توقيت مقابلة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، على قناة المنار، أمس، لم يكن مرتبطاً حصراً بالذكرى الـ 13 لاندلاع حرب تموز 2006. اختار نصر الله أن يُخاطب الرأي العام، في توقيت دولي ــــ إقليمي حسّاس، يتعلّق بارتفاع مستوى التوتر بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران، وازدياد وتيرة الحديث عن احتمال الحرب، في ظلّ التطورات في مضيق هرمز، واستعار الضغوط على الجمهورية الإسلامية. الرسالة التي أراد نصر الله إيصالها، جاءت واضحة: «يجب أن يعرف الجميع أنّ الحرب إن حصلت ستكون حرباً مُدمرة للمنطقة كلّها. كلّ دولة ستكون شريكة في الحرب على إيران، أو تُقدّم أرضها للاعتداء على إيران، ستدفع الثمن». لم يستثن أحداً من «نيرانه»، لأنّه عندما تُفتح الحرب على إيران، «يعني فُتحت الحرب في المنطقة كلها». لذلك، كانت «النصيحة» لدول المنطقة بأنّ «مسؤوليتنا جميعاً العمل لمنع حصول الحرب الأميركية على إيران».
نصر الله: كلّ دولة شريكة في الحرب على إيران ستدفع الثمن (هيثم الموسوي)

وسأل نصر الله أنّه «إذا تمّ تدمير الإمارات عند اندلاع الحرب، هل سيكون ذلك في مصلحة حكّام الإمارات وشعبها؟ ويجب أن تفهم إسرائيل أنّ أي حرب في المنطقة لن تكون هي فيها محيّدة، فإيران قادرة على قصفها بشراسة وقوة». ولكن على الرغم من عوامل التوتر في المنطقة، رأى نصر الله أنّ «ما يمنع الولايات المتحدة الأميركية من الذهاب إلى حرب، هو أنّ مصالحها في المنطقة كلّها معرضة للخطر». فحين ألغى ترامب الضربة العسكرية التي كانت تستهدف مواقع عسكرية إيرانية، ردّاً على إسقاط طهران طائرة استطلاع أميركية اخترقت الأجواء الإيرانية، كان ذلك «بسبب إرسال الإيرانيين للأميركيين، عبر دولة ثالثة، أنّه إذا تم قصف أي هدف في إيران أو لإيران، فسيتم قصف أهداف أميركية». لكن عدم الرغبة في الحرب «لا يعني أنّ الأمور انتهت».
كلام نصر الله عكس صورة أنّ إيران، رغم الحصار والعقوبات التي تتعرض لها، لن تتراجع. «إيران لن تفاوض أميركا مباشرةً، ولن تفاوض تحت ضغط العقوبات»، بل إنّ تلك الأخيرة «ستُقوي الإنتاج الداخلي، وتذهب بهم إلى مسار أسرع في تطبيق الاقتصاد المقاوم، وتقوية العلاقات مع دول الجوار والعالم». ولكن إيران لا تُقفل الأبواب أمام المساعي الدولية، «بما يحفظ المصالح والكرامة». حتى إنّ الجمهورية الإسلامية، «كانت دائماً جاهزة للحوار مع السعودية وتُنادي به، إلا أنّ الجواب كان المزيد من العدوانية».
سياسة الردع الإيرانية تنطبق أيضاً في مواجهة الكيان الصهيوني. بعد مرور 13 سنة على حرب الـ 33 يوماً، «المقاومة في لبنان اليوم أقوى من أي زمن مضى. الردع القائم هو بين قوة شعبية ودولة تعتبر نفسها قوة عظمى في المنطقة، وهذه المعادلة يعترف بها العدو بقادته ومسؤوليه وإعلامييه». قال نصر الله إنّ العدو اليوم يخشى المقاومة أكثر من أي وقت مضى، مُتحدثاً عن تطور قدراتها البشرية والعسكرية، «وربما نملك أو لا نملك صواريخ لإسقاط الطائرات، هذه من مساحات الغموض البنّاء بمواجهة العدو».
حزب الله متمسّك بالحريري... وجنبلاط طلب حصّة في معمل عين دارة!

مقابل التطور اللبناني، «فشل الإسرائيلي في ترميم الثقة بعد حرب تموز، رغم كلّ ما أقدم عليه، وحصوله على أسلحة متطورة من الأميركي، والقيام بالكثير من المناورات». ونصح الأمين العام لحزب الله الإسرائيليين بعدم استخدام تعابير من مثيل إعادة لبنان إلى العصر الحجري، فليس «شمال فلسطين وحده في دائرة نيراننا»، بل النقطة الأهم هي «الشريط الساحلي من نتانيا إلى أشدود، حيث قلب الكيان، والجزء الأكبر من المستوطنين موجودون فيه، وكل مراكز الدولة الأساسية. إذا كان هناك مقاومة لديها قدرة صاروخية بعشرات الآلاف تطاول هذه المنطقة، فهل يستطيع كيان العدو أن يتحمّل ذلك؟ هذا سيكون العصر الحجري. والدمار الهائل هو الحد الأدنى ممّا سيحصل». حالة الردع الكبرى، ستمنع الإسرائيليين من اللجوء إلى حرب، بحسب نصر الله، المتفائل جدّاً بأنّه «صحيح أن الأعمار بيد الله، لكن منطقياً أنا سأُصلّي في القدس».
وأكد نصرالله أنّ حزب الله لم ينسحب من سوريا، «ولا يوجد مناطق أخليناها بالكامل. لا زلنا في كلّ المناطق التي كنا فيها، ولكن خفضنا الوجود، فلا داعي لأن يبقى كلّ العناصر هناك». ولكن، إذا «استدعت الحاجة، فسيعودون وأكثر، رغم العقوبات والتقشف».
وتناول نصرالله في مقابلته، ما يُسمّى بـ«صفقة القرن» الأميركية، مُعتبراً أنّها «لا تملك عناصر النجاح، وفيها مجموعة عوامل لتفجيرها من الداخل». وما يقف حائلاً دونها «وحدة الموقف الفلسطيني، صمود إيران التي هي الداعمة اللوجستية شبه الوحيدة، فشل المشروع في سوريا، الانتصار في العراق واليمن، قوة محور المقاومة، عدم وجود رافعة عربية للصفقة. كان يُمكن أن تلعب السعودية هذا الدور، لولا فشلها في اليمن». وقال نصرالله إنّ لا أحد يستطيع فرض توطين اللاجئين الفلسطينيين إن كان هناك إجماع على رفضه، «نقطة القلق الوحيدة ترتبط بإرادة اللبنانيين، وهي أنّ يتم التهويل بالوضع المالي والاقتصادي، ويُقال لنا إنّ حبل النجاة الوحيد هو القبول بالتوطين مقابل المال. قد يسيل لعاب البعض».
لبنانياً أيضاً، كشف نصرالله أنّ إدارة ترامب تسعى لفتح قنوات اتصال مع حزب الله من خلال وسطاء، هي التي تُحاول فرض نفسها «وسيطاً» في ملفّ ترسيم الحدود البرية والبحرية مع العدو. وأوضح الأمين العام لحزب الله أنّ «تعبير الترسيم خاطئ، فالحدود البرية مُرسّمة أصلا، والمطلوب تطبيق هذه الحدود». أما بحراً، فتشديد على التلازم بين المسارين البحري والبري، لأنّ «ترسيم البحر سيبدأ من النقطة B1 البرية». وأكد أنّ الثروة النفطية ستكون بحماية المقاومة، «لبنان غير ضعيف. فلنقل هذه أرضنا وهذه مياهنا، ونريد أن نُلزّم الشركات، والاسرائيلي لن يجرؤ على الدخول إليها». وإذا لم تقبل الشركات التزام أعمال التنقيب، «فأتعهد أن أؤمّن شركة تقبل الالتزام والعمل في المنطقة اللبنانية، وليس شرطاً أن تكون شركة إيرانية».

حزب الله لم ينسحب من سوريا، وليس هناك مناطق أُخليت بالكامل


وختم نصرالله مقابلته، بالأزمة الحكومية الناتجة عن جريمة قبرشمون. أوضح أنّه «من الطبيعي أن نقف إلى جانب حليفنا الذي اعتُدي عليه، ونؤيد مطلب المير طلال ارسلان بتحويل أحداث الجبل إلى المجلس العدلي»، على أن «يُعالج ملف حادثة الجبل»، مُشيراً إلى أنّ حزب الله «ليس مع تعطيل الحكومة. قرار التأجيل كان قراراً حكيماً». أما بالنسبة إلى النائب السابق وليد جنبلاط، «فهو من أخطأ معنا، وبدأ الخلاف معه بحديثه عن «سلاح الغدر»». وكشف ان جنبلاط طلب من حزب الله وساطة للدخول في شراكة تجارية مع بيار فتوش في معمل الاسمنت عين دارة، قبل أن يعرض على الحزب إنشاء شركة تكون له (أي جنبلاط) ولفتوش حصة فيها، لكن الحزب رفض اقتراحَي جنبلاط.
التسوية الرئاسية، بحسب نصرالله، «صامدة لأن لا خيار آخر عند الجميع، ونحن سهلناها». كما أنّ حزب الله «مُتمسك ببقاء الحريري على رأس الحكومة». وأكد الاستمرار «بمعركة مكافحة الفساد وهي طويلة وصعبة. أهم شرط من شروطها هو وجود قضاء قوي». أما بالنسبة للعقوبات الأميركية الجديدة، فاعتبر نصرالله أنّ «الدولة أهينت بفرض عقوبات على نائبين، فلتُدافع عن نفسها».