أنّ هذه الرسالة ضرورية، حتّى لا «يَسكَر» رجاله بالـ10 آلاف كرسي، التي وُضعت خلال الاحتفال، «والـ4 آلاف شخص الذين لم يتمكنوا من الدخول إلى المكان. فضلاً، عن الأشخاص الذين تعذّر عليهم الوصول بسبب الزحمة»، وفق مصادر ماكينة «العزم». في حين أنّ الماكينات المواجهة لتيار العزم ترى أنّه «كان هناك 6 آلاف شخص، و4 آلاف ما دون سنّ الاقتراع، إضافةً إلى دفع أموال للسيارات». ردّ «العزم» بأنّه لم يُدفَع سوى قسائم محروقات «بقيمة 25 ألف ليرة للسيارة الواحدة، وهو أمر طبيعي وواضح وليس مُخفىً». وكان قد انتشر في طرابلس أمس فيديو لشخصين يزعمان أنّهما مناصران لتيار المستقبل، ولكن قبضا الأموال للمشاركة في احتفال «العزم». تقول مصادر الأخير إنّ «الفيديو مُركّب من قبل مرافقي أحد النواب في عكار، غير المُرشحين حالياً».
يُحاول خصوم ميقاتي التقليل من أهمية مهرجانه، مُتحججين بأنّه «لم يشدّ بخطابه العصب الطرابلسي، ولم يُبادر إلى الهجوم. وكلّ هذه الاحتفالات ينتهي وقعها في اليوم التالي». على الأرجح، انتهى «زمن الاحتفالات الانتخابية» وبدأ العد العكسي لاختبار قدرات كل المتنافسين على الساحة ـــ الدائرة التي تضم ثمانية مقاعد سُنية، أي ثلث مقاعد النواب السُّنة في لبنان.