رتابة تطورات تشكيل الحكومة، دفعت الاهتمام السياسي به إلى الخلف، لمصلحة النقاش حول الموقف من دعوة الدولة السورية إلى المُشاركة في القمة العربية التنموية، التي ستُعقد في بيروت في 19 و20 الشهر الجاري. انطلق البحث في الموضوع مع الانفتاح العربي على سوريا، خلال الأسابيع الماضية، ووجود فئة سياسية ترى «ضرورةً» في أن يشعر لبنان بأنّه معنيّ بالمبادرة تجاه تصحيح العلاقات مع سوريا، ويؤدي دوراً أساسياً في عملية استعادة مقعدها في الجامعة العربية. ففي ذلك انسجام لبناني مع الموقف الذي اتخذه عام 2011، الرافض لتعليق عضوية سوريا، ومع وجود مصلحة، على مختلف المستويات، في أن تكون العلاقة بين البلدين «طبيعية»، ولا سيّما أنّ العلاقات الدبلوماسية لم تنقطع يوماً، لا بل إنّها تعزّزت في عهد الوزير جبران باسيل، مع رفع التمثيل إلى مستوى سفير، بعد أن كان على مستوى قائم بالأعمال. لكن غياب إجماع داخلي على الموضوع، وتحديداً من قِبَل رئيس الحكومة المُكلّف سعد الحريري، تَرك لبنان من جديد «بين فكَّي» السعودية وحلفائها، في انتظار الإجراءات العربية لرفع الحظر عن دمشق، فيلحق هو بها. حتى إنّ الحريري رفض طرح باسيل أن يبادر لبنان، خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب المقبل، إلى الدعوة لعودة سوريا إلى «الجامعة». وفي هذا الإطار، يقول مسؤولون في «الخارجية» إنّ لبنان «لن يكون مُبادراً، لأنّها ستتحول إلى مادة سجال داخلية، وتُضعف المبادرة».وفقاً لهذه الاعتبارات، استُكمل لبنانياً الإعداد للقمة الاقتصادية، مع التسليم بأنّه لن تُدعى سوريا إليها. ولكن برز أمس موقفٌ لرئيس مجلس النواب نبيه برّي، يعتبر أنّه «في غياب حكومة، ولأنّ لبنان يجب أن يكون علامة جمع وليس علامة طرح، ولكي لا تكون هذه القمة هزيلة، نرى وجوب تأجيلها»، مؤكداً «ضرورة مشاركة سوريا في مثل هذه القمة». بدا التصريح، بالنسبة إلى مسؤولين في وزارة الخارجية، «حالة معزولة لها أسبابها الخاصة». ولكنّهم اعتبروا كلام برّي من خارج السياق، «لأنّ العمل جارٍ على قدم وساق لعقد القمة الاقتصادية، إن كان لناحية تحضير بعض المبادرات كإنشاء صندوق عربي للتعمير تستفيد منه كلّ الدول العربية المحتاجة، ويكون مركزه بيروت، ولناحية غياب أي بوادر عربية لتأجيلها». كلام رئيس المجلس النيابي، في هذا التوقيت بالذات، يعود من منظار المسؤولين في «قصر بسترس» إلى سببين: الأول، اعتراض برّي على دعوة ليبيا إلى القمة، «وإرساله، قبل مدّة، مبعوثاً إلى القصر الجمهوري لإبلاغ موقفه، فأتاه الردّ بأنّ لبنان مُضطر إلى أن يدعو جميع الدول الأعضاء في الجامعة العربية». أما السبب الثاني، «فقد يكون رغبةً من برّي في تصحيح علاقته مع سوريا، من بوابة القمة الاقتصادية. خاصة مع ما يُحكى عن وجود عتب من دمشق على موقف برّي الرمادي خلال السنوات الأولى للحرب السورية».
يعترض برّي على دعوة ليبيا إلى حضور القمة، وأبلغ موقفه إلى بعبدا


لا توافق مصادر فريق 8 آذار على كلام «الخارجية»، لافتةً النظر إلى أنّ موقف البارحة ليس يتيماً، بل ترافق مع إعلان برّي قبل أيام أنّه لن يُشارك في أي اجتماع للاتحاد البرلماني العربي، إذا لم تكن سوريا حاضرة فيه. وتشرح المصادر أنّ «سياسة لبنان الخارجية يُحدّدها مجلس الوزراء، وقد اتُّفق على النأي بالنفس». فإذا أراد البلد أن ينسجم مع موقفه، «عليه أيضاً أن ينأى بنفسه عن خلافات الدول العربية بين بعضها البعض، لا أن يأتي بها إلى لبنان ويُنظّمها على شكل قمّة. فليتصالح العرب بين بعضهم البعض، ويستعيدوا العلاقة مع سوريا، وبعدها نستقبلهم». تنطلق مصادر «8 آذار» من مبدأ الانسجام مع الذات، «نحن صوّتنا ضدّ قرار تعليق عضوية سوريا، ويوم أمس كان السفير السوري علي عبد الكريم علي في عداد السلك الدبلوماسي الذي استقبله الرئيس ميشال عون، فلماذا لا تتمّ دعوة دمشق؟». أما في الردّ على ما يُحكى عن أنّ برّي يهدف من خلال موقفه إلى كسب ودّ الدولة السورية، فترى المصادر أنّه «حجّة غير منطقية». وتزيد ساخرةً بأنّه «إذا افترضنا أنّهم مُحقون، وأنّ برّي يُشدّد على دعوة سوريا إلى القمّة ليُبيّض صفحته معها، فهل هذا يعني أنّ علاقتهم هم (وزارة الخارجية) بسوريا جيدة؟ إذا كان الجواب نعم، فلماذا يُريدون إفسادها بعدم دعوة دمشق؟».
لا تُنكر مصادر «8 آذار»، أنّ المُشاركة الليبية في القمّة الاقتصادية، دفعت رئيس المجلس النيابي إلى إصدار هذا الموقف. «قضية الإمام المُغيب موسى الصدر ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين، لا تزال عالقة». وتقول إنّ «هذه القضية تمنع تطبيع العلاقات مع ليبيا. والقضاء اللبناني عقد اتفاقاً مع القضاء الليبي للتعاون على كشف عملية الاختطاف، من دون أي تقدّم». انطلاقاً من هنا، لن يقبل برّي بحضور مسؤول ليبي إلى القمّة، خاصّة مع ما يُحكى عن أنّ المٌشاركة ستكون على مستوى رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السرّاج. ماذا لو لم يؤخَذ برأي برّي، وعُقدت القمّة؟ «فلننتظر تطورات الأيام المقبلة، ولكن التصريح لم يكن مُجرّد تسجيل موقف». العبارة الأخيرة التي تقولها المصادر المطلعة على موقف بري، تحمل في طياتها «تلويحاً» بخيارات إضافية، للاحتجاج على مشاركة وفد ليبي في القمة.
الجدل حول القمّة لا يتوقف عند موقف برّي الأخير، بل يشمل أيضاً تغيير عنوانها، وما يُحكى عن أنّه سيُعاد إحياء مبادرة السلام العربية - 2002. لكنّ المسؤولين في وزارة الخارجية ينفون النقطة الأخيرة، «أكيد لا نسعى إلى إعادة إحيائها لأنّه لا مُبرّر لها، وهي ستعني التطبيع مع الكيان الإسرائيلي. ولكن، إجمالاً، تحضر هذه المبادرة على الطاولة عند كلّ اجتماع عربي، لأنّها ورقياً لم تُسحب بعد، وهي المشروع العربي شبه الوحيد الذي هناك إجماع عليه». ما سيطرحه لبنان، «مبادرة يُطلقها رئيس الجمهورية، لها علاقة بقضايا التنمية». أما إطلاق تسمية «الازدهار من أجل السلام» على القمة التنموية، «فيُبحث حالياً إمكان التراجع عنه، لأنّ لوقعه دلالات سياسية سيئة». فالسلام الاقتصادي، يُعبّر عن المنطق الأميركي - الإسرائيلي، في مقاربة القضية الفلسطينية، «ويهدف إلى تذويب القضية». ويضيف المسؤولون في «الخارجية» أنّ السلام الاقتصادي «يعني التنمية والازدهار، ولكن من دون حقوقنا السياسية». على الرغم من ذلك، لا يعتقد هؤلاء أنّ طلب استبدال الاسم، «الذي صدر عن اللجنة المنظمة، لا عن الوزارة أو أمانة جامعة الدول العربية»، فيه خُبث سياسي. فهو يُطرح من خلفية «تحقيق السلام الاقتصادي بين الدول العربية المشاركة، التي تنخرها الخلافات، من أجل تعزيز التعاون بين العواصم العربية».