هل يهرب سعد الحريري من الاستحقاقات الاقتصادية والمالية، أم يهرب من استحقاق تطبيع العلاقات بين لبنان وسوريا؟الواضح، بحسب مصادر مطلعة، أن الرئيس المكلف لا يملك حتى الآن تصوراً للتعامل مع ملف الحكومة، وخصوصاً في ظل ما ينتظرها من مهمات في المرحلة المقبلة، وبالتالي، يراوح مكانه في مهمة التأليف، تجنباً لمواجهة سؤالين مركزيين: الأول، يتعلق بخطة الحكومة لمواجهة الأزمة الاقتصادية والضغط المالي ومعالجة السياسات النقدية وتوفير متطلبات المالية العامة لمواجهة العجز الكبير في الموازنة العامة. الثاني، يتعلق باستحقاق العلاقات مع سوريا، حيث يحتل ملف النازحين السوريين رأس الاولويات محلياً وإقليمياً ودولياً، بالإضافة إلى حالة الجمود والحيرة التي تصيب القطاع المالي والاقتصادي والتجاري في لبنان حيال دورها أو حصتها في مشروع إعادة إعمار سوريا.
في الجانب الأول، لا يملك الحريري تصوراً لمعالجة مشكلات القطاع العام، ولا هو في صدد تعديل السياسة الضريبية. كذلك لا يعتقد بأن موجبات مؤتمر باريس ـــــ 4 يمكن تحويلها إلى نتائج عملية من دون الخضوع لطلبات المشاركين في مؤتمر باريس والمؤسسات المالية والنقدية الدولية، التي تطالب بمعالجة جذرية لمشكلات لبنان، بما يفرض إدخال تعديلات جوهرية على السياستين النقدية والضريبية. ولا يبدو أن الحريري في وارد التفكير في هذه الخطوة، وهو الذي يعاني أصلاً من أزمة مالية خاصة، ويتكل ضمناً على السياسات القائمة لمعالجة جانب منها، سواء من خلال القطاع المصرفي، أو من خلال إبقاء القطاع العام مفتوحاً أمام التوظيف السياسي، بما يعالج مشكلات فريقه السياسي.
أما بشان ملف العلاقة مع سوريا، فإن الحريري، يميل شخصياً إلى عدم السير في خطوات تهدف عملياً إلى التطبيع مع دمشق، والسير في عملية تنسيق مكثفة لمعالجة الأزمات الأمنية والحدودية الناجمة عن الحرب في سوريا، وكذلك معالجة ملف النازحين السوريين. ولا يبدو الحريري متحمساً ربطاً بما بلغه من أن القيادة السورية ليست بوارد تطبيع العلاقات معه خارج موقعه رئيساً للحكومة، وأنها لا ترغب في استئناف أي تواصل سياسي مع تيار المستقبل أو قوى 14 آذار التي لعبت دوراً في تغذية الحرب في سوريا. كذلك، علم الحريري بطرق مختلفة أنه سيكون من الصعب على رجال الأعمال والشركات القريبة منه ومن فريق 14 آذار، الدخول إلى سوريا والاستفادة من برنامج إعادة الإعمار فيها.
وكان لافتاً للإنتباه في المعلومات نفسها، أن دمشق لن تفتَح الباب أمام شركات ورجال أعمال مقربين من الرئيس نبيه بري وحركة أمل بدعوى أن هؤلاء لم يكونوا «أوفياء» في «اللحظات الحرجة». مع الإشارة هنا، إلى أن بعض الجهات تعمل على إستعادة الحرارة الكاملة إلى العلاقة بين دمشق وبين بري وحركة أمل.
ويبدو أن القيادة السورية متشددة في هذا الأمر، إلى حدود أنها «ليست بصدد مسايرة أحد» على ما يقول مسؤول سوري، ويضيف: «لقد خسرنا الكثير جراء مراعاة قوى لبنانية تهوى الطعن في الظهر، وسوف نصرف كل جهدنا وطاقتنا على إعمار بلدنا، ونتعاون فقط مع الذين وقفوا إلى جانبنا وضحوا معنا».
بناءً عليه، يبدو الحريري مكبّلاً لنفسه، ما يفتح النقاش أمام الخيارات البديلة، وبرغم أن السعودية كما الولايات المتحدة لا تريدان للحريري أن يسير في التسوية مع الرئيس ميشال عون وحزب الله من جديد، إلا أن ثمة مخاوف من أن يكون القصد دفع الحريري إلى الاعتذار، وجعل الحكومة الجديدة تتشكل من فريق سياسي واحد، ومن ثم ممارسة الضغوط الكبيرة على لبنان داخلياً وخارجياً، بما في ذلك التهديد بتعريض البلد لانهيار اقتصادي، وهو ما دفع قوى سياسية بارزة في لبنان، بينها الرئيس عون وحزب الله وحركة أمل، إلى إبلاغ الحريري نفسه وآخرين بأنه في حال اعتذاره عن التكليف سيرشحونه من جديد لتأليف الحكومة.
لكن إلى متى تبقى الأمور على هذا النحو؟