يدعو الرئيس إميل لحود المقاومة إلى البقاء مفتوحة العينين. مشروع التآمر عليها لن يتوقف. كل الحروب من تصفية الحساب (1993) إلى سوريا (2011)، مروراً بعناقيد الغضب (1996)، مترابطة. «صدقوني، التآمر السياسي لن يتوقف لأن هناك في الداخل، كما في الخارج، من يتمنى لو يقع الرئيس بشار الأسد والسيد حسن نصر الله بين أيديهم حتى ينهشوهم وهم أحياء».يروي لحود أنه عندما عيّن قائداً للجيش في عام 1989، واجه في العام التالي إستحقاق نشر الجيش اللبناني شمالي الليطاني (حتى القاسمية جنوباً). يقول: «فتّشت عن أفضل الضباط ووقع خياري على العميد غسان ملحم (رحمه الله) وعيّنته قائداً للقطاع، وسألني فوراً عن التعليمات، فقلت له: ما هي التعليمات السابقة؟ أجابني «أي مسلح يدخل الى جنوبي الليطاني لتنفيذ عمليات ضد الاحتلال نلقي القبض عليه ويوضع في السجن». قلت له «هل هؤلاء المسلحون لبنانيون أم غير لبنانيين؟»، قال غسان ملحم: «إنهم لبنانيون». قلت له «يعني هم مقاومون. وعندما يريدون الدخول الى المنطقة المحتلة، عليك مساعدتهم. ولكن أينما وجد الجيش، ممنوع أي وجود مسلح»، يومذاك، نفذ العميد ملحم التعليمات بحذافيرها وبدأت الثلاثية الذهبية: جيش وشعب ومقاومة».
يتابع لحود «بعد أسبوع، طلب الرئيس الياس الهراوي، رحمه الله، لقائي، وكان غازي كنعان موجوداً في مكتبه. قال لي الهراوي: إميل انت أصدرت مذكرة تسهل فيها عمل المسلحين لكي يدخلوا الى المنطقة المحتلة في الجنوب ويفتعلوا مشاكل حتى تأتي إسرائيل وتضربنا. لماذا تقحم الجيش في مثل هذا الأمر، يصطفلوا هنّي وإسرائيل، فقلت له: فخامة الرئيس، هؤلاء لبنانيون يأتون الى قراهم. كيف ألقي القبض عليهم؟ فطلب مني الهراوي أن أتحدث مع غازي كنعان الذي بادر الى القول: تعرف أن فخامة الرئيس هو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ويتمنى عليك أن تفعل ذلك عندما يشتد عودك بعد سنتين أو ثلاث سنوات، فأنت ما زلت جديداً في القيادة. قلت لهما: إذا لم يعجبكما ما أقوم به، أقيلوني. يومها، كانت المرة الأولى التي يشتكون فيها عليّ الى الرئيس حافظ الأسد، الذي كان جوابه حاسماً: في لبنان، هناك رجل كذلك... معه حق... اتركوه. وكرّت سبحة المواقف من 1993 حتى 1996. وقتذاك، هدد الإسرائيلي الجيش اللبناني بضربه لأنه يساعد المسلحين، وبدأوا بالفعل قصف ناقلات الجند المجنزرة (M113) بعدما أصدرت الأوامر أنه إذا لم تستطيعوا إصابة الطائرات المعادية، عليكم التصدي لها بكل الإمكانات المتوافرة، ولم يكن لدينا إلا المضادات».
يروي لحود تفاصيل أخرى قائلاً: «كنت في مكتبي في قيادة الجيش، وضربت الطائرات الإسرائيلية المعادية الملالة الأولى للجيش، ثم الثانية، فأصدرت الأوامر بتركيب مدفع مضاد للطائرات على سطح مبنى قيادة الجيش (اليرزة)، وبدأ التصدي للطائرات الإسرائيلية، يومها هرب وزير الدفاع من مكتبه، وفقد الرئيس الهراوي أعصابه، واتصل بي وهو يصرخ: إميل، سيضربون القصر، فقلت له : فليضربوا. وإذا لم يعجبكم ما أقوم به أقيلوني. كانت تلك هي المرة الثانية التي يسمعني فيها أردّد هذه العبارة. واستمر إطلاق المضادات من على سطح قيادة الجيش طوال حرب عناقيد الغضب (1996)».
لا ينسى لحود أدق التفاصيل المرتبطة بعدوان تموز 2006، «يومها، قلت منذ اللحظة الأولى إننا سنربح. أخذوا كلامي بالهزل. وعندما بدأ القصف على الضاحية الجنوبية، دعوت الى جلسة استثنائية لمجلس الوزراء. يومها، قالوا لي كيف ستجمع مجلس الوزراء، بينما الإسرائيلي قد يقصفنا؟ قلت لهم: إن شاء الله نسقط شهداء. يومها، قال لي فؤاد السنيورة: ماذا تفعل؟ يمكن أن نتواصل عبر الهاتف. قلت له: نجتمع في مقر المجلس الاقتصادي الاجتماعي، وعندما وصلت الى مكان الجلسة، وخلافاً للعادة لم أجد أحداً، سألت عن الوزراء، فجاءني الجواب أنهم في الغرفة الكبيرة، وكان السنيورة وغازي العريضي ومروان حمادة في الغرفة الملاصقة لغرفتي، فدخلت عليهم فصمتوا عن الكلام، وقال لي مروان حمادة: انظر، ماذا فعل أصحابك؟ إسرائيل ستصل الى بيروت. هيك بدك؟ قلت له: هل تفهم بالعسكر أكثر مني يا مروان، قال: لا. لكنك تريد أن ترفع معنوياتنا فقط، قلت له: سأخبرك بالعلم العسكري ما يلي: إسرائيل لديها مدفعية وذخائر وطائرات وبوارج لا تحصى ولا تعد. لديهم فائض تسليح، ونحن بالكاد لدينا اثنان في المئة من قدراتهم. إسرائيل لديها تدريب عالٍ، وأميركا وكل الغرب ومعظم العرب وراءها، ونحن ليس معنا إلا القليل من الدول، ولكن الذي يحسم المعركة هو إرادة القتال التي لا يملكها الإسرائيلي ويملكها المقاوم اللبناني. الإسرائيليون يستخدمون كل الوسائل القتالية، لكن لن يستطيعوا الدخول متراً واحداً، لأن المقاومة مستعدة للموت من أجل الأرض، وإذا كانت المعادلة: فائض تسليح وفائض دعم للإسرائيلي وصفر إرادة قتال، فهذا يساوي صفراً. أما المقاومة، فلديها القليل من القدرات التسليحية والدعم المحدود جداً، ولكن عندها فائض إرادة قتال، وهذا يساوي الانتصار. عندما انتهيت، قال مروان حمادة: من أين جئت بهذه المعادلة؟ قلت له: سترى أنهم لن يستطيعوا الدخول متراً واحداً».
يسرد لحود أنه في بداية إحدى جلسات مجلس الوزراء، غداة مؤتمر روما وطرح النقاط السبع هناك، اقترب منه السنيورة وقال له: هناك استعداد مقابل الموافقة على النقاط السبع، لوقف النار وعدم استمرار الولايات المتحدة وفرنسا باستخدام الفيتو في مجلس الأمن، قلت له: أنت أبلغتني أنك ذاهب الى روما كرمال المساعدات، فزعم أنه حصلت اجتماعات ووضعنا هذه النقاط، فطلبت منه قراءتها، وجاء فيها: أولاً، العودة الى خط الهدنة. ثانياً، يتقدم الجيش ليأخذ مكان حزب الله. ثالثاً، ينفذ الجيش مداهمات وينزع السلاح ... فوراً، طلبت منه التوقف، وقلت له: هذا استسلام لأن هدف الحرب نزع سلاح المقاومة، فحاول السنيورة الإيحاء بموافقة الرئيس نبيه بري قائلاً انه زاره قبل الجلسة، والجميع وافق على النقاط، فقلت له: أنا رئيس جمهورية ولا أوافق عليها. وبعد سجال، قرأ السنيورة النقاط، ولاحظت أن الجميع يعلم بها باستثناء الوزير محمد فنيش الذي رفضها. حاول السنيورة إمرارها بالتصويت، فمنعته من ذلك، وحصل تلاسن كلامي بين الوزراء، فتدخلت وقلت لهم: عيب، بعد عشرة أيام من الحرب تريدون تسليم السلاح، فلنخرج من الجلسة ونعكس جواً وفاقياً لأننا في حالة حرب، والدول التي تحترم نفسها تضع كل الخلافات جانباً وتتوحد ضد العدو. فهذا الموضوع لا يبحث الآن. اتركوه الى ما بعد انتهاء الحرب».
يتوقف لحود عند واقعة عجلت في صدور القرار 1701: «كان صباح يوم أحد، فأخبروني أن المقاومة دمرت ليلاً 22 دبابة ميركافا في وادي الحجير، قلت لهم: هذا تطور حاسم، وسيجعل الأميركي يوقف الفيتو. فجأة، إتصل الياس المر، وقال لي: هل ممكن عقد جلسة لمجلس الوزراء لأن التوجه لوقف النار وعدم استخدام الفيتو؟ قلت له: بكل تأكيد. وصلت الى مجلس الوزراء فوجدت قائد الجيش العماد ميشال سليمان وأركانه في الغرفة الكبيرة. قلت للسنيورة: كيف تستدعي قائد الجيش وأنا الذي أستدعيه؟، قال إن القرار سيصدر الثلاثاء مساءً، ويكون التوقيت في نيويورك ليلاً. وحتى لا نعقد اجتماعين، طلبت منه الحضور لشرح خطة الجيش للانتشار، قلت له، يجب أن يدوّن في المحضر أنه تم استدعاء قائد الجيش بناءً على طلب رئيس الجمهورية حتى لا تسجل سابقة، قال السنيورة: كما تريد. وبدأ العماد سليمان الشرح، وقال لنا: «استناداً الى تعليمات دولة الرئيس (السنيورة) سندخل ونداهم كل مكان فيه سلاح ونصادره فوراً». قلت له «إذا بتريد اطلع لبرا»، فتدخل مروان حمادة، وقال «ماذا تفعل فخامة الرئيس؟»، فكررت عبارتي إلى قائد الجيش «إذا بتريد اطلع لبرا»، وقلت للسنيورة «مش عيب عليك أمس دمرنا لهم 22 دبابة»، فردّ السنيورة «هذا كلو كلام بكلام»، معيداً طرح النقاط السبع ودافعاً باتجاه التصويت، لكنني استخدمت صلاحياتي الدستورية ومنعته، ثم توجهت الى الوزير محمد فنيش قائلاً له «أبلغ سماحة السيد نصر الله إذا حضرتم جلسة على جدول أعمالها النقاط السبع يعني أنتم بعتم لبنان»، وغادرت الجلسة ليتصل بي فنيش في اليوم التالي ويبلغني تحيات السيد وأنهم لن يحضروا الجلسة وتم تأجيل الجلسة الى يوم الجمعة وحذف بند النقاط السبع وصدر القرار الذي مهد للقرار 1701.
يذكّر لحود بما حصل في قمة الخرطوم يوم حضر السنيورة من خارج الوفد الرسمي وجلس خلف عمرو موسى، وطالب بحذف عبارة مقاومة من ورقة التضامن مع لبنان ومن القرارات التي ستصدر. ويومها هدد لحود بتطيير القمة، وصولاً الى آخر قمة حضرها في شرم الشيخ وكيف أدرجت النقاط السبع في عدة فقرات، وكيف هرب كل من سعود الفيصل وعمرو موسى من لقائه، الى أن طرح الأمر مع الرئيس بشار الأسد الذي كلف فاروق الشرع التواصل مع سعود الفيصل وعمرو موسى حتى يأتيا بالجواب قبل منتصف ليل القمة، وعندما لم يأت جوابهما، «هددت بأنه فور افتتاح القمة، سأبدأ بالصراخ، الى أن طلب السفير السعودي عبد العزيز خوجة اجتماعاً معي، حضره الفيصل وموسى. ويومها طلب خوجة لقاءً جانبياً، وقال لي: "بقي لك عدة أشهر في الرئاسة، ولن ينسى لك طويل العمر (الملك عبد الله) لولد الولد، فقط دع فقرة النقاط السبع تمر"، فقلت له: هذا ليس ملكي لأهديك إياه».
يلفت لحود الى أن الفيصل تذرع بأن السنيورة أبلغه أن قراراً صدر عن مجلس الوزراء اللبناني بالموافقة على النقاط السبع، فقلت إن السنيورة ليس في عداد الوفد ولا يتكلم باسم لبنان، وليس شأنك ماذا قررنا في لبنان، فقال الفيصل: إذاً ماذا نفعل؟ قلت له: تحذف الفقرة وإلا سأحوّل جلسة الافتتاح الى فضيحة. قال: سنحذفها، إلا أنه حذفها من مكان وأبقاها في آخر، واختفى الفيصل وموسى، وبدأت عملية المطاردة لهما الى أن التقيت الملك عبد الله في البهو فاقتربت منه، وقلت له «جلالة الملك، هل ترضى أن يزوّروا في بلدكم؟»، فقال لي: «ما الأمر؟»، قلت له «سعود الفيصل يهرب مني لكي لا يلتقيني لأننا أخذنا أمس قراراً بحذف فقرة النقاط السبع من كل ورقة التضامن مع لبنان ولم يفعل»، قال الملك عبد الله لمعاونيه: «ليأت سعود». وفجأة، ظهر سعود الفيصل، فقلت له فوراً: «الآن ستحذف الفقرة»، وهذا ما حصل.