كلّ معركة تشكيل الحكومة، خيضت تحت عنوان «صراع التيار الوطني الحرّ - القوات اللبنانية». وعلى رغم تفرّع عدّة عناوين ثانوية عنه، تُحاكي أوجهاً أخرى من الخلافات حول الحصص الوزارية، إلا أنّ العقدة الأساسية كانت في الشدّ والإرخاء بين حليفَي «إعلان النوايا». ولكن عملياً، مشكلة القوات اللبنانية الحقيقية، ليست مع العهد الرئاسي أو «التيار»، ولو أنّهما بالتأكيد غير راغِبَين في أن تنال قيادة معراب تمثيلاً «أكبر من حجمها» أو أن يتنازلا لمصلحتها. مُشكلة «القوات» هي مع رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري، الذي بالغ في إلزام نفسه بالتزامات تفوق قدرته السياسية، وهي أصلاً بحاجة إلى موافقة القوى الأخرى، من أجل أن تمرّ. ظنّ الحريري في بداية تكليفه أنّ بإمكانه «تبييض الوجه» مع السعودية والقوات اللبنانية، بتخصيصها بحقائب «أكبر» منها، تُسحب من حصّة رئيس الجمهورية والتيار العوني، فكان له هذا الثنائي بالمرصاد. ثمّ كان الحريري يتمسّك بأي «أمل»، وبإشارات تبيّن أنها خاطئة، يبني عليها تركيبة حكومية، لا تلبث أن تسقط، وتخسر في نتيجتها القوات اللبنانية «شرطاً» من شروطها.يُخبر نائب قواتي بارز أنّ المشوار الحكومي لحزبه «بدأ بأنّ حصتنا تشمل الحقائب التي تسلمناها في الحكومة السابقة: الصحة والشؤون الاجتماعية والإعلام ومنصب نائب رئيس الحكومة. من هنا بدأت المفاوضات». منذ البداية، «افترضنا أنّه، بالواقعية السياسية، لن ننال حقيبة سيادية». يقول النائب ذلك، مُجرّداً من كلّ «الكفوف» التي تفرضها المفاوضات السياسية، ومن كلّ الكلام عن تقاسم مع التيار الوطني الحرّ. ما حصل، أنّ «سعد الحريري ورّطنا في موضوع الحقيبة السيادية، مُصّراً على أنّ من حقّنا أن ننالها». أمام هذا العرض السخي من جانب الرئيس المُكلّف، «تخلينا عن الصحة، لا سيّما بعد أن تمسّك بها حزب الله. فأصبح مطلبنا الحصول على سيادية». رفض فريق العهد التخلّي عن الدفاع وعن الخارجية، مُلقياً بالكرة في ملعب حلفائه في «8 آذار» حتّى لا يقف هو في مُقدّمة المدفع المُعارض لهذا المطلب، وأصبحت القوات اللبنانية في موقع «المفاوض» للتخلّي عن «السيادية». لم يكن الرئيس ميشال عون أو الوزير جبران باسيل من وعد «القوات» بحقيبة سيادية، بل رئيس الحكومة المُكلّف من دون أن يُحسن تقويم قدرته على الالتزام بذلك.
لم تكن تلك المرّة الأولى التي يُخيّب فيها الحريري آمال قيادة معراب. ما حصل بموضوع وزارة العدل، دليلٌ آخر. «الحريري وعَدَنا بها»، يؤكّد النائب. ظنّت القوات اللبنانية أنّ رئيس تيار المستقبل بتّ بالأمر مع رئيس الجمهورية، «ليتبين أنّ الوزير غطاس خوري كان يتحدّث في أرمينيا مع عون، وفَهِم منه إمكانية التخلي عن العدل. بناءً عليه عرضها الحريري علينا». إدارة فريق رئيس الحكومة للمفاوضات، والسعي الحثيث لإنهاء التشكيلة بأي ثمن، ربما يكونان السبب خلف هذه «الفاولات»، التي «تدفع ثمنها» القوات اللبنانية، وتُظهرها بأنها ترفع السقف ثمّ ما تلبث أن تُقدّم التنازل تلوَ التنازل. وعلى رغم كلّ شيء، «سندخل إلى الحكومة، لأنّه على العكس ممّا يعتقد الجميع، المُعارضة لأربع سنوات ستكون مُكلفة شعبياً، كما أنّنا لن نترك الفريق الثاني يتحكّم بمجلس الوزراء وحده». ماذا عن تأثير ذلك على الرأي العام القواتي؟ «هو واعٍ إلى أهمية أن نكون ممثلين». تواسي القوات اللبنانية نفسها بأنّ «الأهمّ من نوعية الحقيبة، اختيار وزراء يُحدثون فرقاً. في المرّة الماضية، اخترنا بيار بو عاصي وغسان حاصباني اللذين لم يكن حضورهما بين الناس كبيراً، لكننا استطعنا التأثير وتنفيذ جزء من مشروعنا». القسم غير المُنفذ، «نتحمّل نحن مسؤولية جزءٍ منه، وهناك العرقلة التي تعرضنا لها». حالياً، الثابت هي حقائب الشؤون الاجتماعية والثقافة وموقع نائب رئيس الحكومة، «والأسماء أصبحت جاهزة».
القوات: جنبلاط غدر بنفسه وما قام به أضعف معركتنا قليلاً


تقف القوات اللبنانية اليوم وحيدةً في معركتها الحكومية، بلا حلفاء (في لبنان) تسند ظهرها إليهم. رئيس الحكومة «يتصرّف وفق مصلحته، التي التقت هذه المرّة مع مصلحتنا». أما النائب وليد جنبلاط، فلم يطل الأمر قبل أن يلتفّ مُجدداً، مُسوياً وضعه مع رئيس الجمهورية. ما قيل عن اتفاق بين «القوات» والحزب التقدمي الاشتراكي، بأن يدخلا معاً إلى مجلس الوزراء أو أن يُكونا في «المعارضة» معاً، بقي خاضعاً لعامل اللاثقة بين جعجع والنائب السابق وليد جنبلاط. زيارة الأخير إلى قصر بعبدا وتسليمه ورقة بأسماء خمس شخصيات تنتمي إلى الطائفة الدرزية لاختيار احدها (أو أحد مرشّحي النائب طلال ارسلان الخمسة) «وزيراً درزياً ثالثاً»، وامتعاض «القوات» من الخطوة، يؤكدان ذلك. يرد النائب بأنّه «غير دقيق، لأنّنا لم نغدر بجنبلاط مرّة، على رغم كلّ المقالب التي نفّذها بـ14 آذار». هل هو الذي غدر بكم؟ «غدر بنفسه»، يجيب النائب القواتي، مُضيفاً بأنّ «ما قام به لم يُزعجنا، ولو أنّه في النقاط أضعف معركتنا قليلاً».