في مؤتمره الصحافي، أمس، وفي سياق ضربه مثلاً، قال فؤاد السنيورة: «مثلاً، كل واحد فيكم عنده دفتر شيكات وبتعرفوا، فـ(...)». باختصار، هذا هو السنيورة. كلّ الناس عنده يتداولون الشيكات. مَن لا يفعل، فهو في حيّز العدم. هو السنيورة، الذي ما ارتبط الصيت السيّئ بشخص، بين الناس، كما ارتبط به في جمهوريّة ما بعد «الطائف». سيكون عليه، إلى آخر حياته، أن يظلّ يخرج ليقول: «أنا آدمي، والله، أنا بريء». راح يُغادر كرسيّه، أمس، ثم يعود إليه، مواصلاً كلامه. بدا متوتّراً. ليست المرّة الأولى التي يُمارس فيها سلوك المتورّط. مرّة جديدة يخرج السنيورة ليقول: أنا بريء في حكاية الـ11 مليار الشهيرة، وغيرها. مِن سوء حظّه أن مقرّ نقابة الصحافة، حيث عقده مؤتمره، يشهد أعمال ترميم. الدرج إلى الطبقة الأولى مخلّع. الجدران، التي كانت ملوّنة، أصبحت كالحة باهتة. يا للفقر!يبدو أن أحدهم، في زمن ما، نجح في زرع حبّ الأمثال الشعبيّة والتشابيه اللغوية في نفس السنيورة. تفجّرت موهبته، أمس، بتشبيه: «ما فيك تجمع ليمون وتفّاح». مَن قال له ذلك؟ كرّرها مراراً وكأنّها ثابتة علميّة. ذوقه الشخصي هو قاعدة للجميع، ويفترض، بسذاجة، أن الناس يعتاشون مِن حاسّة ذوقه. تطرّق إلى الصحف الصفراء، فكانت عبارة «الصحف الزرقاء» أسرع إلى لسانه، ثم عاد وصحّح. راح صوت المذياع، الذي يحمله، يتقطّع. نصف كلمته لم يسمعها الحاضرون. قالت إحداهن: «ما عم نسمع يا دولة الرئيس». لم يسمعها هو. خالد الضاهر يبتسم، نديم قطيش يعبث بأنفه، فارس سعيد لا يكف عن التلفّت إلى الوراء، متصفّحاً الوجوه، ونوفل ضو فضّل الوقوف في آخر القاعة البائسة. الوزير السابق إبراهيم نجّار غادر المؤتمر قبل أن ينتصف. راح السنيورة يعرض، عبر شاشة، جداول أرقام ليس باستطاعة الجالس في الصفوف الأمامية أن يقرأها. لا يبدو أن الحاضرين فهموا مِنها شيئاً، بدليل أنّهم لم يصفقوا، إذ كانوا يفعلون مع كلّ «مثل شعبي» يطلقه الرجل، مثل تبع «الليمون والتفّاح». صفّقوا له مرّة عندما قال: «بس أنا بخاف الله». أطلق مقولة إضافيّة: «سمّى الجيرة وسمّى الحي ولولا شوي سمّاني». هنا «فرط» كثيرون مِن الضحك. صفّقوا له. بدا الحاضرون، ومِنهم وجوه «مستقبليّة» قديمة، بحاجة إلى زعيم يقودهم ولو كان... سنيورة. يعني «القرقشة ولا الجوع». بالنسبة إلى السنيورة كلّ ما أثير حوله مِن شبهات مجرّد «زوبعة في فنجان». صفّقوا له مجدداً. مروان حمادة يجلس في المقدمة، يصفّق.
في جوابه على سؤال إن كان سيذهب لمقابلة النائب العام المالي، إن استدعاه الأخير فرضاً، أجاب: «هذا أمر يحتاج إلى بحث». الذهاب إلى القضاء، بالنسبة إلى «القامة الوطنيّة» إيّاها، و«رجل الدولة» وما شاكل، تحتاج إلى بحث. ثم استدرك: «بدّي شوف أوّل شي إدارة القضاء، بعدين بصير عندي ثقة... الملدوع من الشوربا بينفخ ع اللبن». في لحظة «النفخ» هذه، صفّقوا له، علماً أن اللقطة هنا بدت ناقصة، وكانت ستكتمل لو خرج أحدهم وأكملها له: «بيطلعلك بوالين». سألته صحافيّة: «ماذا يريد حزب الله مِن مكافحة الفساد الذي مِن الواضح أنه غير موجود». هناك صحافيّة، تعيش على كوكب الأرض، برأيها أنّ الفساد في بلادنا غير موجود. هذا صنف مِن الكائنات موجود، علينا أن نتعايش معه، وأن نحذر أيضاً مِن كونه يتكاثر. وعلى سيرة تشبيهاته الفظيعة إيّاها، نجد في أرشيف الصحف، قبل 20 عاماً، هذا القول المأثور للسنيورة: «يرى البعض أن سائق الباص يجب أن ينظر باستمرار في المرآة، ليستكشف ما وراء الباص ولا ينظر إلى الامام. أما أنا فأعتبر هذا الوضع خطيراً، لأنني أعترف أنّ من الأفضل تمضية 90 في المئة أتطلع إلى الأمام وأترك 10 في المئة لأنظر خلفي بالمرآة». آه يا شاطر آه. هذا الرجل، صاحب هذه المقولة الفالجيّة، كان رئيس حكومة، ووزيراً للمال أكثر مِن مرّة، وكان أحد رؤوس النظام الذي صاغ لنا المستقبل، حاضرنا، وما سيأتي.
هل عرفت السياسة في لبنان أرّق وألطف مِن سليم الحص؟ السنيورة «كان عندو قلب» ليسيء إليه. قبل 10 سنوات، زعم السنيورة أنّ «أكبر زيادة طرأت على الدَّين العام كانت خلال حكومة الحص». ردّ عليه الحص: «إن هذا الدين كانت أرقامه مضخّمة بقيمة المستحقات التي ورثناها من حكومات سابقة، كان زمام المال في يده هو، الحكومات التي درجت على عدم إدخال المستحقات غير المدفوعة ضمن الدَّين العام المعلن لأسباب لا تخفى على أحد». لدى السنيورة مِن «السمّ السياسي» ما يكفي لدفع مثل الحص إلى أن يغضب. الأخير تابع ردّه، على طريقة للحقيقة والتاريخ، قائلاً: «كان الدَّين العام أقل من ملياري دولار في 1992 عندما تولّى السنيورة حقيبة المال للمرة الأولى، فأين نحن اليوم؟ ثم أين أصبح الدَّين بعد تولّيه رئاسة الحكومة لأربع سنوات؟ عبثاً تحاول يا دولة الرئيس الموقّر أن تتستّر على سجلّك الطويل بالتطاول زوراً على الغير».