«الى الشارع»، نزل أمس آلاف المتظاهرين، للمطالبة بتغيير جذري للسياسات الاقتصادية. هي التظاهرة الأكبر منذ بدء التحركات المطلبية لمجموعات الحراك المدني (بيروت مدينتي، المرصد الشعبي لمحاربة الفساد، حراك المتن الأعلى، تيار المجتمع المدني...) والأحزاب المعارضة للسلطة (الحزب الشيوعي، التنظيم الشعبي الناصري، الحزب الديمقراطي الشعبي، حزب الطليعة...). المشاركون انطلقوا من البربير مروراً بالبسطة وصولاً الى بشارة الخوري، حيث مبنى الواردات التابع لوزارة المالية. تعددت المطالب التي سبق أن نٌصّت في بيان مشترك، لكن معظمها يركز على الإصلاح الاقتصادي عبر سياسة متكاملة تعتمد إعادة توزيع الثروة على قاعدة العدالة الاجتماعية والحق والحاجة، وليس على قاعدة الزبائنية والاستزلام والذل. لذلك حمل المتظاهرون لافتات ترفض الزيادة على القيمة المضافة أو زيادة الضرائب على محدودي الدخل والفقراء، مطالبين في المقابل بفرض ضريبة تصاعدية على الريوع العقارية والمصرفية تصل الى 30%، ولافتات أخرى تطالب بتحرير الملك العام، وعدم المس برواتب وأجور الموظفين والمتقاعدين، وتأمين تغطية صحية شاملة للمواطنين.عكس المرات السابقة التي كان البيان يذاع من أحد ممثلي الأحزاب المعارضة للسلطة، عهدت المسألة الى مجموعات الحراك الشعبي. فانتُدبت دارين دندشلي، إحدى الناشطات في «بيروت مدينتي» لقراءته. وتقول دندشلي لـ«الأخبار» إن «الكلمة جاءت موحدة بين مختلف المجموعات والأحزاب والقوى، وكان من السهل جداً التوافق على محتواها، لأن مطالبنا مشتركة». وتؤكد دندشلي أن التحرك بدا مختلفاً، لا سيما مع مشاركة «وجع الناس» فيه، وهو ما ظهر جلياً من خلال حجم المشاركة والوجوه الجديدة التي نزلت الى الشارع. أما الخطوات التالية، «فلم تقرر بعد، بانتظار الاجتماع التقييمي لمختلف القوى»، علماً بأن المجموعات المدنية التي نظمت منذ نحو أسبوع مسيرة من وزارة العمل الى وزارة الصحة، تنظم مسيرة أخرى في الثاني من شهر شباط، تنطلق من داخل الأحياء الشعبية لتلتقي أمام مبنى الـTVA ـــ العدلية.
غريب: «صار لازم تدفعوا لأنو نحنا مش رح ندفع»


من جهته، يشير الأمين العام للحزب الشيوعي حنا غريب إلى أن «إيجابية يوم أمس تمثلت في حضور أشخاص غير حزبيين، وهو ما يتلاقى مع وجهتنا بأن يحمل الحراك الطابع الشعبي لكل المتضررين من السياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تنتهجها السلطة». التركيز على المطالب نفسها «مقصود»، والرسالة واضحة: «على الدولة أن تتحمل وحدها نتائج الانهيار الاقتصادي، وما زالت مستمرة بالنهج عينه، أي القروض والفوائد. وباتت لا تخجل من الاعلان أن تدابيرها المقبلة ستكون غير شعبية وعلى حساب الناس، كرفع الضريبة وزيادة أسعار المحروقات وخفض الأجور وتحجيم القطاع العام». لذلك «آثرنا توجيه رسالة شديدة اللهجة الى هذه السلطة، خلاصتها أن اتخاذ أي إجراء ضد اللبنانيين وتحميلهم أعباء فشلها سيؤديان الى انفجار اجتماعي، والناس كما ترون لم تعد تخاف، بل أصبح عليهم هم أن يخافوا». يهمّ غريب أن يؤكد عدم رضوخ الشعب لأي ضغوط: «صار لازم تدفعوا لأنو نحن مش رح ندفع».
عدة أفكار تدور في رؤوس المنظمين، لا سيما أن المسؤولية باتت أكبر. ربما يكون التحرك المقبل «عبارة عن حملة إعلامية تثقيفية حتى يطّلع الشعب على المصيبة التي تنتظره. ما يسمونه إصلاح عبر «سيدر» وغيره، أثار موجة احتجاجات شعبية في فرنسا. سيترافق الأمر مع مجموعة تحركات على صعيد الأقضية والقرى والأرياف وعلى مستوى كل القطاعات، أكانت جامعية أم عمالية أم مهنية». على المقلب الآخر، كان لافتاً انضمام النائب بولا يعقوبيان الى التظاهرة، في حين لم تشارك في التحركات التي نظمتها المجموعات والأحزاب نفسها سابقاً. وتقول مصادر المنظمين إن اجتماعاً مطولاً عقد ليل أول من أمس بين النائبين بولا يعقوبيان وأسامة سعد، بحضور المجموعات المدنية: «مشاركة الاثنين جنباً الى جنب مهمة، ولو كانا من خلفيات مختلفة. وتمثيلنا في المجلس النيابي مهم أيضاً، لأننا نعتزم طرح الكثير من القوانين». من ناحية أخرى، انضمت «حركة الشعب» الى التظاهرة أيضاً، لأن «الدعوة بكل بساطة لم تكن موجهة من طرف أو حزب. وفي النتيجة هذا البلد للجميع»، يقول عمر واكيم. ويرى الأخير أن «المعركة طويلة. هناك نفس جديد من الناس يفترض أن ينالوا فرصتهم للتعبير أكثر. وهذا واجب على كل القوى الوطنية، ونحن من ضمنهم، أن تفتح المجال لهؤلاء الشباب كي يسهموا في العمل أكثر». لماذا لا تشاركون في الاجتماعات التحضيرية التي تعقد؟ «حركة الشعب واضحة في الاعلان التي أصدرته منذ 3 أسابيع، بأنها ستشارك في كل التحركات المطلبية، بغض النظر عن هوية الداعين اليها».

انضمت «حركة الشعب» الى التظاهرة أيضاً من دون مشاركة في الإعداد


منذ عام 2015، لم يسبق لأي تظاهرة أن جمعت هذا العدد من الناس الذين حضروا أمس. فوفقاً للناشط في المرصد الشعبي لمحاربة الفساد، واصف الحركة، «اختلطت الوجوه ما بين حزبية وأخرى من الحراك الشعبي وثالثة ضمت المجتمع المدني، وغالبيتهم من الشباب. وهو أمر مميز ومفيد كثيراً». يرى الحركة أن «التطور واضح من خلال تحديد المواجهة مع السلطة، كل السلطة. والبيان قدم طروحات تستوعب كل المعارضين للسلطة والمتضررين في الشارع. والأهم أن الجميع متوافق حول قرار مواجهة أي مسعى لزيادة الضرائب وصولاً الى منع فرضها». لكن للحركة ملاحظة على «الأعلام الحزبية التي رفعت اليوم، رغم الاتفاق السابق على تفاديها، بغية إعطاء التحرك بعداً وطنياً أكبر. فمجموعات الحراك الشعبي التزمت عدم رفع شعارات موقّعة باسم كل منها، بعكس الأحزاب المعارضة للسلطة»، وذلك «يتطلب معالجة حتى لا يضرّ بالتحرك لاحقاً». ما الخطوات المقبلة؟ «سيجري تصاعد تدريجي للتحركات وفق مطالب ثابتة ورؤية واضحة، في ما عدا المسيرة التي ننظمها في 2 شباط المقبل، والتي تنطلق من الأحياء الشعبية لتصل الى العدلية حيث مبنى الـTVA».



مطالب المتظاهرين باختصار: لا للضرائب على الفقراء
انتهت تظاهرة «كلنا عالشارع» بكلمة ألقتها دارين دندشلي، باسم المتظاهرين، قالت فيها: «لن نقبل بعد اليوم بأن يدفع الشعب فاتورة المشاريع الفاشلة، فيما السلطة وشركاؤها المستفيدون، من القطاعين المصرفي والعقاري الريعيين، يتهربون من دفع الضرائب ويعيشون على حساب المنتجين. نحن هنا اليوم لنطالب بدولة القانون، دولة وطنية مدنية لا تميز بين مواطنيها، دولة قائمة على مبادئ حقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية».
وأعلنت دندشلي مطالب المتظاهرين التي لخصت بـ :
«- رفض أي زيادة للضريبة على القيمة المضافة أو أي ضريبة تطاول الفقراء وأصحاب الدخل المحدود.
- تصحيح ضريبة الدخل لتصبح تصاعدية بشكل فعلي، وفرض ضريبة تصاعدية على فوائد الإيداعات المصرفية لحماية ادخارات الطبقة الوسطى، وضريبة غير قابلة للتهرب على الأرباح العقارية وتحويل الإيرادات لدعم الإسكان وحق السكن.
- تحرير الأملاك العامة وفرض ضريبة عالية على المعتدين عليها بدل «رسم الإشغال» الحالي المتدني (بما فيها الأملاك البحرية والنهرية وغيرها).
- رفض أي مساس بالتقديمات الاجتماعية أو بسلسلة الرتب والرواتب، واعتماد السلم المتحرك للأجور والتغطية الصحية الشاملة وحق التعليم وجودته».
(الأخبار)