بالرغم من الفرصة الجدية التي سنحت لقوى الثامن من آذار، أو الأصح للقوى والأحزاب المعارضة في عكار، لإثبات وجودها وتحقيق أكبر عدد من المقاعد النيابية، إلا أنها رفضت طوعاً إنهاء سيطرة التيار الأزرق على غالبية المقاعد في المحافظة.ولولا تمكن لائحة التيار الوطني الحر، بالتحالف مع الجماعة الإسلامية والنائب السابق محمد يحيى من تحقيق خرق بمقدين من أصل سبعة، لكانت عكار قُدّمت على طبق من ذهب لتيار المستقبل.
احتلت صورة النائب المنتخب (على لائحة المستقبل) وليد البعريني، وهو يقبّل يد والده وجيه (رئيس لائحة قوى 8 آذار) اهتماماً ومتابعة لافتة في اليومين الماضيين. فالنائب الذي خرج عن ثوب أبيه تمكن من تشتيت البيت الداخلي وألحق خسارة موجعة بوالده، لكنه ما لبث بعد إعلان النتائج أن دخل منزل والده وتناول معه العشاء وكأن شيئاً لم يكن، الأمر الذي أثار سلسلة تساؤلات في محاولة لفهم ما يجري.
أيعقل أن يكون ما جرى لعب أدوار؟
توضح مصادر مقربة من العائلة «أن وليد البعريني رغب في رؤية والده، وبالفعل قصد منزل العائلة من دون علم أحد، صافح والده وقبّل يده، فما كان من البعريني الأب إلا أن قبل توبته وباركه»!
هي ليست مصالحة، يقول البعريني الأب، «بل لقاء بين الأب وابنه، وهذا لا يلغي الخلاف السياسي بيننا، لكن ابني سعيد بالنتيجة التي حققها ورغب في رؤيتي، فنحن بالنهاية عائلة واحدة».
لم تستفد القوى المعارِضة في عكار من كل الإمكانات المتاحة لها للإعداد لمعركة انتخابية واضحة الأهداف والمعالم في ظل القانون النسبي، وبدا واضحاً أنها بدل أن تعمل على تفعيل زخمها الشعبي انهمكت بالخلافات الداخلية، ما دفع بها الى عقد تحالفات هجينة مع قوى وفاعليات في تيار المستقبل. كيف يمكن تقديم تبرير واضح حول كيفية تحالف وجيه البعريني، والحزب السوري القومي الاجتماعي وتيار المردة مع اللواء عدنان مرعب والذي شغل منصب الأمين العام لمجلس الدفاع الأعلى، والمنسق العام السابق لتيار المستقبل حسين المصري؟ وكيف يمكن إقناع عائلة مرعب وعائلة المصري (من أكبر العائلات في ببنين) بالتخلي عن التيار الأزرق والمضي مع المرشح المصري الذي تميز خطابه طوال فترة الإعداد للحملة بالهجوم على المستقبل والرئيس الحريري؟ المصري لم يحصل سوى على 644 صوتاً، وعدنان مرعب على 551 صوتاً. أما وجيه البعريني، الذي كانت قوته، قبل انشقاق ابنه عنه، تُقدَّر بأكثر من 8 آلاف صوت، فلم يحصل سوى على 665 صوتاً. (عام 2009، كان يرأس لائحة تضم مختلف قوى 8 آذار والتيار الوطني الحر، فحصل على 42 ألف صوت). فهو قرر طوعاً الاعتكاف عن خوض الاستحقاق الانتخابي قبل ثلاثة أيام من المعركة! وتتهمه بعض شخصيات فريق 8 آذار بأنه عمل لمصلحة ابنه وليد الذي حصل على نحو 20 ألف صوت تفضيلي، فيما كان تيار المستقبل يقدّر قوته بنحو 12 ألفاً! ويتهمه بعض حلفائه بأنه طالب بتأمين مبالغ مالية طائلة له قبل الانتخابات، ولما لم يُستجب له، قرر الانكفاء وترك باقي أعضاء لائحته «يدبّرون أمورهم». أما البعريني، فيقول لـ«الأخبار» إن انكفاءه قبل أيام من موعد الانتخابات أتى «احتجاجاً على تعامل فريقنا السياسي الذي لم يعر المعركة الانتخابية في عكار أي أهمية». لا يرغب البعريني الدخول في التفاصيل، بالرغم من علمه بالاتهامات التي يسوقها ضده بعض حلفائه، مؤكداً «أن الأيام ستكشف كل شيء. وخلافنا هو مع أحد الأشخاص وليس مع الحزب السوري القومي الاجتماعي كما يروج البعض».
حصل وجيه البعريني على 665 صوتاً في مقابل 42 ألفاً عام 2009


عجزت القوى المعارضة التي توحدت تحت شعار لقاء الأحزاب، وعقدت اجتماعات دورية في منزل البعريني، منذ عام 2005 عن رسم خريطة طريق للتحضير للانتخابات، وبالتالي تمتين قاعدتها الشعبية. فبدت الصراعات سيدة الموقف. صراع الأب والابن أضيف إلى تحالفات هجينة لم تأخذ بعين الاعتبار ارتداداتها على الشارع.
لم يكن ممكناً التحالف بين تيار المردة والتيار الوطني الحر في عكار، فمضى الوطني الحر في لائحة منفردة بعدما اختار التحالف مع الجماعة الإسلامية، ومضى «المردة» بحلفه مع البعريني الأب والقومي. وبدا لافتاً ضياع الناخب المقيم في سوريا والذي لم يلتزم بـ«التعليمة السورية» فتشتت أصواته، بدل أن تنصبّ بكاملها للمرشح العلوي على لائحة البعريني حسن السلوم والذي حصل على 4245 صوتاً. وكان لافتاً الرقم الذي سجّله مرشح القومي، إميل عبود (4915 صوتاً)، وهو الذي يخوض المعركة للمرة الأولى، فيما سجّل النائب كريم الراسي 2590 صوتاً فقط.
ما سبق ساهم في شرذمة الأصوات وكانت النتيجة كارثية، إذ لم تتمكن اللائحة من تأمين الحاصل الانتخابي فسجلت 14449 صوتاً، من أصل 19563 صوتاً.