إلى أين يُريد أن يصل مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة القاضي بيتر جرمانوس؟ هل يفعل ما يفعل مِن رأسه، أم أنّ هناك مَن «يُشرعن» له شطحاته، سياسيّاً وعسكريّاً؟ رفعت «الأخبار» صوتها، أخيراً، ضدّ إحالته صحافيين على المحكمة العسكريّة، ولفتنا نظره، ونظر مَن يهمه الأمر، إلى أنّه لا يحق له أن يدّعي كذلك، بصفته، أمام محكمة المطبوعات. يبدو أنّ جرمانوس «انتبه» إلى أنّ الإحالة على المحكمة العسكريّة «مش زابطة». في الخبر الذي أرسله إلى الوكالة الوطنيّة للإعلام، أمس، يفيدنا القاضي بأنّ النيابة العامة العسكريّة «قرّرت إحالة كل خبر كاذب ينشر في وسائل الإعلام، وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، ويتناول الجيش اللبناني والأسلاك الأمنية والقضاء العسكري على محكمة المطبوعات». لولا ما سلف له مِن «فظاعات» قانونيّة، في الآونة الأخير، لعدّ هذا الخبر بلا معنى. كأنّه تذكير بالبديهي. يبيعنا سمكاً في البحر. عموماً، هو اعتراف بأنّ إحالة صحافيين على «العسكريّة» كان خطأ. هذا جيّد. بالمناسبة، جرمانوس يخضع، وهو في موقعه، لسلطة هيئة التفتيش القضائي. فهل سيُبادر «التفتيش» إلى محاسبة قاضٍ اعترف، وبخبر رسمي، بأنّه ارتكب خطأ مِن عيار «ما فوق الجسيم»؟ لقد مارس ضرب «حريّة الصحافة» في لبنان. فعلها ضدّ أبرز قيم «شعب لبنان العظيم». هذه لم تحصل سابقاً، على المستوى القضائي، وإن كانت حصلت، ممارسةً، فإنّها لم تُشرعن وكأنّها مِن طبيعة الأشياء.في الخبر نفسه، لا يبدو أنّ جرمانوس يُريد أن يكفّ عن مدّ يده إلى ملفات محكمة المطبوعات. لا يُريد أن يدع ما للعدلي للعدلي وما للعسكريّة لها. هو مُصرّ على الادّعاء أمام محكمة المطبوعات. على النائب العام لدى محكمة التمييز، الذي تشمل سلطته مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكريّة، إفادتنا إن كان يجوز الاستمرار في ذلك. على «التفتيش» أيضاً أن يفيدنا. الجيّد في الأمر أنّ القاضي رتّب على نفسه تحدّياً، إذ ترد، بحسب الخبر، عبارة «كلّ خبر كاذب». هذه تطاول وسائل التواصل الاجتماعي. ليته يفعلها. سننتظر. كوكب الأرض يُعاني اليوم مِن ظاهرة الأخبار الكاذبة والمضللة، وأساطين المصلحة في العالم عاجزون عن إيجاد صيغة معالجة، فيما يأتي جرمانوس حاسماً: لقد وجدت الحلّ. هل لديه محاكم تتسع لآلاف مِن أصحاب التغريدات الكاذبة، أو المضللة، أم أن الأمر سيكون انتقائيّاً، تصيّداً؟ أيّاً يكن، سنراقب حكاية «كلّ خبر» هذه. لا يفوت القاضي، في خبره، أن يُشير إلى أنّه يفعل ذلك «كي لا يرسخ في ذهن الرأي العام أي أثر للأخبار الكاذبة أو المضللة التي تسيء إلى هذه المؤسسات ودورها». كي لا يرسخ؟ ما هذه؟ كأنّها مِن أدبيات «محاكم التفتيش» في ما يُسمى «عصور الظلام». يحدث هذا في لبنان في القرن الحادي والعشرين. مِن أين يأتي للبعض قناعة، على الدوام، أنّ هذه الأساليب تنفع؟ أليست كلّ التجارب، لدينا وحولنا وفي العالم، كافية لِمن يُريد أن يفهم؟
يُقال إن القاضي جرمانوس كان «مناضلاً» ضد الوصاية. يُحكى أنّه اعتقل قبل نحو 27 عاماً، ووضِعَت عصبة فوق عينيه، وعاش أجواء تعذيبية. كان يوزّع المنشورات السياسيّة وما شاكل. أتراه اليوم يريد أن ينتقم، ولكن مِمَن؟ هل نحن أمام ذاك النوع المألوف مِن الثوّار، ضدّ الظلم، طلّاب الحريّة، الذي ما إن يصل إلى السلطة حتّى يُبادر إلى ظلم الآخرين؟ ذاك الصنف الذي يظهر أنّه مجرّد شخص كان ينتظر دوره للوصول... وقد وصل؟ هل تُسعِد هذه السمعة الفريق السياسي الذي يؤيّده جرمانوس، أو المحسوب عليه، بأن تصبح المحكمة العسكرية، العسكرية ما غيرها، أداة لتطويع الصحافيين؟ كل العهود تمضي، كيفما كان ستمضي، ولا يبقى إلا أن يؤرّخ لها. أكثر ما يؤرّخ هو الوصمات النافرة. المعنيّون على الأرجح لا يُحبّون ذلك. تدارك الأمر ما زال ممكناً.