يرسم الصراع بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس الجمهورية ميشال عون صورةً قاتمة عن واقع الحال داخل قرى الجبل، في الشوف تحديداً، التي لم تخرج بعد من ذاكرة الحرب الأهلية اللبنانية، على رغم مرور الوقت وجهود «المصالحة».فالسّجال على مواقع التواصل الاجتماعي بين جنبلاط وفريق من وزرائه ونوّابه، في مقابل نوّاب ووزراء من التيار الوطني الحرّ، وعمليات الطرد المتبادل في الوزارات، تنتقل سريعاً إلى القاعدة بين أهالي القرى المختلطة، من الدروز والمسيحيين، ومناصري الفريقين، حيث يسود التوتّر والقلق في أكثر من قرية وبلدة.
وبانتظار أن يأتي أحدٌ ما، ويفتتح سباق الإشكالات الشعبية التي قد تتفاقم سريعاً، لا يبدو أن الفريقين يتجهان إلى التهدئة، أو حتى ينشدانها، بل على العكس، يحاول كلّ من موقعه، بلا مسؤولية، الاستفادة من شدّ العصب الطائفي، وتسخير «غضب الجماهير» في مواجهة ضغوط الآخر السياسية في لعبة تنازع الحصص والصراع على ركام النظام اللبناني المهترئ.
وعلى الرغم من حالة التحالف القائمة بين الاشتراكي وحزب القوات اللبنانية، والتناغم الكبير في الشوف بين التنظيمين، إلّا أن حالة الشحن في الساحة الدرزية في قاعدة الاشتراكي، لا تنضبط في الهيجان ضد التيار الوطني الحرّ، بل إن الشحن يزداد ضد المسيحيين، بمعزل عن انتماءاتهم السياسية. وهذه نتيجة «طبيعية»، ولا تحتاج دوماً إلى شيفرة تحريض يجيد الجنبلاطيون بثّها. ومن يبدأ سجالاً من هذا النوع، لا يتوقّع أن يبقى باستطاعته ضبطه وتوجيهه. وفي الذاكرة الحيّة الباقية من الحرب، والتي بدل معالجتها اتفق اللبنانيون على طمرها بطبقات رقيقة من «التعايش»، فإن «العدو» واحد، قواتي أو عوني لا يهمّ، طالما أن الشعور هو «الخطر على الطائفة»، وطالما أن الزعيم الأكبر، «الواعي»، بات يطلق على خصومه أوصافاً مثل «علوج» ويهدّدهم بألا يلعبوا بالنار!
على المقلب الآخر، يجلس نائبٌ متوتر دائماً مثل زياد أسود قرب شلّال جزّين و«يفقع ردّة عتابا» ضد جنبلاط، كمثل «الهوبرة» التي أطلقها القيادي في التيار الوطني الحر ناجي حايك من الدامور عشية الانتخابات النيابية. فكانت نتيجتها شد عصب درزي، أحسن الحزب الاشتراكي الاستفادة منه في صناديق الاقتراع بدل نقله إلى مواجهات في الشارع بين الدروز والمسيحيين.
على ضفّتَي التيار والاشتراكي، ثمّة من يردّد أن الجو مشحون و«الله يستر»، ويتفق الطرفان على أن الأمور واصلة إلى لحظة الاشتباك. والغريب، أن هذا التوتّر بات يظهر أيضاً على لسان قياديين من الطرفين، سبق أن كانوا في ضفة القياديين المسؤولين وليسوا من جماعة الرؤوس الحامية، بل جماعة التهدئة، مثل القيادي في التيار غسان عطا الله والقيادي في الاشتراكي ناصر زيدان.
قبل أيام، كادت لافتة في بلدة كفرنبرخ أن تحدث إشكالاً كبيراً. بعد وفاة أحد الاشتراكيين القدامى، رفعت في ساحة البلدة لافتة باسمه، ما دفع جزءاً من أهالي البلدة إلى الاعتراض، على خلفية دورٍ ما للمتوفى في الحرب الأهلية، أو كما يقول عونيون إن الأخير متورّط بقتل مواطنين مسيحيين. غير أن هذا القيادي يعدّ رمزاً عند الاشتراكيين، الذين ينفون مشاركته في أي جرائم ضد المسيحيين. وبعد التوتّر في البلدة، تدخّل جنبلاط شخصياً وطلب إزالة اللافتة، فاستجابت البلدية، لكنّ السجال على مواقع التواصل الاجتماعي حول المسألة مستمر، والشحن والتحريض مستمران أيضاً.
حمادة نفّذ طلب الحريري بتجريد الموظفة العونيّة من إحدى مهماتها


الصراع بين عون وجنبلاط مفهوم في ظلّ التحوّلات في لبنان، والكباش الحاصل على حصص الطوائف في النظام المقبل على أنقاض اتفاق الطائف. لكن أن ينتقل إلى الوزارات وإلى الشارع، فهذه لعبة خطيرة، سيدفع ثمنها أهالي الشوف وحدهم، دروزاً ومسيحيين. وللعلم، فإن ما قام به الوزير مروان حمادة في وزارة التربية بحق موظّفة قريبة من التيار الوطني الحرّ، بتجريدها من إحدى وظيفتيها، حصل بناءً على طلب من الرئيس سعد الحريري، لا من جنبلاط. غير أن أجواء النكاية مع التيار الوطني الحر دفعت بالاشتراكي إلى الدفاع باستماتة عن خطوة حمادة في العلن، فيما كان الاستياء واضحاً بين مسؤولي الاشتراكي ولدى جنبلاط من خطوة حمادة. الأمر عينه حصل أيضاً مع الوزير طارق الخطيب، الذي أعفى مدير محمية الباروك من مسؤوليته ونقله إلى مسؤولية أخرى. إذ إن الوزير جبران باسيل كان قد طلب خلال اجتماع للتيار، غداة خطوة حمادة، الرد على هذه الخطوة بالتضييق على الموظفين الاشتراكيين، لا القيام بخطوات فاقعة من هذا النوع. إلّا أن الحماسة أصابت الخطيب، زيادة عن اللزوم، لكن التيار اضطر بعدها إلى الدفاع عنه، على الرغم من استياء باسيل.
هي إذاً لعبة غير محسوبة يلعبها الطرفان تحت تأثير الحصص الحكومية، ونتيجة لصراع أكبر بين عون وجنبلاط والقوات، كواجهة للحريري في الحكومة المقبلة. وفيما تحتقن الأمور وتحتدم في الشارع، يكفي أن نرى ويرى أهل الشوف كيف يتعانق النائبان ماريو عون وفريد البستاني مع نوّاب الشوف الاشتراكيين خلال استقبال البطريرك بشارة الراعي أول من أمس في الباروك.