عندما وقّع وزير الاقتصاد والتجارة السابق رائد خوري، في كانون الثاني من العام الماضي، عقداً مع شركة «ماكنزي» بقيمة مليون و300 ألف دولار أميركي، لإعداد خطة اقتصادية للدولة، برر ذلك بأن «ماكنزي» هي شركة محايدة، تمتلك الخبرات اللازمة، و«وجودها يمنح لبنان الصدقية أمام الجهات المانحة». كان ذلك في معرض الإعداد لاجتماع باريس 4 (أو «سيدر»)، واستمرّ هذا الادعاء حتى تسلل الى البيان الوزاري، الذي سيكون محور مناقشات النواب اليوم وغداً، تمهيداً لمنح الثقة للحكومة.المفارقة، أن دحض هذا الادعاء جاء من أهم المؤسسات المالية العالمية، التي تسعى الحكومة إلى كسب ودّها، وتقدّم دراسة «ماكنزي» على هذا الاساس. فقد نصحت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، البلدان الفقيرة بوقف اعتمادها على شركات الاستشارات العالمية لوضع استراتيجيات محلّية حول التنمية، ووصفت الإنفاق على الاستشاريين العاملين في هذه الشركات بـ«غير المجدي».
نصيحة لاغارد نشرها موقع «ياهوو» في أواخر الشهر الماضي، وتناقلها عدد من المواقع كموقع Business Insider. ووفق هذا التقرير، حملت نصيحة لاغارد نقداً مباشراً لشركات الاستشارات العالمية، وأثارت الدهشة كونها صادرة عن المديرة العامّة لأكثر المؤسّسات ترويجاً لأفكار السوق الحرّة واستيراد خدمات القطاع الخاص.
أتت هذه النصيحة على هامش مشاركة لاغارد في إحدى ندوات مؤتمر دافوس، في سويسرا، حول تمويل أهداف التنمية المستدامة، فتوجّهت إلى ممثّلي شركتي «ماكنزي» و«مجموعة بوسطن للاستشارات» الموجودين في القاعة، طالبة منهم الاستماع إليها جيّداً لكونها ستبعث برسالة عن طبيعة عملهم في هذه البلدان. وقالت إن «على البلدان المنخفضة الدخل والاقتصادات الناشئة وقف المشاريع التي تنطوي على هدر ومكافحة الفساد». وأضافت أن «للقطاع الخاص دوراً أساسياً لمساعدة البلدان الفقيرة على تحقيق أهداف التنمية المستدامة الـ17 التي حدّدتها الأمم المتحدة»، ولكنها حذرت هذه البلدان من استمرار التعامل مع هذه الشركات، خصوصاً أنها «تهدر ملايين الدولارات على الاستشاريين لقاء تكليفهم بوضع خطط واستراتيجيات موجودة في الأساس، ويمكن توفير هذه الأموال واستخدامها بطريقة أكثر فعالية للقيام بإجراءات عملية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة».
يقول المثل الشائع: «شهد شاهد من اهله». وهذا ينطبق على ما أدلت به لاغارد. فهل سيقرأه النواب وهم يناقشون البيان الوزاري الذي يلتزم مسبقاً بنتائج دراسة «ماكنزي»، حتى قبل مناقشتها في مجلس الوزراء؟