بعد توقف قسري استمر منذ تشرين الأول الماضي، عادت وزارة المال الى تنظيم المزادات الأسبوعية لإصدار سندات الدين بالليرة (سندات الخزينة)، المخصصة لتمويل العجز في الموازنة العامّة. ووفق المعلومات، أصدرت الوزارة يوم الاربعاء الماضي سندات بقيمة 1200 مليار ليرة، تستحق بعد 15 سنة، بسعر فائدة يبلغ 10.50% سنوياً، يُدفع كل 6 أشهر بمعدّل 5.25%.أدار مصرف لبنان هذا الإصدار لصالح الوزارة كالعادة. وشرحت مصادر مصرفية الآلية التي اعتمدت على الشكل التالي:
سمح مصرف لبنان للمصارف التجارية بحسم جزء من ودائعها بالليرة لديه للاكتتاب في هذا الإصدار. وبلغ الطلب على شراء السندات من قبل المصارف نحو 7300 مليار ليرة، إلا أن مصرف لبنان لم يسمح لها بالاكتتاب الا بقيمة 1200 مليار ليرة فقط، وذلك في إطار سياسته الحالية الرامية الى ضبط السيولة بالليرة ومنع عرضها في السوق وتحويلها الى طلب إضافي على الدولار.
ليس هذا فحسب، بل عمد مصرف لبنان الى دعم سعر الفائدة على هذا الإصدار، إذ باع السند الواحد بسعر 9693 ليرة بدلاً من 10000 ليرة، وبالتالي منح المصارف المكتتبة ربحاً فورياً بقيمة 307 ليرات على كل سند، بالاضافة الى ربح الفائدة السنوية المحدد، ما يعني أن سعر الفائدة الحقيقي هو اعلى من سعر الفائدة الاسمي بنحو 0.42 نقطة. ووفق المصادر المصرفية، فإن سعر الفائدة الحقيقي أصبح 10.92%، وهو يتناسب مع سعر الفائدة الذي يدفعه مصرف لبنان للمصارف على شهادات الايداع الصادرة منه والتي تشبه سندات الخزينة الصادرة عن وزارة المال.
أمّن مصرف لبنان ربحاً فورياً للمصارف قيمته 36 مليار ليرة


في حساب بسيط لهذه العملية، أصدرت وزارة المال 120 مليون سند، وحصلت على 1200 مليار ليرة، إلا أن المصارف سدّدت ثمناً لهذه السندات بقيمة 1163 مليار و160 مليون ليرة، في حين تحمّل مصرف لبنان الفارق، أي 36 ملياراً و840 مليون ليرة، وبالتالي ربحت المصارف المكتتبة هذه القيمة فوراً، وستربح بالاضافة الى ذلك نحو 63 مليار ليرة كل 6 أشهر على مدى 15 عاماً، أي ما مجموعه 1890 مليار ليرة على طول هذه الفترة، وهذا ما يفسر ارتفاع طلبها على الاكتتاب في الإصدار المذكور.
ووفق مصادر مطّلعة، ستتواصل المزادات الاسبوعية، إذ من المقرر أن ينفذ مصرف لبنان إصدارين جديدين لحساب وزارة المال في الاسبوع المقبل وفي الاسبوع الذي يليه، وعُلم أن أحد هذين الإصدارين سيكون لمدة 20 عاماً.
وكان مصرف لبنان قد اتخذ قراراً قبل شهرين بالتوقف عن الاكتتاب في سندات الخزينة مباشرة، في حين عمد، في اطار سياسة ادارة السيولة، الى رفع الفائدة على ودائع المصارف لديه بما يفوق كثيراً سعر الفائدة الاسمي على سندات الخزينة، إذ بدأ يدفع للمصارف 10.50% على 10 سنوات في حين أن سعر الفائدة على سندات الخزينة للفترة نفسها كان يبلغ 7.46%. وقد اسفر ذلك عن أزمة تمويل خانقة للموازنة، وأدى الى استنزاف حساب الخزينة العامة لدى مصرف لبنان (الحساب 36) الذي تحتفظ فيه وزارة المال بالسيولة التي تحتاج إليها في الحالات الطارئة. ومارس حاكم مصرف لبنان رياض سلامة ضغوطاً على وزارة المال لرفع أسعار الفائدة قبل أن يحرر بعض السيولة المحبوسة لديه، لتتمكن المصارف من الاكتتاب بسندات الخزينة مجدداً.
في الحصيلة، ارتفع سعر الفائدة الاسمي على سندات الخزينة بما لا يقل عن 3.46% دفعة واحدة، وستتحمل الخزينة العامة 3.04% منها في حين تحمّل مصرف لبنان 0.42%، وكسبت المصارف ربحاً بنسبة 10.92%. وفي كل الاحوال، سيتحمّل دافعو الضرائب المقيمون في لبنان هذا العبء على حساب دخلهم واستهلاكهم ومستوى معيشتهم.