حصد حزب الله في الانتخابات النيابية ما زرع قبلها. لم تأتِ النتائج مخالفة لحساباته إلا في دائرة كسروان ــــ جبيل، وللتقويم هنا حساباته، ربطاً بعوامل ذاتية وأخرى موضوعية. أتت الانتخابات في خضمّ لحظة يتعرّض فيها الحزب لحملات تشكيك وتشويه سمعة، من الداخل والخارج، فضلاً عن شريط من العقوبات الأميركية التي تستهدف بيئة الحزب الحاضنة بالدرجة الأولى .لحزب الله قراءته لنتائج الانتخابات النيابية. قراءة لا تقف عند عتبة ما أفرزته الصناديق، بل تتعداها إلى المرحلة المقبلة من التحالفات السياسية وتشكيل الحكومة وتوازنات السلطة.
بعيداً عن مقعد جبيل ـــــ كسروان والتباساته المعروفة، حصد حزب الله وحركة أمل 27 مقعداً شيعياً من أصل 27 مقعداً، وهذا أمر لم يتيسّر لأيّ مكون آخر، حتى إن مصطفى الحسيني الفائز عن المقعد الشيعي في جبيل (محل مرشح حزب الله الشيخ حسين زعيتر) يوضع في مرتبة «الحليف» و«الصديق»، وثمة اطمئنان حزبي إليه.
بطبيعة الحال، توقف حزب الله عند خسارته المقعد الشيعي الحزبي في جبيل، وتوقف أكثر عند تدني نسبة التصويت في بعض مناطق جبيل وكسروان، برغم احتدام التنافس الماروني الماروني فيها، وفي بيروت الثانية «برغم كل خطاب التحريض الطائفي والسياسي». بناءً عليه، «لم يعد بمقدور الرئيس سعد الحريري القول إنه يحتكر التمثيل السني. صار لزاماً عليه أن يعترف في العاصمة بوجود فؤاد المخزومي وجمعية المشاريع الخيرية الإسلامية (الأحباش)، مثلما عليه أن يعترف بحيثية كل من نجيب ميقاتي في طرابلس وجهاد الصمد في الضنية وفيصل كرامي في طرابلس أيضاً وعبد الرحيم مراد في البقاع الغربي وأسامة سعد في صيدا». كذلك الأمر بالنسبة إلى رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل. يوجد في مواجهته كلّ من القوات اللبنانية وتيار المردة والحزب القومي وحزب الكتائب وميشال المر وعدد من المستقلين. لذا، يمكن القول «إننا انتصرنا في ساحتنا وغيرنا لم ينتصر في ساحته».
يقود الحديث عن «انتصار» الحاضنة الشعبية للحزب إلى سرد بعض الأرقام، «ففي الوقت الذي فاز فيه بعض النواب بنتيجة 20 أو 200 أو 500 صوت تفضيلي، نال محمد رعد 43 ألف صوت تفضيلي في النبطية، وحسن فضل الله 40 ألف صوت تفضيلي في بنت جبيل، وجميل السيد 31 ألف صوت تفضيلي في البقاع الشمالي، وأمين شري 21 ألف صوت في بيروت الثانية».

تحالفات ما بعد الانتخابات
بالأرقام حصد حزب الله وحلفاؤه ما يزيد على 43 مقعداً، أي ما يزيد على ثلث النواب الـ 128، ما يعني استحالة اتخاذ أي قرار في مجلس النواب يحتاج إلى الثلثين من دون موافقة هذا التكتل. هو الثلث المعطل أو كما يسميه حزب الله «الثلث الضامن»، وهو ثلث قابل للارتفاع مع تحرك بعض الكتل أو اقترابها في بعض العناوين مع حزب الله. في المقابل، قد نكون أمام «انقسام بين التحالفات الموالية للعهد وتلك المعارضة له»، أي بين التيار الوطني الحر (تكتل لبنان القوي) ومعه سعد الحريري في حال رسوّ التسوية عليه رئيساً للحكومة، وبين المعارضين للعهد وهم كثر بطبيعة الحال، ولديهم امتدادات في معظم البيئات السياسية والطائفية (نبيه بري ووليد جنبلاط وسليمان فرنجية ونجيب ميقاتي وفريد هيكل الخازن الخ). هنا، تتبدى مشكلة من نوع آخر. لم يكتف جبران باسيل بافتعال اشتباك سياسي ــــ انتخابي مع حزب الله وأمل في أكثر من ساحة، وخصوصاً جبيل والجنوب الثالثة والبقاع الشمالي، بل قرر أن يفتح معارك مع الآخرين، وخصوصاً القوات اللبنانية وتيار المردة وحزب الكتائب وعدد من المسيحيين المستقلين. وإذا صحّ حديثه عن لوائح للعهد، يعني ذلك حكماً أن اللوائح المواجهة ستكون معارضة للعهد، وستكون مروحتها واسعة، وإن لم يكن حزب الله من ضمنها، ولكنها ستشمل مروحة كبيرة فيها الرئيس نبيه بري والمردة والكتائب والياس المر والحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية. لكل طرف أسبابه كي يعارض، «لكن المشترك بينهم أن باسيل لم يترك للصلح مطرحاً خلال الانتخابات، لا مع الاشتراكي، ولا مع أمل، وعملياً ألغى تفاهم معراب مع القوات، وحاول إطاحة سليمان فرنجية».
حزب الله حريص على الإسراع في تشكيل الحكومة وأن تضم أوسع تمثيل سياسي ممكن


خاض باسيل كل معركته، بما فيها مواجهة حزب الله، بهدف الحصول على أكبر عدد من النواب المسيحيين ليكونوا معه في التكتل، ورغم ذلك لم يستطع حصد إلا أقل من نصف المقاعد المسيحية. حاول أن يطيح خصمه الرئاسي سليمان فرنجية، على قاعدة أن حزب الله لن يقبل يوماً ما بسمير جعجع رئيساً للجمهورية، وخاض معركة إضعاف القوات ليبقى وحيداً في ساحة المعركة الرئاسية، غير أن حسابات الصناديق لم تتطابق مع حساباته، فخرجت القوات قوية من الانتخابات النيابية (16 مقعداً)، وفاز سليمان فرنجية ومعه حلفاؤه، ومع احتمال انضمام الأخير إلى تكتل شمالي برئاسة نجيب ميقاتي، وتكتل أوسع مع بري على المستوى الوطني، فهو يعزّز من فرصه للحصول على موقع رئاسة الجمهورية.

حكومة العهد الأولى
لم يتخذ حزب الله قراره بعد في ما يتعلق برئاسة الحكومة المقبلة. الأمر رهن «استشارات سياسية قبل الاستشارات النيابية الملزمة التي يجريها رئيس الجمهورية. وسنبحث مع الحريري آفاق التسوية في البلد ومصلحته والخيارات السياسية المقبلة ومضمون البيان الوزاري، وهذه كلها يجب الاتفاق عليها من أجل صياغة سلة كاملة متكاملة قبل تسمية الرئيس الجديد». في اعتقاد الحزبيين «هناك متسع من الوقت إلى حين انتهاء مدة ولاية المجلس الحالي، ولو أنهم يتوقعون أن نكون أمام ثلاث معضلات تواجه تركيبة الحكومة القادمة، أُولاها وزارة المال التي يجب أن تكون حكماً للطائفة الشيعية، وهي كانت كذلك منذ فترة ما بعد الطائف، ثانيتها، التمثيل الماروني من خارج التيار الوطني الحر، وثالثتها، التمثيل السُّني من خارج تيار المستقبل، وهذا يعني أن تشكيل الحكومة لن يكون نزهة عابرة».
ينظر حزب الله بإيجابية إلى تعامل سعد الحريري بواقعية سياسية مع معطيات الوضع الداخلي، بدءاً بالتسوية الرئاسية وتشكيل حكومة الانتخابات وظروف ما بعد احتجازه، ومن ثم فك أسره، وصولاً إلى الانتخابات ونتائجها. «كان خطابه منفتحاً، لكن يجب الأخذ بالاعتبار تعقيدات تشكيل الحكومة المقبلة. إذا كان يظن أنه سيحصل على التمثيل السُّني كاملاً في الحكومة القادمة، فهذا يعني أنه يحاول إقصاء النواب السُّنة الآخرين ممن حصلوا على تمثيل وازن في البرلمان الجديد».
بناءً عليه، يبدي الحزب حرصه على الإسراع في تشكيل الحكومة الجديدة، وأن تضم أوسع تمثيل سياسي ممكن، «لكن لدينا هواجس نتيجة وجود حجم مطالب كبيرة، وهناك معارضة برلمانية تتسع مساحتها. ولعل الخطأ الكبير حين قبلوا تسمية بعض اللوائح الفائزة بأنها لوائح العهد، ما يجعل كل اللوائح المقابلة ضد العهد».
حين بلغ الخطاب الطائفي مستويات غير مقبولة، وبعد أن كدنا نفشل في الاتفاق في أي دائرة انتخابية في لبنان، أرسل حزب الله رسالة إلى رئيس الجمهورية ضمّنها شرحاً لكل ملابسات المفاوضات مع جبران باسيل، وكان جواب سيد العهد إلى السيد حسن نصر الله «أن دعوا الأمور تسير حتى نقطع مرحلة الانتخابات، وسوف نعود بعدها إلى ما كنا عليه قبل الانتخابات، وسوف يبقى تحالفنا السياسي ثابتاً ومتيناً وراسخاً». وانطلاقاً من هذه الواقعة، يبدي حزب الله حرصه «على إعادة تثبيت التفاهم مع رئيس الجمهورية، وبالتالي مع التيار الوطني الحر، وعلى نزع الفتائل الداخلية التي حصلت خلال الانتخابات بين حلفائنا أنفسهم، مثلما حصل في الشمال بين التيار الحر والمردة وبين جهاد الصمد وكمال الخير، وفي الشوف بين وئام وهاب وطلال أرسلان، وبين التيار وحركة أمل. سنحاول نزع الألغام، ونحن مصرون على توفير مناخ آمن ومستقر في لبنان».