كان يوم أمس مخصصاً لتخطي قطوع الجبل. استنفار سياسي بدأ صباحاً باجتماع المجلس الأعلى للدفاع، وبقرار حاسم بضبط الأمن وبتوقيف جميع المطلوبين، مع إجماع، في الوقت نفسه، على ضرورة التهدئة، وعدم إقحام الأجهزة الأمنية بالخلافات السياسية. إلا أن ذلك لم يمنع من استمرار التوتر في قرى عديدة في الجبل، حيث قطعت الطرقات في أكثر من منطقة، مع مطلب واحد: رامي سلمان وسامر أبو فراج لن يدفنا قبل تسليم المتهمين.وفيما أثنى النائب طلال ارسلان على مقررات المجلس، فقد طالب في مؤتمر صحافي سبق لقاءه بالرئيس ميشال عون بتحويل الجريمة إلى المجلس العدلي، معتبراً أن من الطبيعي عندما يتعرض وزير لمحاولة اغتيال أن يحال الملف إلى المجلس العدلي. وأضاف: «لا يكلمني أحد عن دفن قبل تحويل القضية إلى المجلس». وهو أمر لا يزال يدرس، خاصة أن مطالبات عديدة أتت في هذا السياق. وتردد أن رئاسة الجمهورية تؤيده، ولا سيما أن المستهدف هو وزير في الحكومة وعضو في تكتل لبنان القوي.
اجتماع بعبدا كان شهد إجماعاً على ضرورة ضبط الأمن واعتبار أن ما حصل يشكل استهدافاً لهيبة الدولة وليس مسموحاً أن تكون أي منطقة مقفلة أمام أي لبناني، خاصة أمام الوزراء والنواب. واعتبر رئيس الجمهورية أن ما حصل كان يمكن أن يودي بحياة أربعة وزراء ونائبين كان يمكن أن يكونوا في الموكب نفسه. وشدد على ضرورة فرض هيبة الدولة.
من جهته، أكد الرئيس سعد الحريري وجوب التعامل مع الأمور بروية. وهو إذ أشار إلى خطورة ما حصل، إلا أنه اعتبر أن خلفيته ليست أمنية أو عسكرية بل سياسية، والبلد لا يحتمل أي توتر، لافتاً إلى أنه «لا داعي للخطابات والتشنج، ولا أعرف لماذا تشد غالبية القوى السياسية العصب، كما لو أننا على أبواب انتخابات». كلام الحريري استدعى رداً من الوزير سليم جريصاتي، معتبراً أن الاستقرار السياسي موجود لكن المسألة بحاجة إلى تحرك أمني وقضائي لاستعادة هيبة الدولة، كما حصل في طرابلس عندما طوّق الجيش عملاً إرهابياً. لكن قائد الجيش جوزف عون تدخل ليشير إلى أن مسألة الحدث الإرهابي في طرابلس مختلفة عن الأزمة الحالية.
مقابل كل التوتر الذي ساد الجبل، لم يظهر النائب السابق وليد جنبلاط أي رغبة في التهدئة، فيما بدا قراراً مسبقاً بالمحافظة على مستوى عال من التوتر، علماً بأنه كان بإمكانه أن يقوم ببعض الأمور الشكلية التي تسهم في الحد من زيادة الشرخ. ولليوم الثاني على التوالي، لم يقم بأي مبادرة لخفض حدة التشنج، فلا اتصل بأرسلان معزياً، ولا أعلن موقفاً متضامناً مع أهالي الضحايا. والأسوأ أنه لم يحد عن جدول أعماله، فسارع الحزب إلى الإعلان عن لقاءاته في الكويت، كما لو أن شيئاً لم يكن.
ومقابل الصمت الجنبلاطي، ترك الكلام إلى مفوضية الإعلام في الحزب الاشتراكي، التي أصدرت بياناً باهتاً، أكدت فيه تجديد الحزب تمسكه بدور الأجهزة القضائية ومرجعية الدولة وضرورة أن تأخذ التحقيقات مجراها بشفافية ونزاهة. وشدد على أنه لن ينجر إلى أي سجالات سياسية أو إعلامية ترمي إلى إذكاء النيران وتأجيج التوتر في منطقة الجبل. كما أكد ثقته الكاملة بالجيش اللبناني مقدراً ومثمناً تضحياته ودوره الوطني في حماية الاستقرار والسلم الأهلي، ومشدداً على رفض أن يدق أي إسفين بين الحزب وبينه. كذلك كان لافتاً ما نشرته الأنباء من اتهام للغريب بإطلاق النار بنفسه.
ثقة النهار بالجيش، سرعان ما انقلبت ليلاً إلى تشكيك في دوره، على خلفية قيامه بمداهمات في قرية البساتين، أسفرت عن توقيف عدد من المتهمين. وقد قرئت هذه المداهمة التي جاءت تنفيذاً لقرار المجلس الأعلى، على أنها تجريد لجنبلاط من القدرة على اختيار التوقيت وتهيئة الظروف التي يراها مناسبة لتسليم المطلوبين. فكانت النتيجة بياناً شديد اللهجة من وكالة داخلية الغرب في الحزب التقدمي الاشتراكي اعتبرت فيه أن «ما يجري في منطقة الغرب والشحار من مداهمات وملاحقات وخرق لحرمة المنازل أقل ما يقال فيها أنها بربرية وهمجية وتكشف عن نوايا سيئة وكيدية تجاه هذه المنطقة العزيزة وأهلها الشرفاء». وأضاف البيان أن «تطبيق القانون وتنفيذ الاستنابات القضائية يجب أن يطبق على كل الناس من دون أي تمييز وضمن الاصول والقواعد القانونية المرعية الإجراء».
الجيش يوقف مطلوبين في البساتين و«الاشتراكي» يتّهمه بخرق حرمة البيوت!


في المقابل، أكد رئيس حزب التوحيد العربي وئام وهاب أن تحرك الجيش إنما جاء ليثبت أن قرار الدولة حاسم في رفض سيطرة الميليشيات على مصير الجبل. كما أشار إلى أن البدء بتوقيف المتورطين سيساعد في إقناع الأهالي بدفن الضحايا، بعدما أكدوا رفضهم القيام بواجب الدفن قبل توقيف المتورطين.
التوتر الجبنلاطي ليس مرشحاً للتراجع، خاصة مع توقع المزيد من الخسائر، ومنها في ملف التعيينات، حيث وُعد ارسلان ووهاب بأن تكون لهما حصة من التعيينات الدرزية، علماً بأن ارسلان كان قد أكد، في مؤتمره الصحافي، أن التوتر الجنبلاطي سببه مالي أيضاً، كاشفاً أن الأخير سبق أن طالب بحصة في معمل الترابة التابع لآل فتوش، وقد جرى ذلك في اجتماع عقد برعاية الرئيس نبيه بري.
ومن دون أن يغوص في اتهام الجيش بالتقصير، اعتبر أرسلان أن «ظهور الجيش في الجبل كان ضعيفاً جداً بالرغم من التحريض الذي مورس ضد زيارة الوزير باسيل». وقال: لا نشكك في انتمائنا وحرصنا على المؤسسة العسكرية، ولكنْ هناك أمور غير طبيعية تحصل، ولهذا لن أدخل في الأسماء لأنني التزمت بوعد مع وزير الدفاع».