لا تُغيِّر بيروتُ «جلدتها». تعرف بيروت كيف تواجه المشاريع الإسرائيلية إمّا بـ«السّيف» أو بـ«القلم» أو بكليهما معاً. في مثل هذه الأيّام، قبل 37 عاماً، حُوصِرت بيروت بالنار ودفعت ثمناً لوقوفها إلى جانب قضيّة فلسطين. خرجت «المقاومة الفلسطينية» يومها من المدينة ولم تخرج فلسطين من بيروت. لم تُسقِط بيروتُ فلسطينَ من حساباتها يوماً. بعضُ الحاضرين أمس في «لقاء بيروت» كان في عام 1982 يقاوم «الإسرائيليّ» بسلاح متواضع، رافضاً الاختباء أو الفرار أو المساومة. وكان البعضُ الآخر يرفع صوته عبر «الأثير» ووسائل الإعلام، داعياً «الوطنيين الشرفاء إلى حمل السلاح». في بيروت أمس، حضرت فلسطين مجدّداً، من بوابة مواجهة ما بات يعرف بمشروع «صفقة القرن». لم تكن الصُورة في فندق «رمادا» مشابهة لـ«المناخ الطائفي - العنصري» السّائد في «البلد» منذ أسابيع. على النقيض من ذلك، كانت فلسطين طائفة الجميع وعنواناً وحيداً في ما يراه البعض «بداية تحرّك إعلامي سيواكب المرحلة المقبلة في مواجهة مشاريع تصفية القضية الفلسطينية» وبالتزامن مع انعقاد «ورشة المنامة» التي تشكل حلقة متقدمة في «مسلسل» التطبيع العربي مع «إسرائيل». استعاد المجتمعون في بيانهم الختامي إعلان اللاءات الثلاث الشهيرة «لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف»، معتبرين أن المرحلة تتطلّب «استنفار جميع الإعلاميين الوطنيين والمؤمنين بحق الفلسطينيين في أرضهم والساعين إلى كشف الكذب الإسرائيلي - الأميركي - الأعرابي». البيان الذي أشار إلى أن «كلّ من يشارك في هذه الصفقة خائن مهما ارتفع كعبه، وكل دولة تشترك فيها علانية أو مداورة دولة خائنة للحق الفلسطيني والعربي»، اعتبر أيضاً أن «كل وسيلة إعلامية تهلّل لها (صفقة القرن)، هي وسيلة إعلام إسرائيلية عبرية، ونطالب وسائل الإعلام المقاومة بفضحها وفضح الأشخاص الداعين لها، والدول والهيئات المروّجة لها، والقيام بحملة تجييش مستمرة ضدها ...». تميّز «لقاء بيروت» بحضور طيف واسع من الإعلاميين والسياسيين والدبلوماسيين والقيادات الحزبية والمثقفين والفنانين والفعاليات التربوية والاجتماعية وحركات وفصائل فلسطينية وممثلين عن مؤسسات إعلامية ومراكز أبحاث ودراسات متنوعة. وفيما كان لافتاً دقّة التنظيم للقاء الإعلامي، سأل البعض: «لماذا لا تُعقَد مثل هذه اللقاءات في أحد المخيمات الفلسطينية مثلاً، لتكون بذلك أقرب إلى الناس المعنيين مباشرة بمشروع صفقة القرن؟».
كل دولة تشترك في «الصفقة» دولة خائنة للحق الفلسطيني والعربي

وبينما رأى هؤلاء أن لقاء أمس، شأنه شأن مؤتمرات ولقاءات أخرى، هو «مجرد إنشاء عربي لا يقدم ولا يؤخّر»، شدد آخرون على أهمية إعلاء «صوت الرفض» في هذه المرحلة و«توحيد الجهود على المستوى الإعلامي ضمن آليّات محددة تستطيع التأثير في الرأي العام». توزَّعت الكلمات في لقاء «إعلاميون في مواجهة صفقة القرن» على شخصيات إعلامية لبنانية وفلسطينية وعربية أجمعت على رفض صفقة القرن والمشاريع المرتبطة بها». ناشر صحيفة «السفير» السابق طلال سلمان، قال في كلمته: «إنّ المؤامرة على القضية الفلسطينة لم تتوقف يوماً، وغالباً ما يحصل ذلك بأيدٍ عربية». من جانبه، نقيب المحررين جوزيف القصيفي، دعـا الجميع إلى «الدخول في معترك المقاومة الإعلامية المكثفة الهادفة إلى فضح كل جوانب صفقة القرن المعيبة والتصدي لأي محاولة ترمي لتطبيع ثقافي وإعلامي». بدوره السياسي خلدون الشريف، رأى «أن المواجهة تتطلب كل الأدوات من المقاومة المسلحة إلى الديبلوماسية والإعلام وبناء رأي عام يواكب رفض هذه الصفقة خاصة على المستوى الفلسطيني ...». وبينما شدّد وكيل الأمين العام لاتحاد الإذاعات والتلفزيونات الإسلامية ناصر أخضر، على التضامن والتنسيق والتعاون على المستوى الإعلامي، دعت الإعلامية السورية هناء الصالح إلى إنشاء تكتل إعلامي، لا البقاء فقط في البعدين السياسي والعسكري للمواجهة. وكانت كلمات لكل من رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والسموع عبد الهادي محفوظ والإعلامي المصري عمرو ناصف وعدد آخر من الإعلاميين شددت على ضرورة تكامل العمل المقاوم المسلح مع الجهد الإعلامي. وفيما اعتبر الإعلامي الفلسطيني نافذ أبو حسنة «أن تجربة أمتنا تؤكد أن لا خيار أمامنا إلا المقاومة»، رأى أنّ من الضروري «تشكيل إطار ما لمتابعة وفضح كل الخطوات التطبيعية مع العدو الإسرائيلي». لقاء «إعلاميون في مواجهة صفقة القرن» هو خطوة أولى ضمن مجموعة خطوات في إطار المواجهة الإعلامية للمرحلة المقبلة على ما يقول منظّمو الفعالية. فهل ينجح في تشكيل «خريطة طريق وميثاق شرف نلتزمه ونعمل وفقه، بما يمليه علينا واجبنا المهني والقومي»، على ما يقول عريف اللقاء الكاتب السياسي سمير الحسن؟

البيان الختامي: إعلاميون في مواجهة صفقة القرن

إن هذه الصفقة تمثل أقصى حالات الإذلال، لطيّ حق الشعب الفلسطي في أرضه، وجعله ومن يقف معه في العالم العربي، أمام أمر واقع يقضي بتهويد الأرض وأسرلتها، والقضاء على كل بارقة أمل بالتحرير، وذلك عبر إقامة شبه كيان فلسطيني ذليل ومخنوق في قطاع غزة وأجزاء من الضفة الغربية، لا حول له ولا قوة، وتقديم رشوة بائسة بدولارات عربية وغطاء من دول عربية بدل ذلك، وترك القدس واللاجئين لمصير مفاوضات لاحقة مجهولة الوقت والمصير، وجرّ دول الإقليم إلى مفاوضات استسلام، ولأن الحق في الأرض الفلسطينية ملك للفلسطينيين ولجميع من قاتل من أجلها منذ أكثر من سبعين عاماً، ولأن الأرض ليست للبيع رغم كل الخيانات، ولأنها ملك من استشهد أو رحل ومن بقي وهي حق للأجيال الآتية، من النهر إلى البحر، ولأن فلسطين تضمّ مقدسات الأمة، وهي بوصلة الحرية والتحرر، ولأن أبناء هذه المنطقة دفعوا دماء أبنائهم ومالهم ومستقبلهم في سبيل تحريرها، ولأن فلسطين هي الراية والعز والمسعى والمآل والرمز لبلادنا، فإن المجتمعين اليوم يرفضون هذه الصفقة/العار، ويسعون ويطالبون بإسقاطها بكل السبل المتاحة. إننا نعتبر كل من يشارك في هذه الصفقة خائناً مهما ارتفع كعبه، وكل دولة تشترك فيها علانية أو مداورة دولة خائنة للحق الفلسطيني والعربي، ونعتبر كل وسيلة إعلامية تهلّل لها، وسيلة إعلام إسرائيلية عبرية، ونطالب وسائل الإعلام المقاومة بفضحها وفضح الأشخاص الداعين إليها، والدول والهيئات المروّجة لها، والقيام بحملة تجييش مستمرة ضدها. إن الوقت داهم، والموقف واجب، والساعة تتطلب لاءات: لا صلح.. لا تفاوض.. لا اعتراف، وإن التفاوض على الحق هو الباطل عينه، ما يستدعي استنفار جميع الإعلاميين الوطنيين والمؤمنين بحق الفلسطينيين في أرضهم والساعين إلى كشف الكذب الإسرائيلي - الأميركي - الأعرابي، ولا يزال التاريخ يثبت أن ما أُخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة. إننا ندعو لتكثيف اللقاءات والجهود والمبادرات عبر كل الوسائل الإعلامية ومن خلال مواقع التواصل الاجتماعي والمؤسسات الفكرية ومراكز الدراسات والابحات لتأكيد أن فلسطين لأهلها وللمدافعين عن حقوقهم وستبقى ولفضح صفقة القرن وكل المشاريع المرتبطة بها.
إعلاميون في مواجهة صفقة القرن
بيروت في 21/6/2019