لم يكتف رئيس التفتيش المركزي جورج عطيّة بالمساعدة التي حصل عليها من رئيس الحكومة سعد الحريري لنيل صلاحية لم يمنحها له القانون، بل تمدّد نحو لجنة الإدارة والعدل حيث حصل على مساهمة «خاصة» من رئيسها السابق روبير غانم، لتوسيع صلاحيات رئيس التفتيش خلافاً لما اتفق عليه بين أعضاء اللجنة. هذا الأمر انكشف بالتوازي مع محاولات عطية السيطرة على إدارة المناقصات بوصفها تتبع له وظيفياً لا إدارياً. تبيّن أنه كان يركّز على توسيع صلاحياته عبر مسارين؛ بالممارسة، وبـ «دسّ» تعديلات على اقتراحات القوانين المتعلقة بتعديل أنظمة الأجهزة الرقابية وبينها التفتيش المركزي.في 6/7/2017، أصدر الحريري تعميماً رقمه 17 يؤدي إلى حصر مخاطبة التفتيش برئيسه، ويمنح هذا الأخير صلاحية تحويل الملفات الآتية من الإدارات. شكّل هذا التعميم نقطة تحوّل في علاقة الإدارات العامة بالتفتيش المركزي. بات لزاماً على كل شكوى أو إحالة آتية إلى التفتيش أن تمرّ حكماً برئيس التفتيش. يربط بعض موظفي التفتيش بين هذا الأمر وبين عملية نقل جماعية للملفات من مكتب رئيس التفتيش إلى سيارته. هم اعتادوا أن يحمل بعض المفتشين ملفاتهم إلى منازلهم لاستكمال العمل عليها، لكن كان غريباً عليهم أن تكون هناك عملية نقل بالجملة للملفات.
سلوك عطية غير المألوف خلق نقاشاً كان متداولاً بالهمس، عن رغبته الإمساك بكل مفاصل هذه المؤسسة. فلماذا تذهب الشكاوى إليه مباشرة وهل أحيلت كلّها لإجراء المقتضى القانوني، أي التحقيق فيها؟
في الواقع، تجزم مصادر مطلعة، أن هناك الكثير من الملفات التي وصلت حصراً إلى عطية ولم يبت بها. أكثر من ذلك، يتردّد أن هناك شكاوى «اختفت» وكأنها لم تكن، ما يترك انطباعاً بأن أعمال التفتيش بكل أشكالها المتاحة، من إغفال الملفات إلى تحقيقات قاسية أو تحقيقات هادئة، ستكون محصورة برغبات الطرف السياسي الذي يحسب عليه جورج عطيّة.
وجاء هذا الأمر ليسلّط الضوء على أهم مخالفة تسجّل على رئيس التفتيش. فالمادة الثالثة من المرسوم رقم 2460 تفرض عليه أن يدعو هيئة التفتيش إلى الاجتماع «مرتين على الأقل في الشهر وكلما دعت الحاجة إلى ذلك». لا يسع عطية التذرّع بعدم اكتمال هيئة التفتيش بعد تعيين الركن الأخير فيها منذ ثلاثة أشهر، أي المفتش العام المالي وائل خدّاج. على رغم ذلك، لم تجتمع الهيئة سوى مرتين، واحدة منهما تتعلق بحلف اليمين والثانية لم تتطرق إلى أي من الملفات التي تحتاج للبتّ بها.
نقل ملفات في التفتيش من المكاتب إلى سيارة الرئيس


بالاستناد إلى ذلك، أظهر نقل الملفات بالجملة إلى منزل عطية، أن رئيس التفتيش يتوسع في ممارسة صلاحياته. وبالممارسة أيضاً، تبيّن أنه كان يعمل على توسيع هذه الصلاحيات بغطاء سياسي أيضاً. فقد اختار تعيين ثلاثة مفتشين عامين اتخذت بحقهم عقوبات مسلكية. على سبيل المثال، المفتش نضال الراعي نال عقوبة ثم طعن بها في مجلس شورى الدولة وخسرها. فادي هيدموس، اليد اليمنى لعطية، نال بدوره عقوبة. وتبيّن أيضاً وجود طعون بتعيين ثلاثة مفتشين عامين، أبرزها الطعن المقدّم من المفتش ربيع تيماني الذي يرى أن من حقّه الارتقاء إلى منصب المفتش العام المالي بدلاً من المعيّن حديثاً وائل خدّاج الآتي من وزارة المال. كذلك، قدّم مصطفى بيرم طعناً بتعيين جلال سليمان، وهناك طعون أخرى تتعلق بتعيين الراعي وتعيين المفتش العام (الأرمني).
عند هذه النقطة، يستعيد المطلعون ما حصل في لجنة الإدارة والعدل أثناء مناقشة التعديلات على قوانين إنشاء الأجهزة الرقابية ومن بينها التفتيش المركزي والهيئة العليا للتأديب. يومها، طالب عطية، إلى جانب اعتباره أنه يرأس إدارة المناقصات، بأن تكون هناك تعديلات على هيئة التفتيش بحيث لا يكون هناك مفتشون عامون من ذوي الحقائب كما تنصّ المادة الثالثة من مرسوم إنشاء التفتيش المركزي التي تنصّ على أنه يرأس الهيئة المؤلفة من المفتش العام المالي والمفتش العام التربوي. وأن هذه الهيئة تناقش جدول أعمال يضعه الرئيس «بعد استشارة العضوين». اقترح عطية أن تكون الهيئة مؤلفة من مفتشين عامين بلا حقائب، وأن تكون لديه وحده صلاحية وقف الموظفين عن العمل لمدة 5 أشهر، وأن تكون لديه صلاحية إعادة النظر بقرارات الهيئة العليا للتأديب عبر مفوض الحكومة فيها بلا أية مهلة زمنية.
هذا بعض ما اقترحه عطية في جلسات لجنة الإدارة والعدل، إلا أنه لم يتفق على منحه هذه الصلاحيات، بل اتفق على توسيع صلاحياته بحيث يبقى التفتيش المركزي عبارة عن محكمة لا يتفرّد بقراراتها أحد. لكن رئيس لجنة الإدارة السابق روبير غانم، الذي كان يسعى لمسايرة العونيين انتخابياً، قبل السادس من أيار، طلب من عطية ومن رئيس الدائرة الإدارية في مجلس الخدمة المدنية صياغة التعديلات التي اتفق عليها. التعديلات التي صاغها رجلا التيار الوطني الحرّ، تبيّن أنها جاءت لمصلحة توسيع صلاحية رئيس التفتيش وهمينته على بقية الأجهزة الرقابية وتفرّده بالقرارات.
والأسوأ من ذلك، أن «مشروع» عطية يجد صداه عند بعض المرجعيات، بدليل أنها أطلقت حملة دفاع عنه هدفها الحفاظ على الصلاحيات التي يحصل عليها لا بشخصه، وإنما لمركزه. حملة من هذا النوع جوبهت أصلاً في إجتماعات لجنة الإدارة والعدل النيابية السابقة، تحت عنوان أنه «لا يمكن تطييف أو مذهبة الأجهزة الرقابية إذا كانت هناك نيّة لتفعيل عملها في الرقابة على عمل إدارات الدولة والبلديات».