تتوالى فصول القلق على مصير هيئة أوجيرو. الموظفون مذعورون من احتمال خسارة وظائفهم، بعدما صاروا متيقنين من خسارة جزء من دخلهم، أولاً من خلال تقليص عدد الساعات الإضافية، وثانياً من خلال ما يتم تداوله، ولم تنفه الإدارة، عن نيتها خفض إكرامية نهاية العام (منحة الانتاج). الأخطر بالنسبة لموظفي أوجيرو، ما يصفه بعضهم بالتدمير المنهجي للهيئة مقابل زيادة نفوذ القطاع الخاص في القطاع، في التفاف على القانون 431 الذي ينظم القطاع ويضع قواعد واضحة للخصخصة تمر كلها عبر الهيئة المنظمة للقطاع.
اليوم يبدو أن الموسى وصلت إلى صيانة شبكة الهاتف الثابت، التي يتردد أن قسماً منها سيلزّم إلى القطاع الخاص. ذلك خبر أدى إلى استنفار بين الموظفين، وجعل نقابة أوجيرو تدعو إلى اجتماع طارئ اليوم، بجدول أعمال مؤلف من نقطتين: التداول في مصير أوجيرو والعاملين فيها في ضوء الأخبار المتداولة، ومصير إكرامية آخر السنة.
في ما يتعلق بالإكرامية، فقد اعتاد موظفو أوجيرو انتظار نهاية العام ليحصلوا على الإكرامية المسماة «منحة الانتاج» (Bonus). تحتسب هذه المنحة على أساس 15 في المئة من الراتب السنوي بالنسبة للمستخدم و25 في المئة بالنسبة للمهندسين، وتقدّر قيمتها بما يقارب راتب شهرين. وإذا كانت مصادر الإدارة تتحدث عن ربط الإكرامية بالتقييم الذي سيجرى لكل الموظفين، فإن مصادر متابعة تؤكد أن ذلك لا يستوي مع واقع العمل في الهيئة، انطلاقاً من أن العمل فيها ليس فردياً بل جماعي، خصوصاً أن ثمة فارقاً كبيراً في طبيعة عمل الموظفين المقسّمين بين إداريين ومهندسين وتقنيين.

الموظفون قلقون
وعلى أهمية خبر تخفيض الإكرامية، إلا أن الأولوية أعطيت لما أشيع عن قرار وزارة الاتصالات تحويل جزء من أعمال صيانة شبكة الهاتف الثابت إلى إحدى شركات مجموعة «هولكوم» التي تملك GDS وIDM وCyberia وC-COM وEcoNet وCable Vision…
الأكيد أن الخبر لم يأت من فراغ. فقد تم تداوله بين الموظفين منذ أكثر من أسبوعين، استناداً إلى معلومات عن طلبات متكررة لتسليم الأشغال غير المنفذة ومتأخرات أعمال الصيانة إلى شركات خاصة. خبر من هذا النوع، يعني بالنسبة للموظفين بداية نهاية أوجيرو، وبالتالي حرمانهم من لقمة عيشهم. هؤلاء يدركون أن الهيئة تقوم بالصيانة بلا أي تعقيدات، أما التأخير في إنجاز الأعمال، فيعود إلى أمرين: الأول تأخر وزارة الاتصالات بتوقيع عقد الصيانة مع أوجيرو للعام 2018 (وهو أمر سبق أن اشتكت منه إدارة أوجيرو، وأحدث توتراً بينها وبين الوزارة)، والثاني الخلاف المستمر بين المدير العام للهيئة عماد كريدية ومدير الشبكات هادي أبو فرحات، ما يؤدي إلى عدم تأمين حاجة المديرية من الموظفين، مقابل تركيز التوظيف السياسي في مديريات أخرى، إضافة إلى عدم تأمين حاجات المديرية من معدات الصيانة والآليات.
وتضع مصادر النقابة هذه الخطوة في سياق خطة مدروسة، بدأت برفض الوزير توقيع العقد مع أوجيرو للعام 2018، واستكملت بإعطاء الشركات الخاصة حق الاستفادة من شبكة الفايبر اوبتيك لقاء بدلات تراها النقابة زهيدة، وسبقها إعطاء شركات محدودة عقداً بقيمة 300 مليون دولار لتمديد الفايبر في كل لبنان، بالرغم من أن كل الوزراء المتعاقبين أكدوا أن أوجيرو يمكنها، بقدراتها الذاتية، أن تقوم بهذه المهمة. ولذلك، وتداركاً من الموظفين لما هو أسوأ، قاموا، مع الاتحاد العمالي العام، بالطعن بقرارات الجراح إعطاء تراخيص مد الفايبر أوبتيك للشركات الخاصة، ثم استكملوه بطعن جديد بالمرسوم الذي يعطي الحق نفسه للقطاع الخاص، وها هي نقابة أوجيرو تعقد اجتماعاً اليوم، يتوقّع أن يكون عاصفاً، بحسب ما بدت أجواء أمس، إذ أكد البعض أن يوم الثلاثاء قد يُخصص للقيام بتحرك كبير لمنع الاستمرار في اقتطاع صلاحيات هيئة أوجيرو.

أوجيرو تنفي
لكن في المقابل، واستباقاً لأي ردة فعل من الموظفين، أصدرت أوجيرو بياناً، مساء أمس، أكدت فيه «استمرار عقد الصيانة مع وزارة الاتصالات»، نافية أن يكون هذا العقد «سينتقل إلى مجموعة هولكوم».
كما أكد البيان أن «هذا الامر لم يكن مطروحاً ولن يكون كذلك لا اليوم ولا في المستقبل القريب والبعيد، وهي مستمرة في عملها وفق العقد الموقّع مع الوزارة على نحو كامل».
وأشارت إلى أنها «وقّعت عقداً عن العام 2018 مع المديرية العامة للاستثمار والصيانة والمديرية العامة للانشاء والتجهيز في وزارة الاتصالات، بموجب المرسوم الصادر عن مجلس الوزراء رقم 3269 القاضي بتوسيع المشاريع المتعلقة بالصيانة ومد شبكة الألياف الضوئية على مستوى لبنان وتأهيل بعض المباني».
كيف تحصل أوجيرو على الاعتمادات قبل توقيع العقد مع وزارة الاتصالات؟


وفيما أدى البيان غايته في طمأنة الموظفين، إلا أنه ساهم في المقابل في طرح شكوك بشأنه، خصوصاً أن المعني بالرد هو وزارة الاتصالات، التي لم تعلّق على الخبر.
كذلك يتناقض مضمون البيان مع ما سبق أن أعلنته مصادر مطلعة عن أن العقد قد وقع مؤخراً من قبل المدير العام للاستثمار باسل الأيوبي ومن قبل المدير العام لهيئة أوجيرو عماد كريدية، ثم قام وزير الاتصالات بتحويله إلى ديوان المحاسبة لأخذ موافقته قبل التوقيع، إلا أن الأخير لا يزال معترضاً على بعض بنوده، وقد رد المشروع إلى الوزارة أكثر من مرة لتعديله، وهو لم يوافق عليه حتى اليوم. ويعني ذلك بوضوح أن العقد لم يصبح نافذاً بعد، خلافاً لما يوحيه بيان أوجيرو. ثم، ما علاقة المديرية العامة للانشاء والتجهيز بتوقيع العقد، بينما درجت العادة أن تقوم المديرية العامة للاستثمار والصيانة بتوقيعه، لكونها المعنية بالصيانة، على ما يوحي اسمها؟ والأهم، لماذا تجنّب البيان الإشارة إلى أن تاريخ المرسوم رقم 3269 يعود إلى 19 حزيران 2018، أي أنه أُقرّ بعد 6 أشهر من بداية العام؟ ولماذا لم يشر إلى رقم العقد، إذا كان فعلاً قد وُقع وحصل على موافقة ديوان المحاسبة؟
حتى مع التسليم بأن ما يطرحه البيان دقيق، ومع افتراض ان العقد وُقِّع بمجرد صدور المرسوم في الجريدة الرسمية، فكيف تم تأمين الاعتمادات عن الفترة الممتدة من بداية 2018 لغاية حزيران، ووفق أي سند قانوني كانت تجرى أعمال الصيانة؟ وهل احترمت وزارة الاتصالات قانون المحاسبة العمومية خلال الأشهر الماضية، أو حتى خلال العام 2017، الذي لم يتم خلاله توقيع عقد الصيانة أيضاً؟ وهل عدم توقيع العقد يعود إلى رغبة في التخلص من موجبات التعاقد المحددة في قانون المحاسبة العمومية، وبالتالي التخلص من موجبات الرقابة، بحيث يصبح الصرف والتوظيف مقيداً بشروط العقد؟