المُتَّهم خليل صحناوي خارج القضبان قريباً؟ هل أُنجِزت التسوية لإخراج البطل الرئيسي لأكبر عملية قرصنة إلكترونية في تاريخ لبنان؟ لماذا كل «الحرتقة» لعدم السير بهذا الملف إلى نتيجة واضحة؟ هل يُعقل أنّ تعجز الأجهزة الأمنية عن تحديد الجهة التي يُحتمل أنّ يكون صحناوي سلّمها داتا الدولة اللبنانية بأُمّها وأبيها؟يوم 10 تشرين الأول 2018، أصدر قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا قراراً اتهامياً بحق صحناوي والقراصنة المتهمين بالعمل لحسابه. وبموازاة ذلك، كان قاضي التحقيق في بيروت أسعد بيرم يتابع تحقيقاته في القضية نفسها التي جُزّئت إلى قسمين: الأول متصل بالقرصنة الواقعة على أجهزة أمنية رسمية، تولاها القضاء العسكري؛ والثاني متعلّق بالقرصنة التي استهدفت مؤسسات رسمية مدنية وشركات خاصة. وبعد انتهاء فرع المعلومات من التحقيق في القضية، طلب بيرم من مديرية استخبارات الجيش، عبر النيابة العامة التمييزية، محاولة فتح الملفات التي ضُبِطت في حواسيب وحافظات معلومات صودرت من منزل صحناوي وشركته. فبعض تلك الملفات مشفّر بطريقة معقّدة قال تقنيو فرع المعلومات إنه من المستحيل فكّها من دون أن يزودهم مشفّرها بكلمات المرور. وزعم صحناوي خلال التحقيق أنه نسي كلمات المرور لأنه شفّر الملفات قبل سنوات، ولم يستخدمها بعد ذلك.
حتى ذلك الحين، كانت الأمور تسير بصورة طبيعية. لكن، فجأة، تدخّل وزير العدل سليم جريصاتي، وأحال ملف التحقيق الموجود في حوزة بيرم على التفتيش القضائي، للتدقيق في المزاعم الإعلامية التي تتهم القاضي المذكور بتسريب معلومات من الملف، وفي ما إذا كانت القضية كناية عن تجريم بلا أدلة! واستند جريصاتي إلى تقارير نشرتها مواقع إلكترونية خليجية قررت شن حرب شعواء على بيرم، متهمة إياه بالعمل لحساب حزب الله... والحوثيين! فجأة أيضاً، تقدّم وكلاء صحناوي بطلب لتنحية بيرم.
تأخرت استخبارات الجيش في الإجابة على استنابة قاضي التحقيق في بيروت. وقبل أن تنهي عملها، وقعت سلسلة حوادث «مدهشة» في توقيتها:
- توقفت استخبارات الجيش عن مخابرة المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود لوضعه في صورة تطورات الملف، وصارت تخابر بدلاً عنه مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس.
- أقفِل الملف في التفتيش القضائي.
- سحب وكلاء الدفاع عن صحناوي طلب تنحية بيرم عن الملف.
- ردّت محكمة التمييز، برئاسة القاضي جوزف سماحة، شكلاً، طلب القاضي جرمانوس تعديل أحد مواد الاتهام التي أصدرها أبو غيدا بحق أحد شركاء الصحناوي.
لم تتوقف الظواهر المدهشة. أنهت استخبارات الجيش تحقيقاتها، وأحالت الملف على جرمانوس، الذي بعث به إلى بيرم بواسطة النيابة العامة التمييزية. وأرفق جرمانوس النتيجة بـ«درس قانوني» لرئيسه، المدعي لعام التمييزي، يُخبره فيه ما مفاده أن تواصل القضاء مع استخبارات الجيش يجب أن يمر بالنيابة العامة العسكرية حصراً. حدّد القاضي بيرم جلسة لاستجواب الموقوفين (صحناوي وشريكيه)، لكن لم يتمكّن من عقد الجلسة بسبب عدم سوقهم من مكان توقيفهم إلى مكتبه! نتيجة تحقيقات استخبارات الجيش لم تضف شيئاً ذا قيمة على ما سبق أن توصّل إليه محققو فرع المعلومات. مرة جديدة، تحضر المفاجأة: بعد أشهر من التحقيق، قرر بيرم أن يسأل النيابة العامة الاستئنافية في بيروت رأيها. فقد تبيّن له أن الكثير من التهم التي سيوجهها إلى صحناوي وشريكيه هي نفسها التهم التي وجهها لهم القاضي رياض أبو غيدا. وطلب قاضي التحقيق من النيابة العامة أن تحسم له ما إذا كان في مقدوره الاستمرار بالنظر في القضية، أم أن عليه أن يحيل الملف على القضاء العسكري لتوحيد جزأيه.
وفي الثاني من الشهر الجاري، ردّت النيابة العامة بالقول إن أفعال المدعى عليهم تنطبق عليها نصوص المواد الجرمية نفسها التي اتهم بموجبها قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا الموقوفين الثلاثة. وتماشياً مع مطالعة النيابة العامة، أصدر بيرم قراره بإعلان عدم اختصاصه للنظر في الملف، وبإحالته على القضاء العسكري.
وبحسب المعلومات، استند بيرم في قراره على المادة ٢٤ من قانون القضاء العسكري التي تنص على أن لهذا القضاء الصلاحية الحصرية للنظر بالجرائم المنصوص عليها في المادتين 281 و282 من قانون العقوبات. وهاتان المادتان تنطبقان، في رأي بيرم والنيابة العامة في بيروت، على الجرائم المنسوبة إلى صحناوي.
قبل أن تنهي استخبارات الجيش عملها، وقعت سلسلة حوادث «مدهشة» في القضية


ما جرى في الملف هو عملية قضائية شكلاً. أما في المضمون، فتختفي محاولة لـ«ضبضبة» الملف، وتسهيل إطلاق صحناوي من السجن. فهذه الإجراءات القضائية ترافقت مع اتصالات سياسية عالية المستوى، تهدف إلى أمر واحد: إخراج صحناوي من السجن. فهل سيحصل ذلك قريباً؟
تجدر الإشارة إلى أنّ قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا كان قد أصدر الشهر الفائت قراراً اتهامياً طلب فيه محاكمة الموقوفين خليل صحناوي، رامي ص. وإيهاب ش، بجرم «قرصنة مواقع إلكترونية عائدة لقوى الأمن الداخلي، والأمن العام وأمن الدولة، والحصول على معلومات سرية يجب أن تبقى مكتومة حفاظاً على سلامة الدولة، وعلى اختراق البريد الإلكتروني الخاص برؤساء وضباط في هذه الأجهزة، وسرقة قاعدة البيانات العائدة لهم وللمؤسسات الأمنية». واتهم أبو غيدا صحناوي بارتكاب الجريمة المنصوص عليها في المادة 282 من قانون العقوبات، التي تنص على أنّ «من سرق أشياء أو وثائق أو معلومات (يجب أن تبقى سرية) أو استحصل عليها، عوقب بالأشغال الشاقة المؤقتة»، أي السجن لحد خمس سنوات. وألحقها في الفقرة الثانية بالإشارة إلى أنّه إذا اقتُرفت هذه الجناية لمنفعة دولة أجنبية كانت العقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة.