أُصيب المتحمّسون لدراسة ماكنزي بخيبتين خلال أسبوع. الأولى نتجت من تعديل مسوّدة البيان الوزاري التي كانت تشير إلى تبني توصيات الاستشاري سلفاً، والثانية نتجت من النصيحة المفاجأة للمديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستين لاغارد للبلدان الفقيرة والناشئة بوقف اعتمادها على شركات الاستشارات العالمية، لأنها «غير مجدية». لذلك، كان لا بد من السعي إلى إعادة تعويم هذه الدراسة من خلال تسويقها، قبيل انعقاد الحكومة.ورشة العمل التي عقدت في المجلس النيابي أمس، وخُصصت لمناقشة توصيات «ماكنزي» لا تبتعد عن هذا السياق، بالرغم من أن رئيس لجنة الاقتصاد النائب نعمة افرام، صاحب الدعوة، يؤكد أنها مقررة منذ شهر.
الجلسة كانت جامعة لوزراء ونواب واقتصاديين، يتقدمهم وزير الاقتصاد والتجارة منصور بطيش، المعنيّ الأول، لكون وزارته هي الطرف الممثل للدولة اللبنانية في العقد المبرم مع ماكنزي. لكن على الرغم من ذلك، بدا بطيش، في الشكل، كواحد من المدعوين إلى حلقة نقاش، بطلاها مستشارة رئيس الجمهورية ميراي عون، ووزير الاقتصاد السابق رائد خوري، اللذان جلسا عن يمين افرام.
ليس مستغرباً أن تتبنى عون وخوري الدراسة، لكونهما من عرّابيها. لكن عملياً، ما علاقة مستشارة رئيس الجمهورية بمسألة من صلاحية وزارة الاقتصاد؟ وما علاقة وزير اقتصاد سابق بهذه المسألة بعدما غادر منصبه؟ هذا سؤال لا علاقة له بالفائدة التي يمكن أن يقدمها الطرفان، الأكثر اطلاعاً ربما على مضمون الدراسة، والأكثر قدرة على توضيحها. هو يتعلق بالإخلال بالانتظام العام. إذ بالرغم من أن لا شيء يمنع قانوناً من دعوة أيٍّ كان إلى لجنة أو ندوة، لكن رائد خوري، في هذه الحالة، لا صفة له، ووجوده لا يشكل إلا انتقاصاً من صلاحيات خلفه.
في خبر «الوكالة الوطنية للإعلام» إشارة إلى أن افرام افتتح ورشة النقاش المتخصص عن تقرير خطة ماكنزي، في مكتبة مجلس النواب، في سياق مواكبة اللجنة إعادة إحياء الدورة الإنتاجية للاقتصاد اللبناني على المستويين التشريعي والرقابي، مع موجز لكلمته، ثم موجز لكلمة عون. وبعد ذلك «كانت كلمات مقتضبة للوزيرين خوري وبطيش أكدا فيها أن المطلوب استحداث آلية رسمية لتنفيذ ما طرحه ماكنزي».
وضع بطيش وخوري في المرتبة نفسها، لا بل سبق خوري بطيش... هذا نص يعبّر تماماً عمّا أُريد لهذه الجلسة.
ورشة في مجلس النواب: مدعوون بلا صفة يدافعون عن «ماكنزي»


مع كلمة بطيش تبين أن الارتباك ليس مرتبطاً بالشكل فحسب. قال وزير الاقتصاد، الذي بات صاحب الصلاحية في مسألة ماكنزي، في كلمته «المزعجة» إنه «لم يتسنّ لي الوقت للتعمُّق بدَرس ما قدمه الاستشاري والتّدقيق فيه. تسلّمنا رسميّاً البارِحة شرائِح عَرض (power point) تقع في 1272 صَفحة. أحتاج لبعض الوقت لأُدلي بموقف وِزارة الاقتِصاد والتّجارة (...) واكتفي الآن بالتذكير بما ورد في البيان الوزاري»، وتلا الفقرة التي تقول «إن برنامج الحكومة هو سلة متكاملة من التشريعات المالية والاستثمارية والقطاعية ومن الإجراءات الإصلاحية التي يرتبط نجاحها بعدم تجزئتها أو تنفيذها انتقائياً وأن يستكمل ما يقرّ من توصيات دراسة الاستشاري ماكنزي». وانطلاقاً من ذلك قال: «هُنالك مراحل يَجب إنجازُها، تبدأ بإحالة وزارة الاقتصاد ما قدَّمته ماكنزي إلى مجلِس الوزراء، على أن يلي ذلك اتخاذ المجلس القرار في هذا الشأن». داعياً إلى التعامل مع ما قدمته ماكنزي «ليـس بوصفه خطة الحُكومة، بل بوصفه أفكاراً جيدة، بنّاءة وإيجابيّة ستَخضَع للدراسة»، واعداً بأنه سيوليها كل الاهتمام «لما فيه المصلحة العامة».
صحيح أن مترئس الجلسة نظر إيجابياً إلى كلام بطيش، معتبراً أنه كلام مسؤول، إذ لا يمكن أن يعطي موقفاً من أمر لم يطّلع عليه بعد، إلا أن «الماكنزيين» وجدوا في كلامه مبرراً للقلق. تماماً كما نظروا بعين الريبة إلى تعديل مسوّدة البيان الوزاري، التي أرادت أن تفرض برنامجاً اقتصادياً «يستند إلى المبادرات التي أوصت بها دراسة الاستشاري «ماكنزي»، بعدما وقف الوزراء رافضين التزام توصيات لم يطّلعوا عليها أو يقرروا في شأنها.
مرّت الورشة بكثير من التكرار للواقع الاقتصادي والمالي الراهن، إلا أن افرام أكد أنها ليست سوى البداية لسلسلة لقاءات وجولات، توضع في إطار السعي إلى الوصول، خلال ثلاثة أشهر، إلى خطة وطنية جامعة، تؤمن 30 ألف وظيفة سنوياً. وعليه، فهو يتعامل مع خطة ماكنزي كنقطة انطلاق أو مسودة طريق لخطة واحدة تتفرع منها خطط قطاعية في كل وزارة، جازماً بأنه لا يمكن تبني مسودة، بل يمكن الانطلاق منها نحو خطة وطنية يقرها مجلس الوزراء، على أن تحوز موافقة مجلس النواب الذي يبقى يراقب ويحاسب.