لم يبقَ الكثير من حزب الكتلة الوطنية. تشتّت المناصرون والحزبيون. هُجّرت «الكتلة» من مبنى الفرع المركزي، وأُقفل المركز. استقالة كلية من ممارسة العمل السياسي. «صمد» الاسم ومنصب العميد الذي يحمله وريث مؤسسي الحزب، كارلوس إدّه. هذا «القليل» أيضاً، يستعد إدّه للتخلّي عنه، وتسليمه لمجموعة من رجال الأعمال قرّرت «إعادة إنتاج» حزب الكتلة الوطنية. قبل سنوات، قال إدّه إنّه سيبتعد عن العمل السياسي «لأنّي حاسس حالي عم بحكي مع الحيط». بعد فترة قليلة (لا تزال غير مُحدّدة)، يتحقّق حلم إدّه كاملاً: هجر الحياة السياسية والحياة الحزبية. وسيُصبح الرجل آخر عميد في الحزب، بعد إلغاء المنصب في الـ«نيو» كتلة وطنية. لم يبع إدّه «حزب العائلة»، بل سينتسب إلى «الكتلة» أعضاءٌ جُدد، وبعدها يُعَدَّل النظام الداخلي وتتبدّل السلطات.أسامة سلام، سلام يمّوت، مارون إدّه، فيليب حلو، جو صدّي، بيار عيسى، روبير فاضل... بدأوا العمل على الفكرة، منذ قرابة ستّة أشهر. رؤية هذه الأسماء جنباً إلى جنب، تبعث شعوراً بأننا أمام مجلس إدارة لإحدى الشركات. مُتمولون «زهقانين» قرّروا تجميع أنفسهم في حزبٍ. من هذه الخاصرة، يُصوّب البعض عليهم. يستفزهم ذلك، «وكأنّ جني المال من عرق الجبين عيبٌ. نحن أشخاصٌ من اختصاصات عدّة، لا طموح مادياً أو سلطوياً لنا». التمويل الحزبي سيكون من جيوب هؤلاء.
يقول مؤسّس جمعية «arc en ciel» بيار عيسى، إنّ «الوضع السلبي في البلد يتفاقم، والتأثير من خلال جمعية محدود. نأتي إلى حزب هو الأقرب إلى مبادئنا وطموحاتنا، ما عدا قصّة الوراثة السياسية فيه. لكن وجدنا رئيس حزبٍ، مُستعداً للقيام بإصلاح». من المفترض أن يشغل عيسى منصب الأمين العام في الكتلة، وسيكون هناك رئيس للكتلة يُنتخب دورياً من دون أي تقسيمات طائفية، إلا أنّ عيسى لا يزال يرفض تأكيد أو نفي ذلك، بانتظار إتمام المعاملات الرسمية واللوجستية. قرّر هؤلاء الأشخاص ممارسة السياسة انطلاقاً «من مشروع حزبي، وإلا فسنبقى جمعيات مطلبية. الحزب هو الأداة الصحيحة لممارسة السلطة». إذاً، لن تكون معارضة بمواجهة السلطة الحالية؟ «نسعى إلى العمل من الداخل حتى نتمكن من أن نُنجز. سنكون ضدّ أداء وممارسات معينة، فلا نعتبر أنّه يوجد فريق سيئ أو جيد بالمطلق».
يستفيد رجال الأعمال هؤلاء، من اسمٍ «نظيف»، يُسهّل عليهم الانطلاقة الحزبية. مُشكلتهم، أنّهم اختاروا حزباً ميتاً سياسياً، عشّشت «الكآبة» فيه، فاعتزل العمل منذ فترة. لا مواقف ولا اجتماعات، ولو شكلية. يسقط من حسابات القوى السياسية، ويغيب عن اهتمامات الرأي العام، بعد أن انتهى بأن ارتبط اسمه بالتنكيت على ركاكة اللغة العربية لكارلوس إدّه، الذي يمضي وقتاً في البرازيل أكثر منه في لبنان. حتى الاحتفال بإزاحة الستارة عن نصب العميد ريمون إدّه، في جبيل عام 2015، اعتذر ادّه عن عدم حضوره بداعي السفر! ربما كان «الأسهل» لهم تأسيس حزبٍ جديد، يُشبه أكثر الشباب ما بين الـ18 والـ40 عاماً، وهي القاعدة التي يريدون استهدافها. «ليس المهم من أين ننطلق، المهمّ إلى أين»، يردّ عيسى، مُعتبراً أنّ الكتلة الوطنية «حزبٌ قديم، وتاريخه يُشرّفنا. فنأتي اليوم لتنظيمه بطريقة مختلفة، وتحويله إلى حزب شبابي، نُعدّ أعضاءه لتبوّؤ المناصب السياسية. أما من يريد أن يعمل في الحزب، فسيكون بعيداً عن العمل النيابي أو الوزاري». ولكن، خلافاً لما يُشاع عن أنّ النائب السابق روبير فاضل «اشترى امتياز» الكتلة الوطنية، يقول عيسى: «ندخل إلى الحزب كأعضاء، بعد أن قرّر عميده منذ فترة، القيام بإصلاح وإعادة هيكلة». في المرحلة الأولى، سيبقى كارلوس إدّه عميداً للحزب، لتأمين «انتقالٍ سلس»، ومحاولة التخفيف من نقمة «الجيل القديم» واحتضانه، وبعدها سيُلغى المركز.
لا جديد في ما يقوله الوافدون الجُدد إلى العمل الحزبي، على صعيد الخطاب والأهداف، «نريد إرساء دولة القانون، وإلغاء الزبائنية، وإعادة المفهوم الصحيح للسيادة فتطغى على التبعية والارتهان. خطابنا مبني على مبادئ تتلاقى مع شؤون الناس واهتماماتهم». الشعارات التي تُثير عواطف الناس كثيرة في البلد، ولا يوجد أسهل من رفعها، ولكن أين برنامج العمل؟ «لدينا خطّة تمتدّ إلى 20 سنة». يرفض عيسى الكشف عن التفاصيل، إلى حين الانتهاء من الاجراءات كافة.
المُفارقة في الموضوع، أنّه فور انتشار الخبر عن وجود توجّه «لِنفض» الكتلة الوطنية، برزت اعتراضات عددٍ من القدامى، وكأنّه كان ثمة حزب «كتلة» تجتمع وتنشط في المجتمع، أو كأنّ الحزبيين لم يتموضعوا في أحزابٍ أخرى. الأمين العام السابق للكتلة الوطنية جان حواط، هو أحد المعترضين. ورغم أنّ الأعضاء الجُدد في الحزب يؤكدون أنّ ابنته وحفيدته «موافقتان (على انتقال الحزب من آل إده) وستنشطان معنا»، ينفي حواط أن يكون أحدٌ قد تواصل مع عائلته. يقول إنّه لا يستطيع بعد أن يحكم على ما يحصل، لأنّه غير مُطلع على التفاصيل. ولكن، «شي مش صاير قبل ومش لازم يصير». لماذا؟ «لأنّ الكتلة تخصّ جمهوراً وتاريخاً وشعباً ضحّى، وليس كارلوس فقط الذي لا يُحبّ السياسة ولم يتربّ في الكتلة، بل في البرازيل».