انتهت الأوهام. عاد العرب الى أقدم عاداتهم. استأنفوا تاريخ الغزوات القبلية. لا شيء نفع في خلال نصف قرن من التجارب. لا القومية، ولا اليسار، ولا الحلم الناصري ولا المغامرات الوحدوية، ولا الاسلاموية المعتدلة، ولا الثورات العابرة، ولا الربيع الذي انطفأ قبل ان يزهر. عادت العروبة تستل السيوف وتسحب الخناجر من الأغماد. عاد العرب يتبادلون تقطيع الرؤوس وأساليب السبي وغنائم الحرب.
بين دول فاشلة واخرى عاجزة وثالثة خائفة، ما عادت في الشرق دولة تستحق اسم الدولة. تفككت الدول المركزية، او انها متجهة نحو التفكك. انزلقت كل القيم المجتمعية الى أتون التباغض او التناحر المذهبي. غابت الفروق بين ملكيات وامارات وجمهوريات. امّحت التباينات بين النماذج الاقتصادية. غرقت الشعوب في عدوى ثورات بلا مشاريع. صارت الثورات والانظمة او ما بقي من الانظمة تنشد ود الخارج والأجنبي ليرسخ ثورة او ينقذ نظاما.
هي نهاية احلام عربية دغدغت اجيالا في مراحل مختلفة، لا بل هي نهاية وطن عربي صار أوطانا وأقاليم وفدراليات، تمهد لصراعات مقبلة مرشحة للتفاقم عقودا طويلة.
انتصرت دول وامم وهزم العرب لان الانتصارات تحققت بدم العرب وعلى أرضهم. أي عربي يستطيع ان يدعي اليوم انتصارا طالما أن معظمهم يدرك ان مستقبل هذا الوطن بات رهنا بطبيعة التفاهم الايراني الغربي، او بمستقبل التقارب الروسي الاميركي؟ من يستطيع منهم ادعاء الانتصار طالما ان أحلام الاستقلال والسيادة والقرار المستقل انتهت الى حلم كسب رضى ودعم دول أجنبية؟ من يدعي الانتصار اذا كان المشروع الوحيد لمستقبل هذا الوطن العربي هو مكافحة الارهاب بقيادة دول اجنبية؟
تفكك العراق. دمرت سوريا. انفصل جنوب السودان. قد ينفصل ايضا جنوب اليمن. انزلقت مصر الى فخ الاقتتال الداخلي. صار فيها الفلسطيني مشتبهاً فيه حتى يثبت العكس. غرقت حركة حماس في أتون الصراعات العربية. صارت مشتبهاً فيها في معظم الدول التي احتضنتها سابقا. بات محوها عن الخريطة اسهل من السابق. غرق ايضا حزب الله. نزعات الانفصال تضرب ليبيا. كل هذه الدول والحركات والاحزاب أسهمت في الحرب على اسرائيل، او على الاقل في دعم الفلسطينيين. كاد بعضها يؤسس جدياً لتوازن الرعب مع اسرائيل. بعد اكثر من نصف قرن تبدو اسرائيل أبرز الرابحين من التفكك العربي والتباغض المذهبي وتفكك الدول.
سيقول المتفائلون إن قتال حزب الله في سوريا أقلق اسرائيل. صار قادتها يأخذون بعين الاعتبار خبرة الحزب في القتال على ارض غير أرضه. صاروا يقلقون أيضا من تقارب الخبرات القتالية بين الحزب والجيش السوري وايران. هذا صحيح، لكن الصحيح أيضا أن الفتنة المذهبية التي استشرت في جسد الوطن العربي شوهت كثيرا صورة الحزب وحلفائه.
كل ما تقدم خطير، لكن الأخطر هو انتهاء الثورات العربية الى منزلقات التقاتل والتذابح والاغتيالات والارتماء في احضان الغرب. كل ما تقدم خطير، لكن الأخطر هو فقدان المعارضات أسباب بقائها بعدما سقطت في فخ واوهام السلطات، فتنافرت وتقاتلت، وكادت تنسى لأجل ماذا قامت.
استشهدالربيع العربي قبل ان يزهر. غداً سيعود الغرب الى التحالف مع الجيوش. لا بد من جيوش قوية في سوريا ومصر والعراق وتركيا والاردن وتونس وليبيا واليمن لدرء خطر الارهاب. لم تعد الديمقراطيات والحريات أولوية.
التاريخ يعيد نفسه. قبل نحو نصف قرن نجح قادة عسكريون في الوصول الى السلطات. بعضهم وصل بدعم خارجي. بعضهم الآخر استقر بفضل هذا الدعم. الان تقاربت المصالح. حصل التلاقي بين الدول الاجنبية والجيوش العربية في ضرب الإرهاب. أثبتت المجتمعات العربية انها غير قادرة على انتاج نخب حاملة مشاريع ثورية جاذبة. بعض العرب استنبط صورة الزعيم جمال عبد الناصر بشخص الفريق عبد الفتاح السيسي. بعضهم الآخر نظر الى فلاديمير بوتين كمنقذ العصر. بعضهم الثالث عاد يقف خلف الجيش السوري لحمايته من غزوات القبائل والدواعش والمتطرفين والنصرة والارهابيين. بعضهم الرابع وجد في الممالك والامارات المفتقرة اصلا إلى الدساتير سبباً لاستقرار استمر في مقابل جمهوريات انهارت. انهارت لانها جمهوريات افتراضية اثمرت ثورات عابرة اكلت ابناءها بسرعة لافتة.
بات المستقبل معروفا تماما. ما عادت دولة عربية واحدة قادرة على الاستمرار دون دعم خارجي. سيتفنن الخارج في رسم حدود جديدة بديلة لتلك التي رسمها الفرنسي جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس، والتي عرفت باتفاقية سايكس بيكو، وقسمت جزءا اساسيا من الوطن العربي.
حتى فرنسا التي نجحت أميركا في تقليم دورها في هذا الوطن خلال العقود الماضية تعود الى احلام أداء دور كبير في الجسد المفكك. يذهب رئيسها فرانسوا هولاند الى السعودية عارضا ان يكون حليفا بديلا للاميركي. خذل الحليف الاميركي شريكه السعودي. خذله بعد اكثر من قرن من التفاهم. قرر التقارب مع ايران. لن ينجو الخليج من مستقبل هذا التقارب. لا بد من تغيير انظمة وتعديل بعض انماط الحكم. صد الخليج رياح الإخوان المسلمين فجاءته عواصف التفاهم الايراني الغربي.
انتهى الشرق الاوسط بصيغته المستندة الى سايكس ـــ بيكو. فتحت الابواب لتقسيمات جديدة ترسمها مصالح الدول والامم. ستدفع الشعوب العربية ثمن هذه المصالح. كل ما دون ذلك هو مجرد انتصارات وهمية. الجميع مهزوم حتى لو اختلفت نسب الهزيمة.
10 تعليق
التعليقات
-
كيف لنا أن نتقدمحديثك - وإن كان موضوعياً - عن الواقع الذي آل إليه الوطن العربي اليوم ، يخلو من التفاؤل ، الواقع سيء ، تيئيس وإحباط ، نعم محكومون بهذا القدر الذي نكتبه بأيدينا ، لأن ما يصيبنا من شر فهو من أنفسنا ، لكننا نريد الحياة ، وهي صعبة لكنها جديرة بأن تعاش. قال لي صاحبي وقد رآني محتداً لما يجري ، إنهم ويقصد الأعراب يريدون أن يكونوا كذلك وأن يكون ذلك ، فلماذا أنت وجل ومتعب نفسك ، يخلقون نزاعاً ويفتعلون خلافاً ، يتقاتلون فيما بينهم ، وأضاف : ألا تذكر يوم كنا صغاراً نلعب (حرب) ، أفضل لعبة تظهر مقدراتنا في العنف ، نبدأها (عرب اهجموا) وننهيها ( عرب اهربوا) ، العربي دمه حامٍ ، وواصل إلى أرنبة أنفه ، بمجرد أن يتقابل اثنان ويتواجهان لأمر ما ، يبدأ حوارهما بضرب أحدهما الآخر ، أما وإن انفضّا دون أن يحصل الصدام ، يختصرها أحدهم ليقول ليتني أخرجت الدم من أنفه أعود لأقول ، لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، كيف نغيّر ما بأنفسنا وهل نحن قادرين على الفعل ، دائما نقول أنها مؤامرة ، وأنه الخارج ، وهم فعلوا بنا هكذا ، أين فحولتنا التي ربيناها على العز ليدوم ، أم أننا أشباه رجال ، وأن ذلك كله الذي ندعيه هراء وكذب على اللحى التي ما زلنا نختلف على تركها أم تهذيبها أم حلاقتها . بعيداً عن كل ما جاء آنفاً ، وعي الذات لا بد منه ، وسبيله ليس النخبة ، إنما القدوة ، لنبحث عن الرجال القادرين وعن الطليعة المثقفة والمحصنة فنجعلهم لنا مثلاً ، علّنا نتقدم
-
كيف نتقدمحديثك - وإن كان موضوعياً - عن الواقع الذي آل إليه الوطن العربي اليوم ، يخلو من التفاؤل ، الواقع سيء ، تيئيس وإحباط ، نعم محكومون بهذا القدر الذي نكتبه بأيدينا ، لأن ما يصيبنا من شر فهو من أنفسنا ، لكننا نريد الحياة ، وهي صعبة لكنها جديرة بأن تعاش. قال لي صاحبي وقد رآني محتداً لما يجري ، إنهم ويقصد الأعراب يريدون أن يكونوا كذلك وأن يكون ذلك ، فلماذا أنت وجل ومتعب نفسك ، يخلقون نزاعاً ويفتعلون خلافاً ، يتقاتلون فيما بينهم ، وأضاف : ألا تذكر يوم كنا صغاراً نلعب (حرب) ، أفضل لعبة تظهر مقدراتنا في الرفس ، نبدأها (عرب اهجموا) وننهيها ( عرب اهربوا) ، العربي دمه حامٍ ، وواصل إلى أرنبة أنفه ، بمجرد أن يتقابل اثنان ويتواجهان لأمر ما ، يبدأ حوارهما بضرب أحدهما الآخر ، أما وإن انفضّا دون أن يحصل الصدام ، يختصرها أحدهم ليقول ليتني أخرجت الدم من أنفه ، أو كسّرت أسنانه ماذا يظن نفسه أعود لأقول ، لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ، كيف نغيّر ما بأنفسنا وهل نحن قادرين على الفعل ، دائما نقول أنها مؤامرة ، وأنه الخارج ، وهم فعلوا بنا هكذا ، أين فحولتنا التي ربيناها على العز ليدوم ، أم أن ذلك كله هراء وكذب على اللحى التي ما زلنا نختلف على تركها أم تهذيبها أم حلاقتها . بعيداً عن كل ما جاء آنفاً ، وعي الذات لا بد منه ، وسبيله ليس النخبة ، إنما القدوة ، لنبحث عن الرجال القادرين وعن الطليعة المثقفة والمحصنة فنجعلهم لنا مثلاً ، علّنا نتقدم
-
قبل فوات الاوانهل كتب علينا ان نبقى رعاع في دولنا ؟ ممنوع علينا ان نقرر , ان نفكر ( هناك في لسعودية ملصقات تقول للمواطن لا تفكر الدولة تفكر عنك ) , نزرع و نصنع الخ . كما هو حال الشعوب . ممنوع علينا ذلك , لان السودان نفسه لو زرع كما زرع ايام الدولة المستعمرة اثنائها بريطانيا ( حيث كانت تطعم كل مستعمراتها ( لاكل العالم العربي من فوقه ومن تحته من دون منة من احد . لكن ممنوع علينا ذلك (منعت مصر من زراعة القمح ) من قيل الدول التي تنتج القمح . القمح هو مثال واحد على منعنا من الزراعة, الاشياء الاخرى التي تكلمنا عنها فوق حالها حال الزراعة . شارك الحكام في العالم العربي بذلك . لقد مرت الامة بحركات كثيرة لتحرر ولكن هناك من قام بصدها وهمشهها , عند اي محاولة في الماضي كان هناك من الحكام من يتبرع بالنيابة عن الدول الكبرى . السعودية كانت وما زالت الدولة التي حاربت كل انواع التحرر , الان محاولات التحرر العربي اصبح يقودها امراء يحكمون كما تحكم القبائل في الصحراء ويقومون بغزوات على بعضهم البعض . لم نجد بلدا قام بمحاولة تحرر الان الا وانتهى به الان الى صراعات بين امراء على وزن داعش وجبهة نصرة ابتداء من تونس ( 3 سنوات مضت وما زالت بلا دستور ) الى ليبيا , مصر , وسوريا . النموذج حتما سيرتد على الدول الكبرى , الغرب ادرك ذلك وهناك من يحاول ان يتصرف بسرعة . حتى الرئيس التركي بالامس وصل الى قناعة ان سياسته يجب ان تتغير اتجاه سوريا . على الساسة في لبنان ان يدركوا ذلك ايضا لا مانع ان يستنجدوا باحد القديسين ولا النبيين .
-
.لماذا تصرخ في وجهي , تكاد تبكيني يا رجل .
-
الهزيمةان ما سردته سيد سامي يصف بموضوعية الواقع الذي وصلت اليه حالة الوطن العربي وهو واقع محزن الا ان المحبط و المحبط جداً ان لا ارى في مقالك سيد سامي بصيص امل لغد عربي افضل.....ولكن قطعا الشعب العربي سيرى اليوم الذي يرفع فيه راية الكرامة.....
-
مقال محير و كاني اقرء" لفيصلمقال محير و كاني اقرء" لفيصل القاسم " الا اذا كان في الامر قصد غير الذي هو مقصود ..هل يعقل ان ان يكون الشخص ثلثه مقاوم وثلث قومي وثلث علماني..ثم اين هي المسؤوليات لماذا لم تحدد هل الكل في الهوى سوى.. مقال كهاذا يعطي اشارات مخيفة و مقلقة...وعلي اصحاب الشان الحيطة.. تتحية اعرفات على مقولته .."ياجبل ما يهزك ريح.. مع كل الاساف..
-
بالفعل الجميع مهزوم. لكنطالما ان النصر و الهزيمة نسبية كما أشرت في آخر جملة لك. فإن محور المقاومة و سوريا تحديداً انتصرت بأن هزمت ما كان يعد و يحضر لها .... استطيع ان اعبر عن ما كتبته بان كلفة النصر تكاد تساوي تقريبا ما كان مطلوب من سوريا و المنطقة ان تدفعه في حال عدم صمود المحور و سوريا.... و بالتالي أعتقد ان التحدي الأكبر أمام هذا المحور و من خلفه شعوب المنطقة هو كيفية استثمار هذا النصر الذي اسميته انت نصرا وهميا او هزيمة نسبية... اكبر المشاكل التي تعوق هذا الإستثمار هي المذهبية و الطائفية(...) التي تغزيها جبال من الجهل و الحقد. لا سلاحا الا الوعي و المعرفة والتسامح...
-
فتش عن السببالمقال وبأسلوب لعبة الأمم عرض النتائج لكنه لم يذكر السبب دون أن ينتقص ذلك من قيمة المقال. فتش عن السبب ؟؟؟ إنه وبكل بساطة تجهيل العقل باسم الدين علما بأن الإيمان مصدره العقل. غير أن أناسا من أمثال داعش وفاحش وشقيقاتهاأنزلت الله من عليائه القدسي ليصبح داعيا(...)للحرب. وفهمكم كفاية
-
ماذا لوالعزيز الأخ سامي ماذا لو أنّ العروبة و بكلّ بساطة سراب من أوّلها إلى آخرها ؟ بدأت أقتنع أنّها حلم راود أمثالي و أمثالك و نحن قلال.
-
لا يأس بل آمال ووقائعسيدي سامي; بعد التحية ,, لم أعهد في كلامك يوماً يأساً يطٌل برأسهِ بين حنايا كلماتك الواقعية, ما أستطيع قوله لك أنه يجب أن تتذكر دائماً أن الدماء الذكية التي قدمتها جبهة المقاومة ورجال حزب الله أسست لصفحة مشرقة جديدة في تاريخ العرب المعاصر, صحيح هي الصورة عن مجتمعات مفككة قد إمتهنت التدمير الذاتي ولكنه صحيح أيضاً أن هناك رجالاً عاهدوا الله ونبيه وعاهدوا أوطانهم أنهم قرروا إعادة ورشة بناء هذه المجتمعات, إنهم يوشوشون ويفسدون الصورة أعداء هذه الاٌمة ولكن هم ماضون إن هم يإسوا فعلى الامة السلام , لك تحياتي ولهم فلذات الاكباد وإنحناءة إجلال لتضحياتهم الطارة