غاب تشكيل الحكومة فحضرت الجلسة التشريعية. جدول أعمال غني ينتظر جلسة الاثنين، لكن أبرز البنود إخضاع الصفقات العمومية لإدارة المناقصات. إلى جانبه اتفاقيات قروض واعتمادات تتخطى الألف مليار ليرة. لكن هل يتكرر سيناريو انسحاب «المستقبل» عندما تقر «القوانين الضرورية»، أم أن الإجراءات التي اتخذها الرئيس نبيه بري ستكون كفيلة بالتزام الجميع البقاء حتى نهاية جدول الأعمال؟تنعقد الجلسة التشريعية الثانية في ظل تصريف الأعمال، بعد غد الاثنين، بجدول أعمال سبق أن أقرته هيئة مكتب مجلس النواب في 25 تشرين الأول ووزع على النواب من دون تحديد موعد الجلسة. فضّل الرئيس نبيه بري حينها التريث في الدعوة، تماشياً مع موجة التفاؤل التي كانت تعم البلاد. ففي ذلك الوقت كانت كل المعطيات تشير إلى أن رئيس الحكومة لن يتأخر في الانتقال إلى بعبدا حاملاً معه التشكيلة الحكومية. لم يكن ينقصه حينها سوى حل عقدة القوات، هو الذي لم يتوقع أن تقف عقدة «سنّة 8 آذار» في طريق التشكيل.
حُلّت العقدة الأولى وتبين أن التوقعات بشأن العقدة الثانية لم تكن واقعية، فطارت الحكومة وحضرت الجلسة التشريعية، لكن مع سقوط تام لمصطلح تشريع الضرورة. فبعد ستة أشهر من تكليف الحريري تشكيل الحكومة، لم تعد هنالك حاجة حتى لتبرير عقد جلسة لحكومة تصريف الأعمال، فكيف بجلسة يعقدها المجلس النيابي في عقد عادي؟
في الجلسة التشريعية الأولى (25 أيلول)، قدّر تيار المستقبل الضرورة بما يتناسب مع أجندته التشريعية، فانسحب مع القوات، عندما أقرت اتفاقيات قروض مرتبطة بمؤتمر سيدر، من دون أن يعير أي اهتمام لقوانين تتعلق بإعطاء حقوق لمستحقيها. وعلى رغم أن النصاب كان مؤمّناً حينها، إلا أن رئيس المجلس لم يتردد في رفع الجلسة، رغبة منه بالحفاظ على التوافق القائم.
في الجلسة المقبلة، يسعى بري إلى عدم تكرار السيناريو السابق. فقد نقل نواب شاركوا في لقاء الأربعاء عن رئيس المجلس قوله إنه لن يرفع الجلسة إلا في حال فقدان النصاب العددي. وهو لم يكتف بذلك، إنما أعد جدول الأعمال بما يُلزم تيار المستقبل بالبقاء حتى نهاية الجلسة، واضعاً ثلاثة اقتراحات مقدمة من نواب في المستقبل في البنود 26 و27 و32 من جدول الأعمال المتضمن 39 بنداً. وكما جرت العادة في فترة تصريف الأعمال، فإن السباق بين الكتل يتركز على تحويل مشاريع القوانين التي تهم كل طرف إلى اقتراحات قوانين تصل إلى الهيئة العامة بالبريد السريع. في جلسة الاثنين 20 اقتراح قانون معجل مكرر يسعى مقدموها إلى تمريرها.
يشكل البند الأخير المفاجأة الأكبر في الجدول. فهو يبدو بمثابة بقعة ضوء في إطار مكافحة الفساد وإقفال دكاكين الاتفاقات الرضائية والمناقصات الشكلية التي تنفذ في 95 في المئة من الصفقات العمومية. ولا شك في أن تمرير هذا الاقتراح المقدّم من حزب الله وحركة أمل لن يكون سهلاً. فالمستفيدون من الواقع الراهن كثر. لكن هؤلاء أنفسهم لن يكون سهلاً عليهم أيضاً تبرير أي موقف معارض للاقتراح أمام ناخبيهم.
بري لن يرفع الجلسة إلا في حال فقدان النصاب العددي


في الجلسة المقبلة يعود قانون المياه إلى المجلس النيابي مجدداً بعدما أقر في نيسان الماضي. حينها سحبه الرئيس بري من اللجان إلى الهيئة العامة، لإقراره قبيل مؤتمر سيدر، حيث كانت الدول المشاركة تشترط إقراره للحصول على قروض تتعلق بالقطاع. أقر القانون شكلاً، فيما بقيت اللجنة الفرعية المنبثقة من اللجان المشتركة تدرسه. وها هي اليوم تعود بتعديلات، يشير النائب حكمت ديب، موقّع القانون مع النائب جورج عقيص، إلى أنها بسيطة. ما يعني إصراراً نيابياً على قانون يسعى إلى خصخصة قطاع المياه، من دون أن يكون للبنان أي استراتيجية مرتبطة بتلك الثروة الوطنية. وعليه، يصبح إنجازاً أن تكون النسخة المعدلة قد استغنت عن مصطلحات تعود إلى العام 1925، لم يتنبه لها من أعد ومن درس ومن أقر النسخة الأولى، كأن تمر عبارة «قرار خاص من رئيس الدولة» التي صارت «مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء» وعبارة «مدير النافعة» التي صارت «الوزير».
كما كل جلسة، لن يكون الوضع المالي والاقتصادي المتردي عائقاً أمام صرف مئات المليارات من الأموال العمومية. في الجلسة المقبلة سيذهب المبلغ الأكبر، أي 642 مليار ليرة لتغطية عجز مؤسسة الكهرباء. كما سيعمد المجلس إلى إقرار اعتماد إضافي لمواجهة النقص في الدواء في وزارة الصحة بقيمة 75 مليار ليرة. وقد كان لافتاً أن الوزارة لم تنتظر المجلس ليقر الاعتماد، بل عمدت إلى الالتزام بعقود أدوية، لأسباب إنسانية، هي نفسها الأسباب التي ستجعل القانون يمر في الجلسة.
بنود الاعتمادات لا تنتهي هنا. تيار المستقبل يطالب، عبر اقتراح معجل، بصرف اعتماد بقيمة 337.5 مليار ليرة لتنفيذ مشاريع في مختلف المناطق، سبق أن أقرها مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة (21 أيار الماضي). والتيار الوطني الحر يطالب أيضاً، من خلال اقتراح معجل مكرر، بفتح اعتماد إضافي في الموازنة بقيمة 123 مليار ليرة لتنفيذ مشاريع عبر مجلس الإنماء والإعمار.
وسيكون المجلس على موعد مع خلاف كبير، مرتبط باقتراح القانون المتعلق بالموارد البترولية في البر. وهو خلاف سبق أن شهدته اللجان المشتركة، قبل أن تترك للهيئة العامة حسم الخلاف المتعلق بمرجعية البت بتراخيص التنقيب. هل هي مجلس النواب أم مجلس الوزراء؟ وهذا خلاف لا يخلو من صراع الصلاحيات القائم بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. فحزب الله وحركة أمل يعتبران أن العقود التي ستوقع هي بمثابة التزام يخضع للمادة 89 من الدستور (لا يجوز منح أي امتياز أو التزام لاستغلال مورد من موارد ثروة البلاد الطبيعية... إلا بموجب قانون)، فيما المستقبل والتيار يعتبران أن هذه المادة لا تصلح للتعامل مع عقود النفط، ويعتمدان على سابقة عقود النفط في البحر، التي يعطي القانون صلاحية بتها لمجلس الوزراء.
من جهة أخرى، يبدو أن الرفض الكبير للتمديد لامتياز زحلة انتهى بتوافق عوني قواتي على تمرير التمديد لسنتين. ببساطة لأن أحداً لا يستطيع أن يحمل وزر اتهامه بحرمان أهالي زحلة وجوارها من الكهرباء 24 / 24.
من الاقتراحات أيضاً واحد مقدم من الوزير سيزار أبي خليل يجيز للقطاع الخاص إنشاء معامل لمعالجة النفايات الصلبة وتحويلها إلى طاقة كهربائية، وآخر من النواب طارق المرعبي وديما جمالي ورولا الطبش ومحمد سليمان لإلغاء الرسم المقطوع على الشركات، الذي كانت وزارة المالية قد بدأت استيفاءه قبل أن يجمد العمل به تمهيداً لإلغائه.
للنائبة بولا يعقوبيان ثلاثة اقتراحات، أحدها يطالب بمنح النائب الصفة والمصلحة لطلب إبطال الأعمال الإدارية، ومنها مراسيم منح الجنسية اللبنانية، وآخر يرفع تحفّظ لبنان على أحد بنود اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة. وهذا البند متصل بمنح المرأة جنسيتها لأبنائها.
هذه المرة تأمل رئيسة لجنة المفقودين ​وداد حلواني أن لا يخيب ظنها. في الجلسة الأخيرة، حضرت في المكان المخصص للضيوف والصحافيين في القاعة العامة. طال انتظارها وهي تسمع مداخلات لا تغني ولا تسمن. رفعت الجلسة حينها قبل مناقشة اقتراح قانون المفقودين قسراً، فخرجت حلواني بصمت، هي التي صار الانتظار لها عادة كما كل أهالي المفقودين.