رسالة الشيخ بهاء الدين حجير لخطيبة الانتحاري مُعين أبو ضهر في ٢٠ تشرين الثاني ٢٠١٣ أوقعت به. يومها رصدت الأجهزة الأمنية هاتف خطيبة الانتحاري الذي فجّر نفسه على باب السفارة الإيرانية. تردد أنّ الشيخ «أبو عبد الرحمن» لمّح للفتاة إلى أنّ خطيبها «استُشهد» برسالة مرمّزة. وبحسب المعلومات الأمنية، كان «مُنسِّق» هجوم السفارة الإيرانية يُخطِّط للقائها، إلا أنّه بمجرّد توقيفها من قبل المديرية العامة للأمن العام، فرّ الرجل إلى مخيم عين الحلوة. ومنذ ذلك الحين، لمع اسمه إلى جانب أبرز المطلوبين المتوارين داخل أكبر مخيمات الشتات. حصلت محاولات عديدة لدفع الفصائل الفلسطينية إلى تسليمه سابقاً، إلا أنّ أياً منها لم ينجح. حتى إنّ قائد الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان اللواء صبحي أبو عرب، صرّح مراراً بأنّ «قضية حجير ضخّمها الإعلام، وأن لا علاقة له بأي عمل إرهابي». هكذا لم يجرؤ أي من الفصائل الفلسطينية على تسليمه. كما هو الموقف الدائم حيال تسليم أحد من المطلوبين البارزين الموجودين داخل المخيم. استمرّ هذا الحال طوال خمس سنوات. ومع بدء التسويات لتسليم المطلوبين أنفسهم، تردّد أنّ الأخير كان يُخطّط لتسليم نفسه أيضاً، لكنّه لم يحصل على ضمانة. فأُرجئت هذه الخطوة.حجير لم يكن يوماً مفتياً لتنظيم كتائب عبد الله عزام، إلا أنّ الشاب يكاد يكون «أعلم مشايخ» المخيم بالعلوم الشرعية، رغم صغر سنّه. درس العلم الشرعي طوال اثني عشر عاماً، ثمانية منها في معهد البخاري، فيما الأربعة الباقية في المدينة المنورة في السعودية. الشيخ الشاب معروف من معظم أبناء المخيم لكونه يُعطي دروساً شرعية لكثير من الشباب. حتى إنّه يتجوّل منفرداً أعزل من أي سلاح. غير أنّ ما يُعزز قناعة الأجهزة الأمنية حيال تورطه بدورٍ مشبوه، وجود تقارير من مخبرين تُفيد بأنّ عدداً من الشباب الذين تتلمذوا على يديه، تورطوا في تنفيذ اغتيالات والتخطيط للقيام بعمليات أمنية. أما علاقته بخطيبة الانتحاري، فتعود إلى كونه كان يدرّسها العلوم الشرعية في كلية خاصة بالنساء.
وعن توقيفه، تقول المصادر الأمنية إنّ معلومات وصلتها قبل ثلاثة أشهر عن نية حجير التخطيط لعمل أمني خارج المخيم، مشيرة إلى أنّ الأخير اعتنق فكر تنظيم «الدولة الإسلامية»في الفترة الأخيرة، إلا أنّ توقيفه من داخل عين الحلوة كاد يكون مهمة مستحيلة. وُضِع حجير هدفاً بدأ ترصّده. وجراء التنسيق مع وسطاء أمنيين، استُدرِج إلى نقطة معينة تُسهّل استهدافه لتوقيفه. نجح ذلك قبل أسبوعين أو ثلاثة تقريباً. غير أنّ الساعة الصفر للقبض عليه حُدّدت يوم أول من أمس، فدخلت قوّة أمنية من الجيش إلى المكان المحدد داخل المخيم. كان عناصر القوّة مقنّعين. وبالتعاون مع الوسطاء الأمنيين، سُحِب المشتبه فيه حجير على متن سيارة رباعية الدفع إلى خارج عين الحلوة. في المقابل، تداول سكان «عاصمة الشتات» بمعلومات تفيد بأنّ أحد أبناء المخيم، بمعاونة مقنّعين، أوقفوا حجير عند مفترق حيّ الطيري واقتادوه على متن سيارة هوندا سي أر في سوداء وسلّموه لاستخبارات الجيش.
درس بهاء حجير «الشريعة» في السعودية، وكان يُعَدّ من «أعلم مشايخ» المخيم


وفور توقيف حجير، اشتدّ التوتّر في المخيم. اتّهم الإسلاميون حركة فتح والأمن الوطني الفلسطيني بالتواطؤ لتسليم حجير. غير أنّ الأمن الوطني سارع إلى نفي علاقته، مؤكداً أنّ أي عملية اعتقال أو تسليم لم تحصل رغم مرور العديد من المطلوبين بشكل مستمر أمام مكاتب ومقارّ الأمن الوطني وحركة فتح والقوة المشتركة. وذكّرت بأنّ أي عملية اعتقال أو تسليم كانت تحصل، كان يجري التنسيق فيها مع المرجعيات والقوى الوطنية والإسلامية. وما زاد الطين بِلّة، الخبر الذي نشرته الوكالة الوطنية عن أنّ الأمن الوطني الفلسطيني اعتقل بهاء حجير في حيّ الطيرة داخل عين الحلوة وسلّمه لمخابرات الجيش. إلّا أن بياناً صدر عن الجيش بعد ظُهر أمس، أفاد بأنه «نتيجة الرصد والمتابعة للعناصر الإرهابية داخل مخيم عين الحلوة، أوقفت مديرية المخابرات في المخيم، بعد عملية استدراج أمنية، الفلسطيني المطلوب بهاء الدين محمد حجير، لارتباطه بتنظيم كتائب عبدالله عزام، ولعلاقته بالانتحاريَّيْن اللذَيْن استهدفا السفارة الإيرانية في محلة بئر حسن، ولمعرفته المسبقة من أحدهما حول نيته تنفيذ عمل انتحاري في الداخل اللبناني، ولعمله لصالح تنظيم داعش الإرهابي مؤخراً، وتخطيطه لتنفيذ عمل أمني لصالحه خارج المخيم المذكور، بالإضافة إلى وجود عدة مذكرات توقيف صادرة بحقه بجرم الإرهاب». وبدأت أمس التحقيقات مع حجير في فرع التحقيق في مديرية المخابرات لتحديد حجم تورطه. بدورها، أصدرت «رابطة آل حجير الاجتماعية في لبنان» بياناً استنكرت فيه «ما حصل مع ابنها بهاء الدين محمود حجير يوم أمس من عملية اختطاف... نحن كرابطة نؤكّد براءَة ابننا من التّهم الموجّهة إليه. وننفي أن يكون ناشطاً عسكرياً أو أمنياً لدى أي من المجموعات الإسلاميّة أو القيام بأي أعمال تضرّ بأمن لبنان واستقراره».