يأتي ردّ «سوليدير» على ما ورد في «الأخبار» يوم السبت الماضي بعنوان «إمارة سوليدير لصاحبها ناصر الشمّاع» بعد خمسة أيام على نشر المقال. مدّة كافية للتشاور بين إدارتها ومحاميها والقوى السياسية الراعية لها للاتفاق على إصدار ردّ يمتصّ غضب المساهمين. خرج كل هذا الطاقم، بأربع صفحات خالية من أي معطيات موثّقة وأقرب لتكون بياناً موجّهاً للمساهمين على عتبة انعقاد الجمعية العمومية المحدّدة يوم الاثنين المقبل.
«سوليدير» تسمي الإختلاس فروقات بقيمة مليوني دولار(هيثم الموسوي)

لعل أحد أهداف البيان الترويجي الذي أصدرته «سوليدير» ردّاً على المقال بعنوان «إمارة سوليدير لصاحبها ناصر الشمّاع»، أن التصويت على بقاء رئيس مجلس الإدارة ناصر الشمّاع في موقعه يتطلب اتفاقاً بين كبار المساهمين. لذلك، سعى الشمّاع لدى كتلتين مصرفيتين نافذتين في الشركة، سياسياً ومالياً، من أجل تزكية استمراره «أميراً»، وبتغطية من بعض المراجع الدينية، لعله يتمكن من الاحتفاظ ببعض نفوذ في هذه الشركة التي تسيطر عليها الحريرية منذ أكثر من 24 سنة. في ظل هذا الصراع والصعوبات المالية الكبيرة التي تعانيها «سوليدير» التي تواجه ظروفاً صعبة، يخشى رئيس مجلس الإدارة أن يقدّم رعاته السياسيون تنازلات ما قد تؤدي إلى إضعاف سطوته ونفوذه في الشركة. بهذه الخلفية، قام الشمّاع بمحاولة تحشيد أكبر عدد ممكن من الأسهم لمصلحته، لا بل يتردّد بأنه استجدى تفويضاً من رجل أعمال لديه سلطة مباشرة على 10% من الأسهم.
الشركة يديرها أقارب الشمّاع، سواء اعترف بوجود 20 شخصاً منهم أو أقل (بعضهم ترك الشركة وغادرها قبل أشهر)، وهي الشركة التي استولت على ملكية أصحاب الحقوق وحوّلتها إلى أسهم غصباً عن إرادتهم ووفقاً لتخمينات بائسة، ثم جرى تسعير السهم الواحد بقيمة 10 دولارات.
اليوم، تقرّ الشركة بأنها وزّعت خلال 24 عاماً نحو 1.2 مليار دولار أنصبة أرباح على المساهمين الذين يحملون 165 مليون سهم، أي أن نصيب السهم الواحد يبلغ 7.27 دولار، أي ما يساوي سعر السهم في البورصة!
الشركة تصرّ على إظهار القيمة الدفترية للسهم البالغة 10.7 دولار فهل يمكنها هي أو أي من المساهمين أن تسيّل سهماً واحداً بهذه القيمة؟

التقرير المالي كاملاً


إن غالبية المساهمين صغاراً وكباراً، يظهرون ندماً على الاستثمار في أسهم «سوليدير» بعد خسارة السهم ثلث قيمته، فيما كانت لديهم الفرصة لتحصيل عائد يساوي ثلاث مرات الاستثمار لو جمّدوا أموالهم في حسابات مصرفية. يقول أحد حملة الأسهم «لو استثمرت 10 دولارات (ثمن السهم يوم الإصدار) في وديعة بالدولار لكنت نالت فائدة سنوية وسطية بمعدل 4.56% ليصبح المبلغ بعد 24 عاماً 29 دولاراً، أي ما يعادل ثلاث مرات المبلغ الأصلي. ولو استثمرت هذه الـ10 دولارات في وديعة مصرفية بالليرة اللبنانية بفائدة سنوية وسطية بمعدل 9.2%، لكانت أصبحت 82 دولاراً، أي ما يساوي ثماني مرات المبلغ الأصلي. الاستثمار في «سوليدير» لم يردّ سوى 40% من رأس المال والباقي يسجّل خسارة. أي حامل أسهم يريد تسييل استثماره لحاجة ما سيخسر فوراً 30% من قيمة رأس ماله لو كان اشترى الأسهم على سعر 10 دولارات، أما الذين اشتروا على سعر 38 دولاراً بعد اتفاق الدوحة (2008)، فإن خسارتهم تبلغ 81% من رأس المال».
في ضوء ذلك، تظهر الكثير من التناقضات التي وقع بها فريق الشركة المكلّف بالردّ على «الأخبار». ففي كلامهم عن الأكلاف التشغيلية، يذهب الردّ نحو تبرير إنفاق ملياري دولار فيخلط بين البنية التحتية والاستثمارات العقارية. عدم الاحتراف والمهنية أمر خطير، إذ إن إنشاء البنية التحتية كان أمراً واجباً على الشركة منصوصاً عليه في قانون إنشائها، وهي ردمت البحر مقابل أراضٍ باعتها قبل تطويرها أو بعده أو استثمرتها وسجلتها في ميزانيتها كأصول وملكيات وإيرادات. هي باعت أكثر من نصف مخزونها من العقارات ولم يحصل أصحاب الحقوق إلا على 7 دولارات مقابل السهم!
وبدلاً من توجيه الشركة اتهامات لـ «الأخبار» بـ «الابتزاز»، عليها أن تصارح المساهمين والرأي العام من خلال فتح ملفات المستفيدين والمنتفعين من العقود والتلزيمات وكشف السرية المصرفية لحسابات كبار المديرين فيها وأعضاء مجلس إدارتها والتصريح عن ملكياتهم العقارية. بعض الملفات واضحة مثل ملف القصر الذي يشيّده رئيس مجلس إدارة الشركة ناصر الشماع في منطقة مينا الحصن. في عام 2004، اشترى الشمّاع باسم ابنه كريم المولود في عام 1994، قطعة أرض من شركة «سوليدير» تقع على العقار 911 مينا الحصن مساحتها 1284 م2. يومها، كان سعر متر الهواء 1100 دولار، وقرّرت «سوليدير» تنفيع «أميرها»، فأتاحت (لكل من علم بالأمر) شراء العقارات مقابل الأسهم. «الأمير» قرّر أن يدفع الأسهم التي يحملها على سعر 10 دولارات للسهم الواحد على رغم أن قيمة السهم في ذلك الوقت كانت تبلغ 8 دولارات. وفّر الشمّاع بضعة ملايين على جيبته ليقوم اليوم بتشييد قصر من أربع طبقات على أرض ابنه.
أما أصحاب الحقوق الذين يطالبون منذ سنوات بتحويل أسهمهم إلى أمتار، فقد صُمّت الآذان عنهم على رغم الوعود التي تلقوها من رئيس الجمهورية وتيارات وأحزاب سياسية. تحويل الأسهم إلى الأمتار، هو الحلّ المنطقي الوحيد للخسارة اللاحقة بالسهم. ما يحقّ للأمير لا يحقّ لغيره؟
الشفافية التي تدّعيها «سوليدير»، في بيانها، هي التي توقعها بالتناقض بين الإقرار بوجود نقص في سجلات الأسهم بقيمة مليوني دولار وبين نفي وجود لفلفة فضيحة اختلاس أسهم بقيمة 4 ملايين دولار. في ردّها على «الأخبار» تقرّ «سوليدير» بأنها خصصت مؤونة بقيمة 4 ملايين دولار لتغطية أي «فروقات» قد تنتج من مراجعة السجلات المحاسبية... وتضيف: تبيّن أن المطلوب أقلّ بكثير وقد لا يتعدى مليوني دولار. لتسمّها «سوليدير» فروقات لا اختلاس، إلا أنه في الواقع، ثمة مبلغ مفقود وعلى الإدارة أن تدّعي في المحكمة على «سارق الفروقات» أو «المختلس» و«المقصّر» وكل الذين ساهموا في إغلاق الملف «على السكت» من أعلى الهرم نزولاً.
تجميد 10 دولارات في وديعة بالليرة ينتج بعد 24 عاماً 82 دولاراً


أما بالنسبة لمديونية الشركة، فكان على الفريق المكلّف بإعداد الردّ، أن يميّز بين الديون المصرفية وبين مديونية الشركة. فمن الطبيعي أن تكون الديون المصرفية جزءاً من مديونية الشركة الإجمالية، لكنها ليست كل الديون عليها، لكن افتقارهم للخبرة أوقعهم في هذا الأمر من دون أن يقرأ أي منهم التقرير المالي للشركة. في هذا التقرير، هناك الفقرة (d) بعنوان مخاطر السيولة والمتفرعة من البند 32 بعنوان «إدارة المخاطر». تذكر هذه الفقرة ما للشركة وما عليها من حسابات مكشوفة وتسهيلات مصرفية وحسابات للدفع وأنصبة أرباح للدفع وقروض مصرفية. النتيجة كما ترد في الصفحة 61 من التقرير هي أن مجمل الديون على الشركة تبلغ 849 مليون دولار. منها 583 مليوناً تستحق خلال سنة. كيف ستدفع الشركة أنصبة الأرباح المستحقة بقيمة 60 مليون دولار؟ هل ستقترض من المصارف أم تعطيهم أرضاً كالتي حصل عليها الشماع. أما ادعاء الشركة بأن لديها سندات تحصيل تحت بند ذمم مدينة بقيمة 540 مليون دولار، فتدحضه الفقرة (a) من البند 7 التي تشير إلى وجود 262 مليون دولار من السندات المشكوك بتحصيلها إضافة إلى وجود تخلف عن سداد سندات بقيمة 7.6 مليون دولار لم تصنّف مشكوكاً بتحصيلها بعد.