في 13 حزيران الماضي، قضى موقوفان، هما أحمد الخطيب وكمال قهوجي، داخل نظارة فصيلة بئر حسن التابعة للمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، أثناء اتكائهما على بوابة الزنزانة الحديدية. وفي خلاصة أوليّة لما حدث، تم ترجيح أسباب الوفاة بالتعرّض لصعقة كهربائية جراء كابلات الكهرباء الملاصقة للبوابة والمنتشرة بشكل عشوائي في المحيط، من دون أن تحسم النتيجة علمياً.ومنذ ذلك الحين، تتعامل المديرية ووزيرة الداخلية ريا الحسن وكأن سمكتين نفقتا على شاطئ بيروت، حيث لم تُجرَ أي محاولة من قبل المعنيين في المديرية أو وزارة الداخلية لاستيعاب خسارة عائلتي الضحيتين وتطمينهما إلى أن القانون سيأخذ مجراه لتحديد أسباب الوفاة ومحاسبة المسؤولين.
أكثر من ذلك، وبحسب شقيق الضحية قهوجي، جميل قهوجي، فإن اللقاء الوحيد الذي حصل كان بينه وبين المدير العام اللواء عماد عثمان، ولمدّة خمس دقائق. وطلب منه عثمان عندها بأن يصبر وينتظر نتائج التحقيق، ومذذاك، لم يعد موظّفو المديرية يردّون على اتصالاته. وحين حاول اللجوء إلى القضاء للتقدم بدعوى والمطالبة بفتح تحقيق، رفضت الدوائر القضائية التجاوب، مطالبين عائلة قهوجي بتقرير قوى الأمن الداخلي حول أسباب الوفاة قبل الشروع بأي إجراء قانوني، في الوقت الذي لا يستطيع فيه قهوجي الوصول إلى أي من المسؤولين.
الإهمال والاستخفاف بالتعامل مع فضيحة من هذا النوع في دوائر القرار، ليسا سوى جزء بسيط من مسار الإهمال الذي أوصل إلى وقوع هذا الحادث البشع. «الأخبار» حصلت على مجموعة معطيات تشير إلى مراسلات داخلية متعددة في قوى الأمن، وتؤكّد أن السبب الأول في وفاة الضحيتين هو الإهمال، بالإضافة إلى الحالة المتردية التي تعانيها مباني قوى الأمن والسجون والنظارات بشكل خاص والاكتظاظ بعدد الموقوفين والمساجين، ما يجعل حدوث أمرٍ كهذا مسألة متوقّعة من دون أن يحرّك أحد ساكناً.
فبحسب المعطيات، جرى الكشف بعد وقوع الحادث من عدّة أجهزة أمنية وإدارية تابعة لقوى الأمن، من ضمنها مصلحة الأبنية التابعة لقوى الأمن ومن دون الاستعانة بأي خبير كهربائي أو شركة متخصصة كما تقتضي الحالة. لكن جرى معاينة كابلات و«هاوس» ومفاتيح كهربائية مثبتة كيفما اتفق على جدران النظارة وقرب البوابة الحديدية. كما جرت معاينة كابلات وأسلاك كهربائية متشابكة خطرة. كما تبيّن بعد اقتلاع بلاط من أرضية الزنزانة وجود كابل كهربائي تحتها، ذائب كليّاً.
والمصيبة أن المسؤولين لم يقوموا بأي تحقيق فني لمعرفة الأسباب الحقيقية، بل اكتفوا بالاستنتاج بأن السبب هو الكابل الذائب، مع التقليل من خطورة الأسلاك والشرائط المتشابكة قرب البوابة الحديدية.
صالت معاملة إصلاح الكهرباء في الفصيلة وجالت 7 أشهر ولا تزال في طور التلزيم!


لكن الفضيحة، هو ما يتبيّن من المراسلات التي تسبق الحادثة بسبعة أشهر. إذ إنه بتاريخ 14 تشرين الثاني 2017، وجّه آمر فصيلة بئر حسن برقية رقمها 7366 إلى رئيس مصلحة الأبنية يطلب فيها «إجراء الكشف على مبنى الفصيلة لجهة أعمال التمديدات الكهربائية ومعالجة النش الحاصل في كل غرف الفصيلة بما أمكن من السرعة»! وفي اليوم التالي، حوّل رئيس المصلحة البرقية إلى رئيس مكتب الدروس لمعالجتها. وفي تاريخ 29 تشرين الثاني وجّه آمر الفصيلة برقية أخرى إلى رئيس مصلحة الأبنية طلب فيها «الكشف على سقف غرفة الاتصالات بسب تسرب الأمطار بما أمكن من السرعة» وقد حوّل رئيس المصلحة البرقية إلى رئيس مكتب الدروس. كما أرسل برقيتين إضافيتين للكشف عن مشاكل أخرى في مبنى الفصيلة. وبعد خمسة أشهر، أي في بداية شهر نيسان، قام مكتب الدروس بضمّ البرقيات الأربع وتنظيم كشف «تخميني» على مبنى الفصيلة، حتى بلغت كلفة الأشغال ما يفوق الـ 12 ألف دولار أميركي، فتخطت حدود الفاتورة النثرية المعتمدة بسقف 2000 دولار. وبتاريخ 16 نيسان، قام رئيس مكتب الدروس برفع المعاملة إلى مصلحة المباني، مقترحاً تلزيم الأشغال، وتم تحويلها إلى مكتب التلزيم في اليوم نفسه. وحتى الآن، لا تزال المعاملة تصول وتجول في طور التلزيم، ما يعني بقاء النظارة بهذه الخطورة طوال سبعة أشهر.
وهنا، يمكن استنتاج الآتي: أولاً، تجاهل مسؤولو مصلحة الأبنية ومكتب الدروس البرقية الأولى لآمر الفصيلة، والتي ركّز فيها على التمديدات الكهربائية. ثانياً، ماطل المسؤولون مدة خمسة أشهر قبل التحرك، مع أن برقيات آمر الفصيلة كانت تطلب التحرّك على وجه السرعة، كما سبّب ضمّ البرقيات بارتفاع قيمة الكشف، وتخطي حدود الفاتورة النثرية، ما أعاق تنفيذ الأعمال بشكل متتابع. وبسبب الإهمال سلكت المعاملة طريق الروتين الإداري القاتل، بدل التعامل معها بصيغة العاجل، التي يتمّ استخدامها أحياناً لفرش مكاتب بعض الضباط وبمبالغ طائلة أحياناً.