ينكبّ وزير الاتصالات محمد شقير على التحضير لتقديم ملف مناقصة إدارة قطاع الخلوي إلى مجلس الوزراء تمهيداً لإطلاقه. لم يعد أمامه الكثير من الوقت ليضيّعه. فقد سبق أن حصل في 7 آذار الماضي على قرار حكومي يقضي بتمديد عقدَي الإدارة الحاليين لمدة تنتهي نهاية العام الحالي. حجة التمديد كانت آنذاك أن المناقصة ستستغرق ثمانية أشهر. مرت ثلاثة أشهر من هذه المدة، ما يعني أن تمديداً جديداً قد يلوح في الأفق.ليس الوقت مهماً، على ما تؤكد كل التمديدات التي شهدها عقد الإدارة على مدى السنوات السابقة. الأهم أن الحكومة قررت طرح المناقصة، عبر إعداد دفتر شروط، يُجمع عاملون في القطاع على أن عنوانه إقصاء واحدة من الشركتين المشغلتين حالياً، أي شركة «أوراسكوم» (ألفا). أما الأكثر أهمية، فهو أنها تسوّق لنفسها على أنها تُقدّم دفتر شروط نموذجياً يعيد للخزينة بعضاً مما خسرته بفعل التعديل الذي طرأ على العقد أيام الوزير نقولا صحناوي. كل من يُسأل من المعنيين بالعقد، يُبادر إلى القول إن شروط المناقصة الجديدة معدة لاستقطاب أفضل الشركات في العالم، تمهيداً لنقل خبراتها إلى السوق اللبناني. في العقد المقترح «إنجاز» آخر مهم. الأكلاف التشغيلية ستكون على عاتق الشركة المشغّلة، بعدما صارت، منذ عام 2012، على عاتق الوزارة وخاضعة لقرارات الوزير تحديداً. ذلك تصريح أولي بأن السنوات الماضية شهدت هدراً منظماً للمال العام. وهذا ما أكدته اجتماعات لجنة الاتصالات النيابية، التي خرجت بخلاصة مفادها أن المصاريف التشغيلية والرأسمالية تشكّل 42.5 في المئة من مجمل الإيرادات المحصّلة من المشتركين، أي 661 مليون دولار من 1.554 مليار دولار. في اللجنة نفسها، تم تأكيد إمكانية توفير 200 مليون دولار في الحد الأدنى من تلك النفقات، أي بتعبير آخر فإن هذا المبلغ أو ربما أكثر قد صُرف بشكل يثير الشكوك.
قد يكون هذا من الماضي، والحكومة قررت البدء من جديد على قاعدة عفا الله عما مضى. ولذلك يصبح بديهياً العودة عن الخطأ، ونقل المصاريف التشغيلية إلى عاتق الشركات التي تفوز بعقدَي الإدارة. فبحسب المطروح، ستُساهم هذه الخطوة في لجم الصرف العشوائي الذي كان يتم بقرارات من الوزير، بـ«المونة» على إدارتَي الشركتين، أو ربما بالشراكة معهما، أو بالترهيب من عواقب أي رفض لطلباته، التي قد تبدأ بتقديم دعم ألف دولار لهذه الجمعية أو تلك، وصولاً إلى صرف عشرة ملايين دولار على عقود تفتقر إلى الشفافية بشحطة قلم.

الوزير الملك
في المسودة التي قدّمها وزير الاتصالات إلى مجلس الوزراء جدول يبيّن الفارق بين الاتفاقية الحالية مع الشركات المشغلة والاتفاقية الجديدة المنوي توقيعها. البند الثالث يتحدث عن مدة العقد. هذا بالتجربة لا قيمة له، فلا فرق بين أن يكون العقد لسنة واحدة، ثم يُمدّد بقرارات حكومية أو وزارية (مخالفة للقانون) لسنوات طويلة، أو أن يكون لثلاث سنوات كما يشير العقد الجديد. المادتان الأولى والرابعة هما الأساس. فالمادة الأولى تشير إلى أن نفقات التشغيل انتقلت إلى عاتق المدير (الشركة المشغّلة). لكن يتضح من المادة نفسها أن هذه النفقات لن تكون بكاملها على عاتق الشركة.
عقد الإدارة يجيز لوزير الاتصالات صرف أموال الخلوي مباشرة!

ثمة جدول يحددها. وعليه، فإن كل ما لا يحدده الجدول سيكون على عاتق الدولة، بما يعني أن «الإنجاز» لن يكون كاملاً، وأن ثمة من يصعب عليه التخلي عن منجم الذهب. بحسب العقد، تدفع الدولة النفقات الرأسمالية (الاستثمارات) والنفقات الاستثمارية للصيانة (نفقات تشغيلية)، بما فيها: عقود تحديث البرامج المستعملة، والعقود التي تخضع لمخططات تقسيم إيرادات مع مقدمي الخدمات (vas). الأكثر إثارةً في العقد هو البند (ع) الذي يشير إلى أن الدولة تدفع «النفقات التشغيلية غير المتوقعة التي يقررها الوزير لأسباب تتعلق بالمصلحة العامة». أي أن الوزير يملك الحق أولاً بتقدير المصلحة العامة ومن دون العودة إلى مجلس الوزراء، وثانياً بصرف الأموال العامة على هذا الأساس. حتى مع تجاوز هذه الإشكالية، والتسليم بأن المصلحة العامة تستدعي أن يُقرر الوزير صرف الأموال لأي سبب كان، فلماذا يكون ذلك بالسماح للوزير بمد يده إلى أموال لا يملكها عملياً، أي أموال الشركات قبل تحويلها إلى الوزارة كعائدات؟ الإجابة بسيطة، ففي اللحظة التي يتم فيها تحويل الأموال إلى الوزارة، ستكون خاضعة لرقابة غير متوفرة في الشركات. وبالتالي، من الأفضل تركها هناك وصرفها مباشرة.

نسبة استثمار مضخّمة
مع التسليم بأن الكلفة الاستثمارية ستكون على عاتق الدولة كونها مالكة القطاع، إلا أن الإشكالية الأخرى التي تظهر تتعلق بنسبة هذه الاستثمارات من مجمل العائدات. يشير العقد إلى أن الوزارة يحق لها أن تصرف 20 في المئة من العائدات على الاستثمار. هذا رقم ضخم بكل المقاييس، حتى لو خُفّض إلى 16 في المئة، أسوة بالتجارب العالمية، على ما اقتُرح في المفاوضات التي يجريها وزير الاتصالات مع أكثر من طرف. فمقارنة حجم الاستثمار بما يجري عالمياً، يتطلب قبلاً مقارنة طبيعة العائدات. عادة ما يؤخذ الأردن كأفضل نموذج للمقارنة مع لبنان. هناك يُقدّر المعدل الشهري للعائدات المحصّلة من الفرد (RPU) بــ 6.5 دولارات، بينما يصل في لبنان إلى 30 دولاراً. وهذا التفاوت لا يعود إلى أسباب تقنية أو تتعلق بطبيعة القطاع، بل تعود، ببساطة إلى كون لبنان يعتمد على قطاع الخلوي كمصدر للضرائب والرسوم. وهذا يقود ضمناً إلى عدم جواز المقارنة بين لبنان والتجارب العالمية عند الإشارة إلى العائدات، وبالتالي نسبة النفقات الاستثمارية منها. فنسبة العشرين في المئة من العائدات في لبنان، إنما تشكل 43 في المئة من المعدل العالمي، وبالتالي فإن التماثل مع هذا المعدل يعني الاكتفاء بحجز 5 في المئة من عائدات الموازنة السنوية للاستثمار.

تحالف للإدارة!
حتى لو كان للوزير أو للوزارة الحق بصرف الأموال بدل التشغيل والصيانة أو بدل استثمار، فإن ذلك لا يلغي حقيقة أن جزءاً من هذه النفقات قد عاد إلى كنف الشركتين المديرتين. أي أن بعضاً من القدرة على التصرف السياسي بأموال الخلوي قد حجب. ولهذا ربما، ينص دفتر الشروط على فتح المنافسة أمام «إما مشغّل لشبكة هاتف خلوية أو شركة تابعة له، وإما اتحاد شركات». والتحالف يعني ببساطة إمكان دخول شريك لبناني في الصفقة، إذا تمكن من الاتفاق مع مشغل عالمي يلبّي معايير التأهيل ويملك 51 في المئة من حقوق ملكية الأسهم.
الحديث عن التحالفات ليس مفهوماً في مناقصات من هذا النوع، بحسب مصدر مسؤول في القطاع.

المصاريف التشغيلية تعود إلى الشركة المشغّلة جزئياً

إذ إنها تنشأ عادة حيث يوجد استثمار عالٍ ومخاطر عالية، فتكون مهمة الشركاء تقاسم رأس المال وتقاسم المخاطر. وهو ما ليس موجوداً في حالة عقد الإدارة، الذي يحتاج إلى أموال ربما تكفي لقطع تذكرة سفر إلى لبنان وحجز فندق وشراء دفتر الشروط. سيناريو من هذا النوع، قد ينتهي بانسحاب الشركة الأجنبية المشغّلة واقتصار الإدارة على الشريك اللبناني. وهذا سيعني عملياً تثبيت نفوذ الفريق الذي يفوز بالمناقصة على أهم مصدر للعملات الأجنبية، مع حرية كبيرة في الصرف. ولهذا يكثر متوقّعو تطييرها، أسوة بما حصل في المناقصة السابقة. فمع تسليم كثر ببقاء شركة «زين» مشغّلة لـ MIC 2 (تاتش) لاعتبارات تتعلق بارتباطاتها ومعرفتها بالقطاع، فإن الصراع يتركز على MIC 1 (يتم التداول باسم إحدى الشركات العالمية ذات العلاقات المتشعّبة في لبنان). لكنّ مصدراً مطّلعاً على الاجتماعات التحضيرية، يشكك في أن يتمكن مجلس الوزراء بتحالفاته وصراعاته المعقّدة بتسليم أطراف محددة رقبة القطاع، أو على الأقل مسؤولية شبكة من الشبكتين. الأمر مطروح على هذا الشكل لأنه ببساطة لا إمكانية لتصوّر مناقصة شفافة يفوز بها من يقدم العرض الأفضل.