«باعتمادك يا رب في نهر الأردن، ظهر السجود للثالوث»، يهدر صوت «الأبونا» بطرس الخوري كاهن دير مار يوحنا (الخنشارة) في أرجاء منزل الوزير السابق ميشال سماحة، قرب ساحة ساسين في الأشرفية، وهو يرتّل «طروبارية الظهور الإلهي». إنها رغبة غلاديس، أن يُبَعْثِر الكاهن الماء «المصلّى» في أرجاء البيت وعلى وجوه الحاضرين بباقة أغصان الزيتون، علّه يُبعد «السوء» الذي أصاب العائلة منذ اعتقال زوجها بتهمة نقل المتفجّرات في آب 2012.
رنا ويسرا وديما لا يشْبَعن من النظر إلى والدهن، المستلقي بهدوء فوق الكنبة «البيج» المطرّزة على يمين غرفة الجلوس، بعد الغياب في سجن الشرطة العسكرية في الريحانية. فارس، السائق، يجول على الحاضرين والأصدقاء والعائلة، يوزّع «حلوينة» الحريّة. ينظر سماحة إلى سائقه الذي لم يفارقه منذ زمنٍ طويل، عدا سنوات السجن، «ضعفان يا فارس»... يردّ فارس: «وإنت ضعفان كمان، إنت ضعفت جوا الحبس وأنا برا».
الوجه لا يزال ممتلئاً، يطغى عليه اللون الزهري، والعينان اللتان تعبتا من مساحة الزنزانة، تسترقان النظر إلى تفاصيل البيت والبنات والأقارب خلال كلّ مكالمة يتلقاها الوزير السابق على هاتف غلاديس من المهنئين والأصدقاء القدامى.
لم يكن سماحة على علمٍ بخروجه صباح أمس. بدأ نهاره بشكلٍ معتاد، منتظراً زيارة ديما التي لا تتأخر أبداً على مواعيد الزيارات. تأخرت الابنة الوسطى أمس، «هل سأخرج اليوم؟»، سأل سماحة نفسه، قبل أن يُبلغه عناصر الجيش المكلّفون بحراسته بأن يومه سينتهي حراً.
صعد الرجل إلى بيته من الباب الخلفي للمبنى، هرباً من الصحافيين والكاميرات المحتشدة على مدخل البناء الرئيسي. لم يتفقّد غرف المنزل كأنه لم يغب عنه، بل جلس حال وصوله على الكنبة وأشعل سيجارة «مالبورو لايت». إنه جنون «السكوب»، الذي يجعل الصحافيين يتراكضون على الدرج إلى الطابق السادس ويوقعون كاميراتهم ويصدم بعضهم بعضاً، ما إن سُمح لهم بالصعود إلى المنزل. عشرات العدسات والأسئلة، وسماحة يحسب كلّ كلمة يقولها لئلا يخرق قرار المحكمة بعدم التصريح. «رح ترجع على السياسة؟» يسأل أحد الصحافيين، فيردّ: «ما وقّفت»، تستمرّ الأسئلة، فيختار جواباً: «هنّي حرّين يفكروا متل ما بدهن، بس ما يحموا داعش ونقل السلاح»، ليحين بعدها موعد رحيل الصحافيين.
القرار الصادر عن المحكمة بمنع سماحة من الإدلاء بأي تصريح أو موقف، يثير التساؤل بالنسبة إلى العائلة والأصدقاء. النص واضح: «منع المدعى عليه من تناول ملف هذه القضية، سواء لجهة إجراءات التحقيق الأولية والاستنطاقية أو إجراءات المحاكمة الجارية مع أي وسيلة إعلامية مقروءة أو مرئية أو مسموعة، بما فيها وسائل التواصل الاجتماعي، حتى صدور حكم نهائي عن هذه المحكمة تحت طائلة إصدار مذكرة توقيف جديدة بحقه». «شو ما كان النص، الملوّع بيطوّل بالو، طوّل بالك يا ميشال» يقول أحد الأصدقاء، وتوافقه غلاديس الرأي.
لم يغب سماحة في السجن عن أحداث الخارج. كانت بعض الصحف تصله من وقتٍ إلى آخر، ليكتب ويقرأ ما يزيد على 17 ساعة في اليوم. أمس، وصل إليه كتابان جديدان، للرئيس الفرنسي السابق فرنسوا ميتران ورئيس الوزراء الفرنسي السابق آلان جوبيه. حتى إنه تصفّح كتاب جوبيه «for a strong state» ووضع عليه بضع ملاحظات: «هلق صار جوبيه خيفان من الهجرة وداعش... لمّا كنّا نقول هيك ما كانوا يسمعوا، كانوا يقولوا معارضة معتدلة». يرنّ الهاتف مجدّداً، ينهمك سماحة بعد أن يردّ على سؤال الأخبار: «كم كتاب قريت؟»… «شي 700».